“وزارة الماليّة تَضَعُ جثث الموتى في خانة المنتجات المستوردة!”

فرض مشروع قانون موازنة 2024، ضريبة استهلاك للحفاظ على البيئة، تتمثل في رسم جمركي يشمل جميع السّلع المستوردة، ومن بينها أي نعش يحتوي على جثة بشرية، من دون تحديد كيفية تقويمها بالمال لفرض الضريبة عليها.

ورفعت وزارة المالية اللبنانية قبل أيّام، مشروع قانون الموازنة، المؤلف من 64 مادة موزعة على 4 فصول، إلى مجلس الوزراء تمهيدًا لمناقشته، فارضاً سلّة ضرائب ورسوم جديدة بالدولار الأميركي. وتقرّرت دراسته اعتباراً من السابع من أيلول الجاري.

ووضع وزارة المالية اللبنانية جثث الموتى في خانة المنتجات المستوردة، أثار استهجان اللبنانيين الذين يعجزون عن تأمين تكاليف دفن موتاهم نتيجة ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات، والذي لم يستثن طقوس ولوازم الدفن، التي أصبحت بالدولار نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ عام 2019.

 

ونشر المحامي رشاد قبيسي تغريدة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، تحت عنوان: وزارة المالية اللبنانية من دون حياء، موتاكم منتجات، ادفنوهم في الخارج”.. واعتبر في تغريدته أن الوزارة “تتجاوز كل التوقعات”.

وأضاف، “تحاول الوزارة أن تمرر في مشروع الموازنة، ضريبة على النعوش المحتوية على جثة بشرية. هذا التجاوز اللاأخلاقي ظهر في الشكل وفي المضمون”.

وقال إن “الوزارة اعتبرت أن الجثة البشرية هي منتج مستورد، وهو تعريف لم يرد في أي من قوانين العالم من جهة، ثم أنه يمس بشكل غير مقبول بكرامة الانسان المتوفي وكرامة عائلته من جهة ثانية”.

وتساءل: “هل لجهابذة الوزارة أن يخبرونا ما إذا كان هذا المنتج قابل للاستهلاك أو التدوير أو إعادة البيع؟”.

وواصل حديثه بالقول: “الوزارة اعتبرت أن الجثة لها أثر بيئي، يقتضي أن يكون محلاً لضريبة بيئة”، وهنا يطرح سؤال بحسب قبيسي: “هل جثة اللبناني القادمة من الخارج مختلفة عن جثة اللبناني المتوفي في لبنان؟، ولماذا لم يذهب الجهابذة في غيهم إلى فرض ضريبة على كل لبناني متوفي في لبنان أيضاً؟”.

واستطرد الرجل في تساؤلاته: “هل ستحدد هذه القيمة بقيمة النعش أو بقيمة ثروة المتوفي؟، ولماذا لم يذهب المتفلسفون إلى فرض ضريبة مقطوعة حتى يظهروا بمظهر المهني العارف لكيفية فرض الضرائب… إنه العار بذاته”.

وفي حديث مع موقع “الحرة”، أكد قبيسي أن هذه الضريبة تثبت مدى “الاستسخاف بالعمل التشريعي”.

وتابع، “فوق هذا لم يتم ذكر الأسباب الموجبة لها (الضريبة) كما الحال في بعض البنود، في وقت كان يمكن فرض رسم مقطوع على عملية إدخال النعوش، وإن كنت ضد ذلك”.

وأضاف، “لنفترض أن النعش وصل ولم يتم دفع الضريبة، هل سيتم حجز المتوفي؟”.

وبحسب ما يشرح مالك مؤسسة لدفن الموتى في مدينة طرابلس شمالي لبنان، لموقع “الحرة”: “منذبات دفع قيمة لوازم دفن الموتى بالدولار، أصبح الموت في لبنان مكلفاً لدى مختلف الطوائف”، “دائرة الأوقاف الإسلامية هي التي تحدد سعر حفر القبر داخل الجبانة”.

