تصعيد بين “حزب الله” والسعودية… لا رئيس

الرسالة التي أوصلتها السعودية من خلال الإمتناع عن دعوة النائبين العضوين في كتلة “الوفاء للمقاومة”، ملحم الحجيري وينال الصلح، إلى لقاء النواب السنّة في اليرزة بدعوة من سفيرها وليد البخاري، تفسّر بأن إيجابيات الإتفاق السعودي ـ الإيراني ما تزال بعيدة عن متناول لبنان، والصحيح أنها تعزل “حزب الله” منه. وخلافاً للسائد، يبدو أن الرياض من خلال اعتمادها هذه الصيغة، باتت مقتنعة ـ أو تكاد ـ أن ثمة مساحة بين إيران والحزب. في المقابل، أودعَ الحزب، سابقاً ولاحقاً، رسائل مفادها أنه ليس ضد التقارب مع الرياض كما أنه ليس في صدده، وينظر إلى الموضوع بمنظور سياسي بحت، ويقبله شرط أن يتزامن مع “خطوات بناءة تبعث على الطمأنينة”.

تفسير الخطوات البناءة أن تُبادر الرياض إلى اتخاذ تدابير إجرائية شُجاعة في حق مجموعة من اللبنانيين توقفهم أو تعتقلهم تعسفياً لأسباب سياسية، وأن تُبادر إلى إجراء تغييرات في سياستها تجاه فئة من اللبنانيين، وأن تصبح تنظر إليهم من خارج الإناء السياسي الضحل.


ليس سراً أن من يتواصلون مع السفارة السعودية، من شخصيات مدنية وغير مدنية من المحسوبين على درجة قرب معينة من “الثنائي”، يعملون على الملف، مقتنعين بضرورة تعديل السعودية في سياساتها، ويقترحون دورياً على الرياض أن تبُادر إلى إجراءات “من شأنها أن توحي بالثقة”. فتنقل لإحداث تغيير منهجي على صورتها بالنسبة إلى بيئة “الثنائي”، في سياق التغييرات والتحديثات التي تجريها. فتنتقل من كونها في نظر “بيئة واسعة” خصماً لهم أو متموضعة في محل خصومة، إلى نطاق وسطي أكثر شمولية متحرراً من رواسب السياسات القديمة.

وللحقيقة، فإن الخوض في هذا المجال ليس صعباً في طور التغييرات التي تجريها الرياض، إنما يحتاج إلى قرار شجاع، كأن تقدم على “مبادرات حسن نية”، من خلال الإفراج عن بعض الموقوفين من غير المحكومين جنائياً (نظراً للتعقيدات القضائية السعودية)، وأن تُبادر في مرحلة لاحقة إلى البدء في حل ملفات موقوفين آخرين. يترافق ذلك مع إجراءات مماثلة بدأ بالفعل تطبيقها في بيروت، من خلال تخفيف حدة الخطاب السياسي ضد المملكة، وصولاً إلى خفض التعبئة من خلال وسائل الإعلام (وهو ما حصل فعلاً)، وقد اعتبر أن الجو الساري حالياً ربطاً بنتائج الإتفاق السعودي ـ الإيراني يشجع على خفض التصعيد، على أن يصار لاحقاً إلى توسيع النطاق من خلال عقد جلسات نقاش تشمل رجال دين ومثقفين وغير ذلك مؤثرين في المجتمع.

إلاّ أن ما حصل جاء عكسياً. قابلت الرياض “حفض التصعيد” من جانب” الحزب” بهجمات إعلامية عنوانها الإبتزاز وتشويه الصورة والتحريض، كان آخرها إتهام الحزب من قبل إحدى وسائل الإعلام السعودية، باستخدام مطار بيروت لغرض تهريب السلاح ما استدعى رداً منه. وقد فُهم سريعاً أن المضمون إستبطن رسالةً إلى حارة حريك بأن الرياض راغبة في استمرار التصعيد. وقرأ بأنه استبطن جواباً على ما اقترح سابقاً من آليات خفض توتر، وأن الرياض غير راغبة في توسيع رقعة التفاهم مع إيران ليشمل “حزب الله” في الوقت الراهن.

في الواقع، كان الإيرانيون أول من فهم هذه الرسالة ونقلوها إلى الحزب في بيروت. وبدءاً من تاريخ سريان الإتفاق، تحول الإيرانيون إلى ما يمكن تشبيهه بـ”ضابط ارتباط” بين الحزب والسعوديين، وتولوا في عدة فرص نقل رسائل متبادلة أو حاولوا خفض التوتر بين الجانبين، والوصول إلى قاعدة تفاهمات مشتركة تقود إلى بحث معمّق وصريح. ولا تخفي الأجواء، أن الإيرانيين يسعون إلى “تصفير المشكلة” بين الحزب والسعودية، تمهيداً لتبريد المنطقة والمضي في الترتيبات الجارية، لكن ما يعرقل أكبر من مسألة اليمن، ويتصل بغياب الثقة بين الطرفين.

إذاً، رسالة السعودية من اليرزة عبارة عن رد بأن الفرصة غير سانحة بعد، وتشدد “حزب الله” الرئاسي يمثل رداً على السياسات المعتمدة، أو رداً على الإنغماس السعودي في هذا الشكل الواضح في الملف اللبناني، ومحاولتها عزل تأثير الحزب عن دائرة القرار في حل الأزمة الرئاسية عبر الإعتماد على فرضية إدخال الإيرانيين عنصراً مؤثراً في الملف من خلال القطريين! وفي طور الإنخراط السعودي المباشر في الملف اللبناني بشكلٍ يُعاكس رغبات “الثنائي”، قد تجد السعودية ضرورة لرفع التصعيد إستدراجاً لتفاوض معين.

ما يفهم باختصار، أن زمن الرئيس لم يحن بعد. “مطوّلة” على ذمة مرجع كبير. لا خرق إلا بحصول خرق على مستوى علاقة السعودية ب”حزب الله”. إلى الآن السعودية “لا تسعى” والحزب يعتبر “بكير”، وكل ما يتردد عن تواصل سواء مباشر او غير مباشر أو لقاءات بين ممثلين عن الطرفين غير صحيح ولا يجد من يؤكده. أمّا الزمن فزمن “تصعيد ومواجهة” ونزاع يأخذ طابعاً سياسياً حاداً كلما دخلنا إلى الخريف.