العنداري “يسأل”: أين أَصبح التحقيق في مقتل الياس الحصروني؟

قال المطران نبيل العنداري ممثّلاً غبطة البطريرك الراعي خلال الاحتفال بالذبيحة الإلهية عن راحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانية في معراب: “خلق الله الإنسان عاقلا، ومنحه كرامة شخص يمتلك المبادرة، وله السيطرة على أفعاله. لقد خلق الإنسان حرا وسيد أفعاله، وتحت عنوان الحرية والمسؤولية، يؤكد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أن الحرية هي القدرة، المتأصلة في العقل والإرادة، على الفعل أو عدمه، على فعل هذا أو ذاك، وعلى القيام هكذا، من تلقاء الذات، بأفعال صادرة عن روية. فبالإرادة الحرة يسير كل واحد نفسه، فالحرية في الإنسان هي قدرة على النمو والنضج في الحقيقة والخير. وهي تبلغ كمالها عندما تتوجه شطر الله، سعادتنا”.

ولفت الى ان “الكتاب المقدس حافل بمفاهيم الحرية، بأهميتها، وأنواعها، وضوابطها، ويوصي مار يعقوب الرسول في إرشاداته ورسالته إلى الجماعات: “تكلموا واعملوا مثل من سيدان بشريعة الحرية”، مضيفا: “لقد خلق الله الإنسان حرا، وبالحرية ميزه عن المخلوقات الأخرى، وترتبط الحرية دائما بالمسؤولية، وعلى طالبها التحرر أولا من الداخل، وأن يكون حرا أقله في حدود وصايا الله: لا تقتل، لا تسرق، لا تزن، لا تشته مقتنى غيرك، ولا تشهد بالزور”.

واوضح أن “الحرية أنواع: الحرية الشخصية، حرية الإرادة، حرية الفكر، حرية الرأي، حرية الإجتماع، حرية العقيدة، حرية الشعائر الدينية، الحرية الإعلامية والحرية السياسية، لذا على الإنسان أو الجماعة الإنسانية أن تفكر بحرية كما تشاء، ولكن بضوابط من وحي الأخلاق والضمير والوطنية وليس على الإنسان أن يستخدم حريته في التعدي على حريات الآخرين وحقوقهم، ولا في إهانة الغير بالسباب والنعوت، ولا في استخدام العنف ضد أخيه الإنسان، كل ذلك في حدود الإلتزام بالقوانين والنظام العام والآداب العامة”.


ورأى العنداري ان “الحرية الحقيقية لا تعني التفلت والإنفلاش، ولا تعني التضليل والافتراء والتشهير، فالمراجع الإنسانية والدينية والأخلاقية والوطنية تساعد على استخدام الحرية بطريقة سليمة وصحيحة ومسؤولة. ولا تخضع للنزوات والهرطقات والشيطنات الغريبة عنا تحت ستار التطور”.

واضاف: “أي تطور واي حضارة تقوم على تحقير الإنسان وهويته، والتعدي على الشرائع والقيم، وعلى انحرافات تشوه طبيعة الإنسان الذي خلق على صورة الله ومثاله، لا بل على مهاجمة النظم الإنسانية الطبيعية وشريعة الله؟ فما نراه في بعض بلدان العالم من تشريع لشهوات ونزعات غريبة وعبودية حيوانية وصنمية فاضحة، وأهداف خبيثة لقوى ظلامية غايتها إفساد وتقليص البشرية، وما نراه على وسائل التواصل الإجتماعي عندنا، لا بل في تغريدات بعض ما يفترض بهم أن يكونوا مسؤولين، لا تبشر بالخير”.

وتابع، “تغريدات ومطالبات بعيدة عن الأصالة اللبنانية. إنها تحركات ليست من الحرية بشيء، بل من الجهل والشعبوية المتفلة والتحررية”.

وأكمل، “الممجوجة يقول لنا الكتاب المقدس على لسان يشوع بن سراخ: إنزعوا الآلهة الغريبة التي في وسطكم وأميلوا قلوبكم الى الرب. ويقول لنا السيد المسيح بحسب إنجيل يوحنا” إن ثبتم في كلامي، كنتم تلاميذي حقا، تعرفون الحق، والحق يحرركم”. فإذا ما حررنا المسيح بالحق، فلماذا ننزلق بشبه حرية مزيفة هي في الحقيقة نير العبودية؟”.

