تُدَغدِغُنا الأَيَّامُ، نَشدُو مَعَ الأَمَلْ، ونَستَقبِلُ الأَصباحَ، والقَلبُ في جَذَلْ
ونَنسَى، لِأَوقاتٍ تَطُولُ، بِأَنَّنا مع الوَرْدِ قد يَجتاحُنا الشَّوكُ والأَسَلْ
وتَمضِي اللَّيالِي ثُمَّ تَبيَضُّ لِمَّةٌ، ويَغشَى صَفانا الحُسْنُ في ساحِرِ الحُلَلْ
فَنَأْبَى، فَيَطْغَى، ثُمَّ نُذْعِنُ بَعدَ أَن تُجَرَّحَ فِينا عِزَّةٌ، فَالهَوَى جَلَلْ!
وهذا الَّذي في صاحِبِي قَد وَجَدتُهُ، وقد قَضَّهُ غُنْجٌ مِنَ الأَعيُنِ النُّجُلْ
غَدا كاسِفًا مُذ لَوَّعَتهُ مَلِيحَةٌ، وَبِتُّ أَسِيفًا حَيثُ ضاقَت بِهِ الحِيَلْ!
***
أَتانِي وفي عَينَيهِ لُمْعَةُ حُرقَةٍ تَؤُجُّ، وفي شَكواهُ ما لَيسَ يُحتَمَلْ
دَهَتهُ الغَوانِي الحُوْرُ، والعُمرُ مائِلٌ إِلى رِحلَةٍ ما بَعدَ بَيْدائِها قَفَلْ
يَقُولُ كَأَن طِفْلٌ تَعَذَّرَ أَن يَرَى بِحَوزَتِهِ ما زادَ بَلبالَهُ ثِقَلْ
صَدِيقِي… رَمَتنِي مِن هَواها بِسَهمِها، فَأَصْمَت جَنانِي ثُمَّ أَلْوَت ولَم تَسَلْ
أَكانَ دَلالًا خُلَّبًا ما رَمَت بِهِ لُبابِي، بِأَلحاظٍ كَمَسنُونَةِ النَّبَلْ
فَبِتُّ كَشِلْوٍ في مَهَبِّ وِصالِها، وصَدرِي تَلَظَّى بِاللَّهِيبِ وبِالشُّعَلْ؟!
وَهانِي شَرِيدُ البالِ، أَنفُثُ حَسرَةً، وَمِلْءَ لِحاظِي مِن جَوَى المُشتَهَى ذَهَلْ
تُراهُ غِوًى ما جاءَ مِن زَوَغانِها، فَبِتُّ أَنا مِن زَيْفِها المُرِّ كَالثَّمِلْ؟!
تُرانِي ضَلَلتُ الهَدْيَ حِينَ تَبِعتُها، وضَيَّعتُ في تِيْهِ الهُيامِ بِها السُّبُلْ؟!
أَلَا دَعْ مَلامِي، لَن أَثُوبَ إِلى الهُدَى، وَلَو زِدتَنِي نُصْحًا، وَأَسرَفتَ في العَذَلْ
فَما عادَ لِي مِن دُونِها أَيُّ بُغْيَةٍ، وباتَت هَنا رُوحِي، ونَجوايَ، وَالأَمَلْ!
***
فَقُلتُ لَهُ، إِذ راعَنِي ذُلُّهُ وقَد تَهاوَى إِلى دَرْبٍ تَؤُولُ إِلى العِلَلْ،
أَلا لا تُكابِرْ، يا أَلِيفِي، فَإِنَّما تُوَلِّي الغَوانِي إِن رَبِيعُ الصِّبا أَفَلْ
فَلا تَقتُلِ القَلبَ المُقَرَّحَ خَيبَةً، ولا تَنشُدِ الأَوهامَ إِذْ عُمرُكَ اكتَمَلْ
فَعِندَ شُرُوقِ الشَّمسِ يَغدُو الفَتَى، وفي ــــــــــ الفَجْرِ لا في مَغْرِبٍ يُجتَنَى العَسَلْ
وإِنْ عَصَفَت رِيحُ الغُرُوبِ فَإِنَّما إِلى الذِّكرَياتِ الغُرِّ نَأوِي على مَهَلْ
فَقُلْ حَسبِيَ الباقِي فَأَحيا هُدُوءَهُ، وَقُلْ لِي أَنِيسٌ ذِكْرُ أَيَّامِيَ الأُوَلْ
وَحاذِرْ، وَبِتْنا في أَصِيلٍ يَلُفُّنا، هُيامًا إِذا ما اجتاحَ أَرواحَنا قَتَلْ
مَضَى زَمَنٌ كانَت إِذا أَومَأَت لَنا صَباحَةُ وَجْهٍ، أَو حَنانٌ مِنَ المُقَلْ
نَهُبُّ كَأَنَّ العاصِفاتِ جَناحُنا، بِأَعيُنِنا الأَشواقُ، في ثَغْرِنا الغَزَلْ
ونَحنُ على قابِ المَغِيبِ فَلا تَذَرْ طَلاوَةَ جُلْنارِ المَغِيبِ بِلا ثَمَلْ
وَقُلْ: رَبِّ يَسِّرْ لِي خَرِيفِي فَإِنَّنِي وَهَى العَظْمُ بِي، لَكِنْ فُؤَادِيَ ما اعتَزَلْ!