عَلَّمَتنِي الحَياةُ بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

عَلَّمَتنِي الحَياةُ ما شَفَّ حالا، وتَعالَى ولَو تَقَلَّصَ مالَا
عَلَّمَتنِي أَنَّ الوَفاءَ سُمُوُّ النَّفسِ، والصِّدقَ ما بِهِ تَتَلالَا
وبِأَنَّ العَطاءَ يُثمِرُ في القَلبِ، ويَهمِي على الضُّلُوعِ غِلالَا
فَالوفا والعَطاءُ والصِّدقُ ثالُوثٌ بِرَبٍّ فَردٍ يُسَمَّى جَمالَا!
***
عَلَّمَتنِي بِأَنَّ غَمْرَ صِعابٍ يَلتَقِيها الَّذي يَرُومُ الكَمالَا
فَالكَثِيرُونَ لا يَوَدُّونَ حُرًّا في سَناهُ هُم يَظهَرُونَ ضِئَالَا
فَيَرُوحُونَ يَزرَعُونَ سَبِيلًا خَطَّها خِسَّةً، جُحُودًا، نِصالَا!
***
عَلَّمَتنِي بِأَنَّ خَفْرَ عُهُودِ الخُلِّ يَبقَى على الحَياةِ مُذالَا*
لَيسَ يَمحُوهُ مِ النُّفُوسِ اعتِذارٌ، هُوَ أَوهَى مِنْ أَنْ يَكُونَ حَلالَا
هُوَ مَكْرٌ مِنْ خائِنٍ نَسَجَ الخُبْثَ رِداءً وغَلَّ فِيهِ احتِيالَا!
***
عَلَّمَتنِي بِأَنْ أَعافَ خِداعَ النَّاسِ حَتَّى ولَو خَسِرتُ النَّوالَا
فَمَقامِي بَينَ النُّسُورِ لَأَسمَى مِن تَوارِيَّ، واجِفًا، والحِجالَا
والوَرَى يَرفَعُ المُنَزَّهَ عَن غِشٍّ، ويُخزِي، على المَدَى، الخَتَّالا!
***
عَلَّمَتنِي أَنَّ الصَّداقَةَ ذُخْرٌ لا يُوازَى، وإِنْ تَعِزَّ مَنالَا
يَستَحِقُّ ابتِغاؤُها كُلَّ سَعْيٍ، هو بَخْسٌ وَلَو دَهانا وطالَا
والخَدِينُ الَّذي يُعَلِّي صَدِيقٌ، كُلَّما قالَ صَدَّقُوا الأَقوالَا
هُوَ في كُلِّ مَوقِعٍ سَنَدٌ حَيٌّ، ولِلنَّاسِ كَم يَطِيبُ مِثالَا!
***
عَلَّمَتنِي الحَياةُ أَنَّ حَسُودًا لَو يَنالُ الغِنَى يُوازِي جِبالَا
سَيَظَلُّ الحَقِيرَ في النَّاسِ طُرًّا، لَو كَساهُ نُضارُهُ سِرْبالَا
وسَيَأتِي عَلَيهِ كَيْدٌ نَواهُ، وسَيَبقَى لَهُ الدَّهاءُ وَبالَا
فَدَعُوهُ يَكفِيهِ ما ضامَهُ الغَيْظُ، وقد نالَ مِ اللَّظَى ما نالَا!
***
عَلَّمَتنِي الحَياةُ أَنَّ عَطاءَ الفَلْسِ عَن حاجَةٍ تَمَضُّ الحالَا
هو أَنقَى مِنَّ الصِّلاتِ على الوَفْرِ وجاءَتْ تُلازِمُ الإِذلَالَا
فَإِباءُ المُحتاجِ يَنبُذُ إِنعامًا ومَنًّا على الكَرِيمِ ثِقالَا!
***
عَلَّمَتنِي أَنْ كلَّما المَرءُ غالَى في هَواهُ يَزدادُ فِيهِ اشتِعالَا
والمَلَذَّاتُ تُسكِرُ الحِسَّ كانَت في جِماحِ الجَوارِحِ الغُفْلِ آلَا
فَالهَوَى، عَفَّ، شَفَّتِ الرُّوحُ فِيهِ، أَلَقٌ طَيَّبَ الجَوَى والوِصالَا
والهَوَى، دَنَّسَتهُ حُمْرُ اللَّيالِي، وَصْمَةٌ في الجَبِينِ مَهما اختالَا!
***
عَلَّمَتنِي بِأَنَّنا في نِظامٍ قَد حَوَى الكُلَّ دِقَّةً واشتِمالا
لَيسَ مِنْ صِدْفَةٍ وفِيهِ مِنَ الإِعجازِ ما يَنقُضُ الشُّكُوكَ جِدالَا
فَمِنَ الكَوكَبِ الرَّهِيبِ إِلى ما دَقَّ في حَجْمِهِ فَباتَ رِمالَا
هو مِنْ خالِقٍ بَرا الكَونَ بَدْعًا، فَأَعاجِيبُهُ تَناهَت جَلالَا
فَمُحالٌ أَن لا يَكُونَ يَقِينًا، وخَلاهُ كانَ الوُجُودُ مُحالَا
أَلقِ عَنكَ ارتِيابَكَ المُرَّ، والْقَ مُبْدِعَ الكَونِ واستَقِمْ إِجلالَا
فَكَفَى ما سَأَلتَ مَرَّ دُهُورٍ، فَالسُّؤَالاتُ قَد تَصِيرُ سُؤَالَا!
***
أَنا سِرتُ الطَّرِيقَ هذا لِوائِي، هذهِ سُنَّتِي جَرَت أَفعالَا
قَد تَكُونُ الوُرُودُ خَلفِي تَنامَتْ، أَو تَراءَى حُسْنُ الصَّنِيعِ خَيالَا
أَنا حَسبِي أَرَدتُ خَيْرًا، تُرانِي، بَعدَ هذا، بَلَغتُ مِنهُ المَآلَا؟!
أَم تُرانِي خَبَطْتُ في الرِّيحِ عَشْوًا، وانتَهَى الكُلُّ في الرِّياحِ ضَلالَا؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مُذال: مُهان