العدوان على غزة بدأ منذ وعد بلفور
قراءة تأريخية تعريفية.
لرسالة أرثر جيمس بلفور.
وَعْدُ بَلفُور. أو إعلان بَلفُور بيانٌ علنيّ أصدرته الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس «وطن قوميّ للشعب اليهوديّ» في فلسطين، التي كانت منطقة عثمانية ذات أقليّة يهوديّة حوالي 3-5% من إجماليّ السكان.
قام الدعم السياسي البريطانيّ للوجود اليهوديّ المتزايد في منطقة فلسطين، على حسابات جيوسياسية في أربعينيات القرن التاسع عشر، وقاده اللورد بالمرستون بعد دخول الحاكم المصري محمد علي، الى سورية وفلسطين. حيث بدأ النفوذ الفرنسي ينمو في فلسطين والشرق الأوسط عموماً كحامية للمجتمعات الكاثوليكية، كما بدأ النفوذ الروسي أيضاً بالنمو باعتبار روسيا حامية للأرثوذوكس الشرقيين في المناطق نفسها .ترك هذا بريطانيا دون أي نفوذ في تلك المناطق، لذا احتاجت بريطانيا أن تجد أو تخلق «من تحميه» في هذه المناطق. دعمت المشاعر المسيحية المتعاطفة مع «إعادة اليهود» إلى فلسطين بين أوساط النخبة السياسيّة البريطانيّة منتصف القرن التاسع عشر، هذه الاعتبارات السياسيّة البريطانيّة، وكان من أبرز الشخصيّات الداعمة لهذا الأمر اللورد شافتسبري. وقد شجَّعت وزارة الخارجيّة البريطانيّة هجرة اليهود بنشاط إلى فلسطين، ومثالها نصائح تشارلز هنري تشرشل في 1841-1842 لموسى مونتيفيوري زعيم الجماعة اليهودية البريطانية. لم تنجح هذه الجهود الباكرة في زيادة الهجرة اليهوديّة؛ كان 24 ألف يهوديّ فقط يعيشون في فلسطين عشية ظهور الصهيونية داخل المجتماعات اليهوديّة في العالم ،في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر. ومع التراجع الجيوسياسي الناجم عن اندلاع الحرب العالمية الأولى، أدَّت الحسابات القديمة، التي أُهملت لبعض الوقت إلى تجديد التقييمات الاستراتيجية وقيام مفاوضات سياسيّة على منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأقصى.
بدايات الحركة الصهيونية.
——————
نشأت الصهيونية آواخر القرن التاسع عشر كردَّة فعلٍ على الحركات القوميّة المعادية للسامية والإقصائيّة في أوروبا. ساعدت أيضاً القوميّة الرومانسيّة في شرق ووسط أوروبا على إطلاق الهاسكالا أو حركة «التنوير اليهوديّ»، مما خلق انقساماً في المجتمع اليهوديّ بين أولئك الذي رأوا اليهوديّة كدين لهم، وأولئك الذين رأوها كعرقيتهم أو أمتهم.وقد شجَّعت برامج الإبادة اليهودية في روسيا القيصريّة تنامي الهويّة الأخيرة، مما أدى إلى تشكيل منظمة أحباء صهيون، ونشر ليون بينسكر لـكتابه «الانعتاق الذاتي» وأول موجة رئيسية للهجرة اليهوديّة إلى فلسطين، والتي سُميت بـ«عليا الأولى.
وفي العام 1896، نشر تيودور هرتزل، وهو صحافي يهوديّ يعيش في الإمبراطورية النمساوية المجرية، نشر النص الأساسيّ للصهيونيّة السياسيّة بكتاب تحت عنوان الدولة اليهودية (بالألمانيّة: Der Judenstaat)، وقد أكَّد في هذا الكتاب ، أن الحل الوحيد للمسألة اليهوديّة في أوروبا، بما فيها تنامي معاداة الساميّة ، هو تأسيس دولة لليهود.[18][19] وبعد عام، أسَّس هرتزل المنظمة الصهيونية، التي دعت في أولى مؤتمراتها إلى تأسيس «وطن للشعب اليهوديّ في فلسطين تحت حماية القانون العام». تضمَّنت التدابير المقترحة لتحقيق هذا الهدف، تعزيز الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتنظيم اليهود في الشتات، وتعزيز الشعور والوعي اليهوديّ، والخطوات التحضيريّة للحصول على المنح الحكوميّة اللازمة.
