ما بعد “الكحالة”… الأسوأ مُنتظر

في حادثة “الكحّالة”، ليس المهم فقط الحادث بحدّ ذاته بمقدار المقصود من الوقائع السياسية والأمنية التي سبقته، وتلك التي ستليه.

بدا واضحاً منذ ما قبل الشغور الرئاسي أن قوى المعارضة ماضية في مواجهة “حزب الله” بطريقة أخشن. حضرت يومذاك مواجهات “الطيونة” بكل ما فيها من تجربة وتحوّلات إستخدمت في مسار تعديل مزاج البيئة المسيحية. فيما بعد، حضر الشغور الرئاسي في وقتٍ لم يكن من مجال متاح لتأمين توافقات حول البديل.

 

ومع احتشاد القوى المسيحية كافة خلف منطق يقول بأنها صاحبة الحق في التسمية إبتداءً، وجدت قوى المعارضة مناخاً مؤاتياً دفعها صوب تفضيل مرشحي “التحدّي” في مواجهة “حزب الله” على أولئك “الوسطيين”.

وبنتيجة التحوّل، بنت قوى المعارضة تقديراً يقول أن في إمكانها تحقيق اختراقات، وساعدها أن “الثنائي الشيعي” خسر فريقاً مسيحياً وازناً.

في حساب المعارضة، أن تعديل “المنهج” السياسي السائد لا بد أن تتوفر فيه عناصر مؤثِّرة تؤدي إلى تحقيق “ضربة سياسية” تستهدف الحزب وحلفائه. وفي اعتقادها أن الضربة الأولى تحققت بالفعل نتيجة حدوث “شرخ سياسي” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. بداية دعمت المعارضة ترشيح ميشال معوض، وفيما بعد جهاد أزعور، واليوم يُطرح بحث في إطار طرح مرشح ثالث شرط أن يحصل هذه المرة بالتقاطع مع قوى الخارج.

بين هذه وتلك، حدثت وتحدث خضّات أمنية، بعضها مدروس وبعضها الآخر شكّل مصادفة كحادثتي “عين إبل” و “الكحالة” اللتين تزامنتا في ذات اليوم، وجاءت مفاعيلهما بنفس قوة مفاعيل تلك المقصودة.

تبعاً للمسار الحاصل، ليس من مجال لإخفاء أن النتائج التي تلت الحادثتين “مدبّرة”، بالإستدلال إلى تشدّد قوى المعارضة وانتظارها الفرصة، بدءا من التحوّل الذي طرأ على خطاب رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، الذي دعا جهاراً “لاتخاذ خطوات إستثنائية والانتقال من الأسلوب التقليدي في العمل السياسي إلى موقع آخر”، وليس آخراً دعوة النواب الـ12 من المعارضة إلى “التشاور الواسع فيما بينهم لإعادة النظر بشكل شامل في مسار المواجهة مع منظومة الحزب وحلفائه، داعين لإطلاق مرحلة جديدة من المواجهة”.

عملياً، ما يخشى منه أن يتحوّل الكلام في المرحلة المقبلة إلى الإطار التنفيذي، عطفاً على إجراءات فعلية تبدو قوى المعارضة في صددها سياسياً وميدانياً.

وإلى جانب الإمتحان السياسي، سيكون الحزب أمام مرحلة اختبار تحركات (أو تدخلات) على الأرض ذات طابع شعبي، خاصة عند نقاط محددة شديدة الحساسية على الخطوط التي يستخدمها في “النقل”، وهو ما يرمي إليه المعارضون تحديداً. وفي الحديث عن التحوّلات، يُلاحظ تقدم خطاب حزب الكتائب على خطاب “القوات اللبنانية”.

فإذا كانت الأخيرة تنتظر مضمون إشارة تأتيها من الخارج لفهم التوجّهات في المرحلة المقبلة، ولا يبدو أنها في المتناول، إذ لا قرار بإشعال الوضع اللبناني بشكل تام، إنما تسخين البيئات وتوظيف الأحداث واستثمارها، يتقدم “الكتائب” طارحاً نفسه كمشروع قادر على “المواجهة الفعالة” مستخدماً نتائج ما تحقّق في “الكحالة”.

في الواقع، ذهب “حزب الله” بعيد “حادثة الكحالة” إلى إجراء عملية تقييم شاملة للمسار، إبتداءً بانزلاق الشاحنة وما تبعه، مع التشديد على أنه بدأ خلال 3 ساعات تقريباً من عمر الحادثة، متهيّباً ومتجنّباً الإنجرار إلى أي رد فعل، رغم الإستفزازات المتكررة التي وصلت حد إطلاق “الشتائم الطائفية” تجاه عناصره الذين بقوا ملتزمين التوجيهات، ما دفعه إلى إبراز سلاحه بشكل مباشر، ومن ثم إطلاق النار لم يكن إلا ملاحظة عناصر “المواكبة والحماية” هجمات بدأت تُشنّ عليهم مترافقة مع انتشار السلاح من الجانب الآخر، ولاحقاً إستخدامه.

وعلى الرغم من أن عملية التقييم ستشمل بطبيعة الحال كافة جوانب الحادث، لا بد من الإشارة إلى نقطة تتسبّب بحساسية لدى الحزب مرتبطة بتأخر تدخل الجيش. فإذا كان الجيش قادراً على التحرك بسرعة في محيط مخيم عين الحلوة مستعيناً بفوج “المغاوير”، فلماذا ترك “الكحالة” بعهدة مديرية المخابرات وحيدةً؟

الأكيد أن الحزب لن يترك عملية تقدير الموقف تتجاوز إحتمالية تكرار الحادث في المستقبل عند خطوط أخرى تتشارك نفس مقدار الحساسية، والأكيد أيضاً أنه سيضع منذ الآن تصوره لكيفية المعالجة والتعامل مع أي حدث، آخذاً في الإعتبار الإستعدادات الجارية لمواجهته من جانب قوى مناوئة له، تراهن أيضاً على احتمال حصول حوادث مماثلة في المستقبل.
ولا بد أن الحزب يأخذ في الإعتبار، رهان تلك القوى على الإستفادة من جو متشنّج ينشأ في وجه الحزب أو يُعمل على إنشائه، تعتقد أنه أزال غطاءً فاعلاً عنه (أو يزيل)، لا بل أن بعض تلك القوى رتّبَ أوراقه على أساس أن استهداف عناصر الحزب أثناء قيامهم بمهامهم، من شويّا إلى الطيونة وصولاً للكحالة، يوحي بكسر هيبة بدأت سياسياً وستنتهي عسكرياً.