أدت المجازر المتتالية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وإعلان تشديد حصاره وحرمانه من الماء والكهرباء والوقود إلى تصعيد أنقرة نبرتها الدبلوماسية تجاه تل أبيب.
وفي تغريدة له على موقع “إكس” دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب مجزرة مستشفى المعمداني في غزة “الإنسانية جمعاء إلى اتخاذ إجراءات لوقف هذه الوحشية غير المسبوقة”.
من جانبها، عبرت وزارة الخارجية عن شعورها بـ”غضب كبير” إزاء المجزرة، مؤكدة أنه “لا مفر من محاسبة العقلية التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر وتهاجم المستشفيات والمدارس أمام القانون الدولي والضمير الإنساني”.
قضية “أكبر من تركيا”
ويرى مؤيدو الحكومة التركية أن إدانتها الصريحة لإسرائيل ومجازرها في غزة ودعوتها إلى وضع حد لذلك بالتوازي مع حراك دبلوماسي مكثف تعدان شاهدا على موقفها الثابت بشأن دعم وتبني القضية الفلسطينية رغم أنها مقيدة بـ”حسابات وتوازنات سياسية”.
ويرى رئيس مركز أورسام للدراسات في أنقرة البروفيسور أحمد أويصال أن أنقرة بشكل عام تعتبر القضية الفلسطينية أكبر من تركيا وحتى بعض الدول الفاعلة، وأن أي حل لها سيكون “حلا مشتركا”.
ويقول أويصال للجزيرة نت إن تركيا تتواصل مع الشرق والغرب لتحقيق هذا الهدف، وتوصلت إلى رؤية وموقف موحد مع كل من مصر والسعودية، بالإضافة إلى باكستان وماليزيا ودول أخرى، لافتا إلى أن هذا يمكن أن يشكل “كتلة قوية تضغط على إسرائيل وداعميها”.
وبحسب الأكاديمي التركي، فإن تركيا تحاول أن تقنع “الأطراف الداعمة” بسحب الدعم من إسرائيل أو الضغط عليها للتراجع عن أفعالها، مقرا بأن تفاقم الأمور يصعب المهمة رغم وجود فرصة للضغط الدبلوماسي وأيضا من خلال التحرك الجماهيري.
حسابات سياسية
من جهته، يرى الكاتب والباحث القريب من الحكومة يوسف كاتب أوغلو أن الدبلوماسية التركية كانت منذ اللحظة الأولى سباقة إلى إدانة التصعيد الإسرائيلي والسعي لنزع شرارة الحرب، لكنها لا تريد لهذه الحرب أن تتسع إقليميا وتقول بوجوب إيقافها بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية، بالإضافة إلى تفعيل دور المنظمات الإنسانية لإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، وتطبيق القوانين الدولية، والتوصل إلى الحل السياسي الدولي.
وأشار كاتب أوغلو في حديثه للجزيرة نت إلى أن أردوغان -الذي أجرى قرابة 20 اتصالا مع معظم زعماء الدول الفاعلة في المشهد- لم يلب توقعات الشارع العربي والإسلامي الذي يرى أنه رمز إسلامي شعبي، لكن “الحسابات والتوازنات السياسية في الواقع هي التي تتحكم بالمشهد السياسي في العلاقات الدولية”.
ويعتقد الباحث التركي أن أنقرة بالتالي لا تستطيع أن تتورط من خلال التدخل في حرب أو أن تدعم طرفا على حساب طرف، مبررا ذلك بأنه “يجب أن تكون هناك تحالفات وقرارات أممية، وأن تكون هناك قوة رادعة تحت مظلة دولية لإنهاء هذا الأمر وحله من جذوره”.
لكن تصاعد المجازر المروعة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية -ولا سيما مع استهداف المستشفى المعمداني في غزة مساء أمس الثلاثاء- من المتوقع -كما يقول كاتب أوغلو- أن يؤدي إلى رد فعل تركي أقوى.
مبادرة الضامنين
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد ذكر أن بلاده طرحت فكرة نظام يكون فيه ضامنون للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني من أجل إحلال السلام الدائم في الصراع المستمر في تصريحات للصحفيين في أنقرة أول أمس الاثنين، في خضم سلسلة من الاتصالات الدبلوماسية التي أطلقتها أنقرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وردا على سؤال بشأن حصول بعض الدول على صفة الضامن للجانب الفلسطيني ودول أخرى للجانب الإسرائيلي، قال فيدان “نحن طرحنا الفكرة الرئيسية لمسألة الضمانة، ونقول إنه ينبغي مناقشة النظام أولا وبالتالي منهجيته بشكل منفصل”.
ومنذ الهجوم الواسع الذي شنته كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس تحت اسم “طوفان الأقصى” على مستوطنات وثكنات عسكرية في غلاف غزة أدانت أنقرة سقوط المدنيين، وأعادت التأكيد على موقفها بشأن دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهي مواقف اعتبرت مخيبة لتوقعات الشارع العربي والفلسطيني، بحسب محللين.
وبشأن مغزى الآلية التي طرحها الوزير التركي، يقول أنس يلمان الكاتب والباحث في السياسة والعلاقات الدولية إن الفكرة تقوم على التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار ثم الجلوس والتحدث بين الضامنين.
وأضاف يلمان للجزيرة نت أن مبدأ عمل آلية الضامنين هو الانطلاق من فكرة أن الأطراف ليست مستعدة للجلوس معا، ولا تريد أن تتفاوض وجها لوجه، مما يجعل فكرة التواصل بين الضامنين أقرب للقبول بين الأطراف.
وتريد تركيا من خلال ذلك -بحسب الباحث التركي- لعب دور وساطة، ولكن بجانب الفلسطينيين من خلال طرح نفسها كضامن لهم كما فعلت مع أتراك قبرص، مضيفا “ربما يفكر صانع القرار التركي بأن تؤول الأمور إلى إرسال قوة عسكرية تركية إلى فلسطين كجزء من جهود ضمان الأمن هناك على أنها ستكون خطوة متقدمة ولن تكون في مصلحة إسرائيل أبدا”.
ويقول يلمان إنه إلى جانب جهود تركيا للعب دور الوسيط ثمة ترقب في البلاد لما سيصدر عن اجتماع منظمة التعاون الإسلامي الذي سيعقد اليوم الأربعاء في جدة، والذي تعول عليه تركيا لتعزيز موقفها، وربما اعتماد مبادرة الضامنين في ظل غياب حلول أو مبادرات أخرى على الصعيد العالمي الإسلامي.