توفي هرتزل عام 1904 دون أن يحصل على أي مكانة سياسيّة مطلوبة لتنفيذ أجندته.
انتقل القائد الصهيونيّ حاييم وايزمان، وهو أحد رؤساء المنظمة الصهيونية العالمية، من سويسرا إلى المملكة المتحدة عام 1904 والتقى بآرثر بلفور، الذي أطلق حملته الانتخابيّة 1905-1906 بعد استقالته من منصب الوزير الأول في وقت سابق من العام ذاته، حيث التقيا في جلسة نظَّمها تشارلز دريفوس ممثل بلفور في الدوائر اليهوديّة. وفي وقت مُبكر من هذا العام، استطاع بلفور الدفع بقانون الأجانب إلى البرلمان، بالإضافة إلى خطابات عاطفيّة تتحدَّث عن ضرورة تقييد موجة هجرة اليهود الفارين من الإمبراطوريّة الروسيّة إلى بريطانيا. وقد تساءل بلفور خلال هذا اللقاء ، عن اعتراض وايزمان على خطة أوغندا لعام 1903 التي دعمها هرتزل لتوفير جزء من شرق أفريقيا البريطاني لليهود كوطن. كان جوزيف تشامبرلاين سكرتير الدولة للمستعمرات في حكومة بلفور، قد اقترح هذا المخطط على هرتزل، وذلك بعد رحلته إلى شرق أفريقيا في وقت سابق من هذا العام، تم التصويت على هذا المخطط بعد وفاة هرتزل في المؤتمر الصهيونيّ السابع عام 1905. بعد عامين من النقاش الدائر في المنظمة الصهيونيّة. ردَّ وايزمان أنه يعتقد بأن الإنجليزيّة تنتمي للندن كما ينتمي اليهود إلى القدس ؟!!و قد التقى وايزمان والبارون إدموند روتشيلد، وهو عضو في الفرع الفرنسيّ لعائلة روتشيلد ،وداعم رئيسي للحركة الصهيونية، التقيا للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 1914، ليتحدثا عن مشروع بناء جامعة في القدس. لم يكن البارون روتشيلد جزءاً من المنظمة الصهيونيّة العالميّة، ولكنه أسَّس المستعمرات الزراعية اليهودية للعليا الأولى وقام بنقلهم إلى الرابطة الاستعمارية اليهودية عام 1899. آتى هذا الاتصال أُكله في وقت لاحق من هذا العام، عندما طلب ابن البارون وهو جايمس دي روتشيلد، لقاء وايزمان في 25 نوفمبر 1914، لكي يتطوَّع في التأثير على بعض من يعتبرون مقبولين في الحكومة البريطانية لأجندتهم ،لإقامة «دولة يهوديّة» في فلسطين. ومن خلال دوروثي زوج جايمس، التقى وايزمان بروتزيسكا روتشيلد التي قدَّمته إلى الفرع الإنجليزيّ للعائلة، وتحديداً بغلها تشارلز وأخوه الأكبر منه والتر ، وهو عالم حيوان وعضو مؤسس في البرلمان. كان لوالدهما ناثان روتشيلد البارون الأول في العائلة ورئيس الفرع الإنجليزيّ من العائلة، كان له موقف متريّث من الصهيونيّة، ولكنه مات في مارس/آذار من عام 1915 وورث ابنه والتر اللقب عنه.
و قبيل إعلان وعد بلفور، كان حوالي 8.000 من أصل 300.000 يهودي بريطاني ينتمون إلى المنظمة الصهيونيّة. وعلى المستوى العالمي، بحلول 1913، وهو آخر تاريخ معروف قبيل الإعلان، كان نسبة من ينتمون إلى الصهيونية تُعادل 1% من اليهود.
فلسطين في العهد العثماني.
بحلول عام 1916، كانت فلسطين قد أمضت أربعة قرون تحت الحكم العثماني. ولمعظم هذه الفترة، مثَّل اليهود أقليّة صغيرة، تبلغ حوالي 3% من مجموع السكّان، بينما مثَّل المسلمون أكبر شريحة اجتماعيّة من السكان، يأتي بعدهم المسيحيون في المرتبة الثانية.
