“إعادة تقييم العلاقات”… كيف أثّر صراع غزة على التطبيع بين تركيا وإسرائيل؟

ألقى تصاعد القتال في قطاع غزة بتداعيات واسعة على العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ففي الوقت الذي دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تل أبيب بـ”وقف هذا الجنون فورًا”، أمرت الخارجية الإسرائيلية بعودة الممثلين الدبلوماسيين من أنقرة.

ويعتقد مراقبون وخبراء في العلاقات الدولية في حديثهم لـ”سكاي نيوز عربية”، أن اتساع نطاق الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، أثرت على مسار التطبيع الراهن بين تركيا وإسرائيل، فمن المتوقع أن يأخذ مدى زمني أكبر مما كان عليه قبل اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس، لكنهم شددوا على أن المصالح العسكرية والاقتصادية بين الجانبين لن تصل إلى “حد القطيعة”.

على نحو متتالي وفي غضون الأيام الأخيرة، صعّد الرئيس التركي من حدة خطابه تجاه تطورات الأوضاع في غزة، حيث قال في تجمع ضمّ مئات الآلاف من أنصاره في إسطنبول، أمس السبت، إن بلاده “تقوم بالتحضيرات اللازمة من أجل إعلان إسرائيل مجرمة حرب أمام العالم”.

وأوضح أردوغان، أن إسرائيل انزعجت من تصريحه بأن حماس ليست حركة إرهابية، مضيفًا: “ننتقد إسرائيل لأننا لسنا مدينون لها بعكس الدول الغربية”.

وأشار، إلى أن “الجميع يعلم أن إسرائيل ليست سوى بيدق في المنطقة سيتم التضحية به عندما يحين الوقت”.

وأردف قائلا: “بالطبع لكل بلد الحق في الدفاع عن نفسه، ولكن أين العدل؟ ما يحصل في غزة ليس دفاعا عن النفس بل مجزرة. عمليات القصف الإسرائيلية التي تكثفت مساء الجمعة على غزة استهدفت مجددا نساء وأطفالا ومدنيين أبرياء وعمقت الأزمة الإنسانية الحالية”.

وتابع، مخاطباً دول الغرب: “من كانوا يسكبون دموع التماسيح من أجل المدنيين في حرب أوكرانيا، اليوم يشاهدون بصمت تام قتل الآلاف من المدنيين في غزة”.

يأتي موقف الرئيس التركي أكثر حدّة عن الأيام الأولى لهجمات حماس وما تبعه من رد إسرائيلي، حيث وصف مراقبون موقف الإدارة التركية في هذا الوقت بأنه اتخذ مسار “التوازن الحذر” في التحركات الدبلوماسية لحل الأزمة ومحاولة لعب دور الوسيط، دون أن تتكبد خسائر سياسية من مواقفها، خاصة لرغبتها في عدم تعريض التقدم بعلاقتها مع تل أبيب للخطر، وفي نفس الوقت الحفاظ على الدعم للقضية الفلسطينية.

لكن ذلك لم يدم كثيرًا، فسرعان ما تحوّل الأمر إلى انتقادات حادّة للجانب الإسرائيلي، واتخاذ إجراءات على الأرض، منها إلغاء أردوغان خطط زيارته إلى تل أبيب، قائلًا: “كانت لدينا خطة لزيارة إسرائيل لكنها ألغيت، لن نذهب، لقد صافحت هذا الرجل (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو)، كانت لدينا نوايا حسنة لكنه استغلّها”.

وجاءت العملية العسكرية الإسرائيلية في وقت كانت تعمل فيه تركيا على إصلاح علاقاتها مع إسرائيل بعد سنوات من الجفاء.

وبعد ساعات من تصريحات أردوغان، أمس السبت، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن حكومة بلاده أمرت بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، على حسابه بمنصة “إكس”: “على خلفية التصريحات التركية القاسية، أمرت بعودة الممثلين الدبلوماسيين من تركيا من أجل إعادة تقييم العلاقات الإسرائيلية التركية”.

كما سبق وأن رفضت تل أبيب تصريحات للرئيس التركي اعتبر فيها حركة حماس بأنها “ليست منظمة إرهابية”، حيث كتب المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ليؤور حياط عبر إكس: “إسرائيل ترفض بشدة الكلمات القاسية للرئيس التركي بشأن منظمة حماس الإرهابية”.

وأضاف، “حتى محاولة الرئيس التركي الدفاع عن المنظمة الإرهابية وكلماته التحريضية لن تغيّر من الفظائع التي شهدها العالم أجمع”.

بينما قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، يوم الأربعاء: “سمعت ما قاله أردوغان، حماس أسوأ من كونها منظمة إرهابية”.

من جانبه، أوضح الخبير المتخصص في الشأن التركيكرم سعيد، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الخطاب التركي فيما يتعلق بتطور الأوضاع في قطاع غزة شهد تحولًا، فبينما كانت تركيا حريصة في بادئ الأمر على تبني خطاب متوازن، وإعلان استعدادها للقيام بدور وساطة بين طرفي الصراع، جاء تصاعد القصف الإسرائيلي دفع أنقرة لتغيير خطابها وتبني لغة أكثر تشددًا تجاه إسرائيل”.

وأشار سعيد، إلى أن “خطاب أردوغان مرتبط بالأساس من غضب داخل تركيا ذاتها وخاصة من أنصار حزبه العدالة والتنمية، وبالتالي فهناك رأي عام داخلي ضاغط على حكومته لاتخاذ هذا النهج، وتعزيز الحضور مجددًا في الشارع التركي”.

ومع ذلك، يعتقد الخبير المتخصص في الشأن التركي، أن “هذا الخطاب لا يصل إلى ذروة التشدد، ففي النهاية هناك حرص تركي على تأمين المصالح مع الجانب الإسرائيلي، خاصة ما يتعلق بقطاع الطاقة والمصالح الاقتصادية”.

ولفت سعيد، إلى أن خطاب تركيا المتصاعد في شدته إزاء إسرائيل، سيلقي بتداعياته وتأثيره على موقف العلاقات بين البلدين، لكنها لن تصل إلى “حد القطيعة”، إذ سيكون التوتر هو العنوان الأبرز في تلك المرحلة، بالرغم من مغادرة البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية لأنقرة قبل ساعات.

وشدد، على أن تأثير هذا الخلاف قد يتسبب في تأخير تنفيذ بعض مشروعات الطاقة وعلى مستوى التنسيق السياسي والأمني، لكن في النهاية فهناك حرص مشترك بين تركيا وإسرائيل على ألا تعود العلاقة لما كانت عليه قبل 2010.

وهذا ما أشار إليه الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجي، بشير عبد الفتاح، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، بأن مسار التطبيع سيتأثر “مرحلياً” نتيجة التصاعد في الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنه لن ينتهي على الإطلاق.

وقال عبدالفتاح، إن “العلاقات بين تركيا وإسرائيل أكبر من أي تصريحات، لأنها ولدت برعاية أميركية ولن تسمح واشنطن بتدهورها أو انهيارها، كما أن هناك مساحة من حرية الحركة لدى كل طرف لإظهار استقلالية أو موقف حاد، لكن دون التأثير على مستقبل العلاقات”.

وشدد الخبير المتخصص في الشأن التركي، على أنه رغم التناحر الإعلامي الراهن بين أنقرة وتل أبيب، فإن “العلاقات الاستخباراتية والعسكرية والاقتصادية تسير بشكل منتظم”، بالنظر إلى أن خصوصية العلاقات التركية الإسرائيلية أنها تفصل بين التصريحات الإعلامية ومسار العلاقات الفعلي.