وأضاف، “أما مهمتنا فتتضمن نقل الميت من المستشفى إلى منزله، وغسله وتكفينه، ونقله إلى الجامع ومن ثم دفنه، وتبلغ تكلفة ذلك 100 دولار، أي حوالي 9 ملايين ليرة، أما قبل الأزمة الاقتصادية فكنا نتقاضى 450 ألف ليرة (نحو 300 دولار)، لكن أحيانا لا أتقاضى بدل أتعابي إن كان وضع عائلة المتوفي المادي مزر”.

وأوضح، “إذا كانت عائلة المتوفي تملك قبراً، فإن حفره يكلف 70 دولارا، وإلا ستضطر لدفع 350 دولارا لحفر قبر جديد، يضاف إلى ذلك نحو 150 دولارا ثمن الرخام”.

أما تكلفة أوراق نعي الميت واستئجار صالة لمدة يومين للعزاء، وتقديم القهوة للمعزّين، فتصل إلى نحو “ألف دولار”، وفق مالك المؤسسة، الذي شدد على أن “هذه الأسعار في طرابلس، أما في بيروت فإنها مضاعفة”.

وعن تكلفة نقل الميت من المطار إلى شمالي لبنان، أجاب: “150 دولارا، كون سعر صفيحة البنزين مرتفع، كذلك تصليح سيارة النقل لو تعطلت”.

أما سعر النعش لدى “مؤسسة عزت لدفن الموتى” (من الطائفة المسيحية)، فيبدأ كما يقول نجل مالكها، فادي عزت لموقع “الحرة”، “من 150 دولار، وتكلفة نقله من المطار تبدأ من 100 دولار وترتفع حسب بُعد المنطقة، في حين يبدأ سعر باقة الورد من 15 دولارا، باختصار كلفة الدفن تبدأ من 500 دولار”.

أما الباحث الاقتصادي، جاسم عجاقة، فصرح لموقع “الحرة”، بأن “مشروع موازنة 2024، يرسّخ الفساد والتضخم والاقتصاد النقدي”.

وضرب عجاقة مثالا على ما وصفه بـ”الفساد”، بـ”بند استحداث رسم بدل خدمات سريعة وطارئة لدى الإدارات العامة، يستوفى من الراغبين في إنجاز معاملاتهم بسرعة، ويوزع حاصل الرسوم وفق الآتي: 50 في المئة لموظفي المديرية المعنية، و5 في المئة لموظفي الهيئات الرقابية، و10 في المئة لموظفي الإدارات التي لا تقدم خدمات، و15 في المئة لصندوق تعاضد موظفي الردارات العامة، و20 في المئة للخزينة العامة”.

وشدد عجاقة على أن “اعتماد هذه الخدمات لن يوقف الرشوة”.

واستطرد، “الهدف الأساسي لهذه الموازنة، هو جني أكبر قدر من الإيرادات بعيداً عن المنهجية الصحيحة، التي تفرض ترتيب الأولويات، من المشاكل ذات التداعيات الخطيرة على المجتمع، نزولاً إلى المشاكل الأقل خطورة، مع وضع إجراءات لحلها تترجم في الموازنة، كمشاكل الودائع والدين العام واقتصاد الكاش، الذي يحرم الدولة من أموال طائلة، ومن هنا يمكن تفسير استحداث بند النعوش غير الأخلاقي إنسانياً”.

وقدّرت وزارة المال، بحسب مركز “الدولية للمعلومات”، أنها “ستحقق إيرادات بمبلغ يوازي 16 ضعف ما تمت جبايته عام 2021 كرقم إجمالي”، واعتبرت أن الضريبة على القيمة المضافة “ستحقق 90 ألف مليار ليرة”، أي 30 ضعف ما تم جمعه في 2021، حيث إنها لم تورد الأرقام المحصّلة فعلياً في الأعوام 2022 أو 2023.

أما النفقات المقدّرة، فتضاعفت 7.35 مرة مقارنة بموازنة عام 2022؛ ومع ذلك قال عجاقة: “إذا وضعونا أمام الأمر الواقع بين موازنة سيئة أو عدم وجود موازنة، فأفضّل الخيار الأول”.