بدأ العثمانيون بالتضييق على الهجرة اليهودية في آواخر 1882، كردة فعل على موجة «عليا الأولى» التي بدأت في وقت باكر من العام ذاته. وعلى الرغم من أن هذه الموجة من الهجرة قد خلقت توتُّراً مع السكان المحليين، خصوصاً في أوساط التجّار والطبقات البارزة في المجتمع، فقد أعطى الباب العالي (الحكومة العثمانية المركزية) اليهود “الحقوق “ذاتها التي يمتلكها العرب في شراء الأراضي في فلسطين، وبحلول 1914 ارتفعت نسبة السكّان اليهود إلى 7% تقريباً. في الوقت ذاته ومع تزايد عدم ثقة العرب بتركيا الفتاة- القوميّون الأتراك الذين تولَّوا حكم الإمبراطوريّة العثمانية في 1908- ومع بدء موجة هجرة عليا الثانية، تصاعدت القوميّة العربيّة ومعاداة الصهيونيّة في فلسطين. لا يعلم المؤرخون ما إذا كانت هذه الحشود وتعزُّز هذه الأفكار ستؤدي إلى الصراع العربي- الصهيوني ذاته فيما لو لم يعد بلفور اليهود بإقامة وطن في فلسطين.
الحرب العالمية الأولى
المقالة الرئيسة: مسرح أحداث الشرق الأوسط خلال الحرب العالمية الأولى
1914-1916: مناقشات الصهيونيّة-الحكوميّة البريطانيّة الأولى
في يوليو 1914 اندلعت الحرب في أوروبا بين الوفاق الثلاثي (بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية الروسية) ودول المركز (الإمبراطورية الألمانية والإمبرطورية النمساوية المجرية، انضمت إليهما الإمبراطوريّة العثمانيّة في آواخر هذا العام)
ناقشت الحكومة البريطانية لأول مرة الصهيونيّة في لقاء وقع في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1914، بعد أربع أيام من إعلان بريطانيا للحرب على الإمبراطوريّة العثمانيّة، التي كانت تدير أرض فلسطين تحت اسم متصرفية القدس. أشار ديفيد لويد جورج مستشار الخزانة آنذاك، خلال اللقاء إلى «مصير فلسطين النهائيّ». وكان شركة المستشار «لويد جورج وشركاؤه» قد انخرطت قبل عقد من الزمن بالاتحاد الصهيونيّ لبريطانيا العُظمى وإيرلندا للعمل على مخطط أوغندا، وسيصبح هذا المستشار فيما بعد رئيساً للوزراء في وقت إعلان وعد بلفور، ويُعتبر المسؤول عن الإعلان.
و قد انتعشت جهود وايزمان السياسيّة، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 1914 التقى مع هربرت صموئيل، عضو مجلس الوزراء البريطانيّ وعالم يهوديّ درس الصهيونيّة؛ وقد اعتقد صموئيل أن مطالب وايزمان متواضعة جداً. وبعد يومين، التقى وايزمان بلفور مجدداً، لأول مرة منذ لقائهما الأول عام 1905، كان بلفور قد خرج من الحكومة منذ هزيمته الانتخابيّة عام 1906، ولكنه ظل عضواً بارزاً في حزب المحافظين باعتبارهم المعارضة الرسميّة.
وبعد شهر، نشر صموئيل مذكرة بعنوان (بالإنجليزية: The Future of Palestine) (العربيّة: مستقبل فلسطين) لزملائه في مجلس الوزراء. وقد جاء في المذكرة: «إنني أؤكِّدُ أن حل مشكلة فلسطين الذي سيلقى أكبر ترحيب بين قادة الحركة الصهيونيّة وداعميهم ، هو ضم البلاد إلى الإمبراطورية البريطانية». ناقش صموئيل نسخةً من مذكرته مع ناثان روتشيلد في فبراير 1915، قبل شهر من وفاة الأخير. كانت هذه أول مرة يُقترح فيها دعم اليهود كإجراء حربيّ في سجلّ رسميّ.