وقال: “لأنه حرية، كان لبنان، فالحرية علة وجوده، ولبنان الحرية، إما أن يكون، واما أن لا يكون. وليست الحرية في وطننا حنينا او مزاجا بل قيمة اساسية ووجودية وارادة حياة وعمل، وشرف للبنان ان يكون من واضعي شرعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.

وتابع: “كيف لا يكون في طليعة محترميه ومطبقيه؟ وقولنا في الحرية لا يعني الفوضى، ولا التساهل، ولا الميوعة. هي حرية بناء دولة في خدمة الإنسان، لا إنسانا مسخرا لخدمة الدولة. إنها حرية البناء لا حرية الهدم ولا المساومة في الكواليس ولا في عمالة التهريب ولا في تأليف ما يسمى بالطوابير”.

كما شدد على ان “الدولة القوية تحترم الحقوق والحريات، وتؤدي مهامها على الجميع دون تجاوز او تملق، او تخاذل، ولا بمعيار شمس وشتاء تحت سقف واحد. قوتها حكومة نظيفة تحكم، لا تساير ولا توارب. مجلس نيابي ينتخب رئيسا للجمهورية، يشرع، يراقب، يسائل ويحاسب، لا يحابي ولا يدفن المشاريع. قضاء يعدل، لا يستنسب، ولا يميع، لا يتزلم، ولا يتسخر، يحقق في تفجير المرفأ، يجازي مرتكبي الجرائم”.

وسأل: “أين أصبح التحقيق في مقتل الياس الحصروني إبن بلدة عين إبل؟ أين أصبحت التحقيقات في أحداث الكحالة، والقرنة السوداء، وسواهم وسواهم في عاصمة هي أم الشرائع؟ لقد شهد لبنان ما يفوق من الضحايا والشهداء. شهداء الواجب، شهداء الحقيقة والحرية، شهداء الكلمة والإعلام، شهداء الإنتماء والموقف، شهداء الأوفياء، والشهداء الأحياء، واللائحة تطول”.

وأضاف، “فهل أصبحت الساحة مرتعا لمستبيحي الحرية في البلدات والحرمات؟ من نهب للمودعين، واذلال للمحتاجين والجائعين، والإستقواء على الآمنين، والقبض على القتلى لا القاتلين؟ هل أصبحت الحرية في وطننا إستباحة وتدنيسا للحرية، استكبارا وفجورا وتذابحا في التعصب، تناهشا في البغضاء، تصارعا على النفوذ، تقاتلا على الزعامة، تناحرا على المناصب، وتلهيا بالقشور؟ “.

وتوجه الى “أبناء وطن الأرز، وطن الحرية الحقيقية”، بالقول: “رسالتنا وغايتنا أننا نريد وندافع ونستزيد في النضال لتبقى لنا الحرية. حرية أبناء الله، الحرية الحقيقية. لتبقى الحرية لنا مواجهة أخطبوط الفساد، واصلاح الإدارة، و ارساء للنهوض عبر احترام وتطبيق الدستور دون انتقائية، وعبر خطة للإصلاح والتعافي، وتطبيق اللامركزية الإدارية”.

وتابع، “لتبقى لنا الحرية في لبنان الوطن الواحد لأبنائه”.

واذ أكد ان “معيار الوطنية الصحيحة هي في الحفاظ على بيتنا المشترك: لا للتوطين ولا للنازحين”.

واضاف، “لقد قيل: أنت في دارك وأنا في داري، هكذا أريدك يا جاري، لسنا بحاجة إلى ضغوط من داخل ومن خارج، او إلى محاضرات في العفة والعنصرية والفئوية لبنان للبنانيين”.

وختم العنداري، “أللهم أنقذ لبناننا من غياهب الجهل والعبودية لنبقى أحرارا في الحق وقول الحق والشهادة للحق، لأننا دعينا إلى الحرية والحق، ولتبقى لنا الحرية – آمين!”.