سَأَلتُكَ، رَبِّي، وَالفُؤَادُ يُنَادِي، أَنَا العَاثِرُ المَضْنِيُّ، شَطَّ مُرَادِي
أَبَعدَ سُرَانَا هَل سَتَشبَعُ غُلَّةٌ، وَتُكشَحُ أَوهَامٌ نَمَت بِفُؤَادِ؟
وَتَبرَأُ رُوحٌ مِن شُجُونٍ تَقُضُّهَا، وَقَد وَهَنَت مِن سُؤْلِهَا المُتَمَادِي؟
***
إِلَهِي! بَلَانِي الدَّهرُ بِالعَقلِ بَاحِثًا عَنِ العِلَّةِ الأُولَى، وَعَن مِيعَادِ
عَنِ الغَيبِ غَابَت فِيهِ كُلُّ أَمَارَةٍ، وَخَيَّمَ شَكٌّ مُفعَمٌ بِسَوَادِ
وَبَاتَ الَّذِي خَلفَ السُّدُولِ مُؤَرِّقًا، فَلَم يَشْفِ هَمَّ الرُّوحِ مَا هُوَ بَادِ
فَخِلتُ، مِنَ الخَيبَاتِ، أَنِّي كَمَن أَتَى يُفَتِّشُ عَن نَارٍ بِكَوم رَمَادِ
وَمِثلَ شَقِيٍّ رَاحَ يَنشُدُ، لاهِثًا، أَزَاهِيرَ رَوضٍ فِي رِمَالِ بَوَادِ
أُفَكِّرُ، مِلحَاحًا، بِدُنيَا عَصِيَّةٍ، وَأَسأَلُ عَن حَيٍّ، بِهَا، وَجَمَادِ
إِلَى أَينَ نَمضِي فِي المَسِيرِ كَأَنَّنَا دُمًى أَسلَسَت لِلدَّهرِ كُلَّ قِيَادِ؟
أَنَدفَعُ عَن وِزْرٍ أَتَينَا وَرُبَّمَا، يَكُونُ، وَمَا شِئْنَا، سَدَى أَجسادِ؟
أَكَانَ مِنَ الآزَالِ، كَونٌ يَلُفُّنَا، وَنَمضِي، وَيَبقَى شَاهِدًا لِبِعادِ؟
أَم انَّ الدُّنَى كَانَت مِنَ البَدءِ «كِلمَةً»، نَطَقتَ بِهَا، يَا رَبُّ، فِعلَ رَشَادِ
فَغَصَّت بِمَا أَبدَعتَ مِن كُلِّ فِتنَةٍ، وَزَانَ حِمَاهَا فِطنَةٌ بِعِبَادِ؟
***
هَوَايَ يُنادِينِي، إِلهِي، بِأَنَّنِي صَنِيعُكَ، يا مَنْ كُنتَ لِي مِيلادِي
وَلَكِنَّ عَقلِي قَد أَغَذَّ مَسِيرَهُ إِلَى مُعمِيَاتٍ، فِي السُّؤَالِ، تُنَادِي
وَكَم مَرَّةٍ أَحسَستُ أَنَّكَ دَاخِلِي، وآوَيتُ مِحرابِي فَكانَ مِهادِي
وَبَاتَ شُعَاعٌ مِن ضِيَائِكَ مُلهِمِي، وَبِتَّ هَوَى رُوحِي، وَلَذَّةَ زَادِي
إِلَى أَن أَتَى ذَاكَ المُوَسوِسُ نَاثِرًا شُكُوكًا دَهَت صَفوِي، وَطِيبَ رُقَادِي
فَبِتُّ كَشِلوٍ بَينَ قَلبٍ مُغَرِّدٍ، وعَقْلٍ لَجُوجٍ في الظُّنُونِ، مُعادِي!
***
أَنَا شَادَ زَهوِي، فِي خَيَالِي، مَمَالِكًا وَبَاهَيتُ، فِي بَدْعِي، وفي إِنشادِي
حَسِبتُ الوَرَى يَرنُو لِعِزِّي وَرِفعَتي، وَأَنَّ لِوَائِي رَافِلٌ بِنَوَادِ
وَأَسكَرَنِي ضَلِّي فَخِلتُ بِأَنَّنِي لِصَرحِ القَوَافِي بِتُّ خَيرَ عِمَادِ
وَأَنِّي سَأَبقَى شَادِيًا فَوقَ دَوحَتِي، وتَشدُو حَساسِينٌ على أَعْوادِي
فَصِرتُ كَمَن كَلَّت مَدَارِكُهُ فَمَا تَبَصَّرَ، بَعدَ العُمرِ، وَقعَ مَعَادِ
وجاءَ الَّذي لا يَرعَوِي عن مُلِمَّةٍ، وَيَقضُمُ أَيَّامَ المَلا بِعِنَادِ
وَهَا إِنَّنِي، بَعدَ المَسِيرِ، وَجَدتُنِي، وَقَد حَالَ دَهرِي، وَاضمَحَلَّ جِهَادِي
أَعُودُ إِلَى الوِجدَانِ، حَيثُكَ ماكِثٌ، فَما أَنتَ إِلَّا الرُّوحُ في الأَكبادِ
فَزَغرَدَ مَا بَينَ الجَوَانِحِ خَاطِرٌ، يُضِيءُ ظَلامِي، يَستَبِيحُ سُهَادِي
وَأَيقَنتُ أَن لا خَلْقَ يَأتِي بِصِدفَةٍ، فَكَيفَ بِكَوْنٍ طالَ في أَبْعادِ
فَهَل مِن حَصَادٍ كَانَ لَو غَابَ مِنجَلٌ سَنِينٌ يُلَبِّي في يَدَيْ حَصَّادِ؟
وَهَل يَستَوِي فِي العُودِ لَحنٌ وَلَم يَكُنْ بِأَوتَارِهِ الكَسْلَى غِنا العَوَّادِ؟
إِلَهِي… خَبَرتُ الحُلوَ وَالمُرَّ لَم أَجِدْ مِنَ الوِرْدِ مَا يُروِي. أَنا بِكَ صادِ
فَعُدتُ وَبِي شَوقٌ لِعَطفِكَ فَاحتَضِنْ بِدِفئِكَ بَردِي، وَانتَزِعْ أَبرَادِي
إِلَهِي… أَنَا الوَاهِي، حَنَانَكَ إِن عَلَى دُرُوبِي طَغَا غَيِّي، وَعَيَّ سَدَادِي!