تبع هذا العديد من المناقشات، بما في ذلك اللقاءات الأوليّة عامي 1915 و1916 بين لويد جورج الذي عُيِّن وزيراً للخارجيّة في مايو/أيَّار 1915، ووايزمان الذي عُيِّن مستشاراً علميّاً للوزارة في سبتمبر/أيلول 1915. وصف جورج لويد في مذكّراته بعد سبع عشر عاماً هذه اللقاءات بأنها “منبع وأصل” الإعلان، إلا أن عدداً من المؤرخين رفضوا هذا الإدّعاء
وفي آواخر العام 1915، تبادل المندوب السامي البريطانيّ في مصر هنري مكماهون عشر رسائل مع حسين بن علي شريف مكة، وعد مكماهون الشريف حسين خلال هذه الرسائل بالاعتراف بالاستقلال العربيّ «ضمن الحدود المقترحة من قبل شريف مكة» في مقابل إطلاق حسين ثورةً ضد الدولة العثمانيّة. استُثني من هذا التعهُّد «أجزاء سورية » الممتدة غرب «مناطق دمشق وحمص وحماة وحلب». وقد بقي هذا الاستثناء للساحل السوريّ محل نزاع حامٍ لعدة عقود ،تلت هذه المراسلات باعتبار أن فلسطين تقع جنوب غرب دمشق وبسبب عدم ذكرها بشكل واضح.
و أطلق شريف مكة حسين بن عليّ الثورة العربيّة في الخامس من يونيو/حزيران عام 1916، على أساس اتفاق مقايضة خلال المراسلات التي جرت بينهما. وعلى الرغم مما سبق، فقد أبرمت حكومات المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا خلال أقل من ثلاثة أسابيع ،اتفاقيَّةً سريّة دُعيت باتفاقية سايكس -بيكو، وصفها بلفور فيما بعد بأنها «طريقة جديدة تماماً» لتقسيم المنطقة بعد اتفاقية 1915 التي «بدت منسيَّةً».
فاوض خلال هذه الاتفاقيّة الأنجلو-فرنسيّة آواخر عام 1915 وأوائل 1916 السير مارك سايكس عن بريطانيا وفرانسوا جورج بيكو عن فرنسا، مع وضع ترتيبات أوليّة في مذكرة مشتركة في 5 يناير/كانون الثاني عام 1916. كان سايكس نائباً محافظاً بريطانياً ترقَّى في المناصب حتى وصل إلى موقع ذو تأثير هام في سياسة بريطانيا، فيما يتعلّق بالشرق الأوسط، بدءاً من مقعده في لجنة دي بونسن عام 1915 ومبادرته لإنشاء المكتب العربي. بينما كان بيكو ديبلوماسيَّاً وقنصلاً عاماً سابقاً في بيروت. حددت هذه الاتفاقيّة مجالات النفوذ والسيطرة غرب آسيا في حال نجاح التحالف الثلاثي في هزيمة الدولة العثمانية ،خلال الحرب العالمية الأولى، حيث قاموا بتقسيم الأراضي العربية إلى مناطق إدارة فرنسيّة وبريطانيّة. في فلسطين، تم الاتفاق على إقامة إدارة دوليّة، مع اتوميك تشكيل الإدارة بعد التشاور مع حسين وروسيا، وقد أشارت الاتفاقيّة إلى مصالح المسلمين والمسيحيِّين وأن «لأعضاء المجتمع اليهوديّ في جميع أنحاء العالم اهتمام ضميريّ وعاطفيّ بمستقبل البلاد.» و حتى قبيل هذه المرحلة لم تجرِ أي مُفاوضات نشطة مع الصهاينة، ولكن سايكس كان مدركاً للصهيونيّة وكان على اتصال مع موسى جاستر-و هو رئيس الاتحاد الصهيونيّ الإنجليزيّ السابق ، ومن الممكن أن يكون قد اطَّلع على مذكرة صموئيل. وبرأي سايكس فإن هذا الاتفاق الذي حمل اسمه قد عفا عليه الزمان حتى قبل أن يُوقَّع في مارس/آذار 1916، فقد كتب سايكس في رسالة خاصة: «برأيي الصهاينة الآن هم مفتاح الوضع». يُنظر إلى هذه المبادرات في أيام الحرب، بما في ذلك وعد بلفور، من قبل المؤرخين معاً بسبب إمكانيّة عدم توافق هذه المبادرات فيما بينها (سواء كان عدم التوافق حقيقياً أم مُتخيَّلاً) ولاسيّما فيما يتعلَّق بحسم قضيّة فلسطين. يقول البروفيسور ألبرت حوراني مؤسس مركز الشرق الأوسط في كلية القديس أنطوني التابعة لجامعة أوكسفورد: «الجدال حول تفسير هذه الاتفاقيّات أمر من المستحيل أن ينتهي، لأنه كان من المقصود أن تحمل أكثر من تأويل.»
التغيرات في الحكومة البريطانية
فيما يتعلَّق بالسياسة البريطانيّة، جاء إعلان بلفور نتيجة وصول لويد جورج وحكومته التي حلّت محل حكومة هربرت أسكويث في ديسمبر 1916. وعلى الرغم من كون رئيسا الوزراء ليبراليين (من الحزب الليبرالي) وكون حكومتاهما حكومتين ائتلافيَّتين في زمن حرب فإن لويد جورج وبلفور الذي عُيِّن وزيراً للخارجيّة فضَّلا تقسيم الإمبراطوريّة العثمانيّة بعد الحرب باعتباره هدفاً رئيسياً لبريطانيا من الحرب، بينما فضَّل أسكويث ووزير خارجيّته إدوارد جراي إعادة تشكيلها.
و بعد يومين من تسلّم منصبه أخبر لويد جورج الجنرال روبرتسون ،رئيس هيئة الأركان العامة الإمبراطوريّة أنه يريد انتصاراً كبيراً، ويُفضَّل أن يستولي على مدينة القدس بغرض إثارة إعجاب الرأي العام البريطانيّ، واستشار لويد جورج حالاً حكومة الحرب حول «حملة أُخرى على فلسطين بعد تأمين العريش.» وقد أدَّت ضغوط لويد جورج على الرغم من تحفُّظات روبرتسون، إلى إعادة السيطرة على سيناء وضمها إلى مناطق سيطرتها في مصر، وبسيطرة البريطانيين على العريش في ديسمبر/كانون الأول 1916 ورفح في يناير/كانون الثاني 1917وصلت القوات البريطانيّة إلى الحدود الجنوبيّة للدولة العثمانيّة. ومن ثُمَّ فشلت محاولتان للسيطرة على غزَّة بين 26 مارس/آذار و19 أبريل/نيسان، حلَّ الركود لمدة ستة أشهر جنوب فلسطين؛ولم تحقق حملة سيناء وفلسطين أي تقدّم في فلسطين حتى 31 أكتوبر 1917.
المفاوضات الرسمية البريطانية-الصهيونية.
بعد التغيُّر الحكومي البريطاني، كُلِّفَ مارك سايكس من قبل حكومة الحرب بمسؤولية شؤون الشرق الأوسط. في يناير/كانون الثاني من عام 1917، وعلى الرغم من أن مارك سايكس كان قد أسَّس علاقةً مع موسى جاستر سابقاً، إلا أنه بدأ بالبحث عن قادة صهاينة آخرين للقائهم؛ وبحلول نهاية الشهر كان سايكس قد تعرَّف على وايزمان وزميله ناحوم سوكولوف الصحفيّ والمدير التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية ،بعد أن انتقل إلى بريطانيا بداية الحرب.
في 7 فبراير/شباط من عام 1917 دخل سايكس مُدعياً صفته الشخصيّة في مناقشات موضوعيّة مع القيادة الصهيونيّة. نُوقشت المراسلات البريطانيّة السابقة مع «العرب» خلال هذا الاجتماع. وقد سجّل سوكولوف ملاحظات عن وصف مارك سايكس بأن «العرب قد اعتبروا أنه ينبغي أن تكون اللغة هي المقياس [الذي تتحدد بموجبه أحقيّة السيطرة على فلسطين] و[بهذا المقياس] طالبوا بكل سورية وفلسطين. لايزال من الممكن إدارة العرب، خصوصاً إذا كانوا قد تلقَّوا الدعم اليهوديّ في قضايا أخرى.» وحتى هذه المرحلة لم يكن الصهاينة علم باتفاقيّة سايكس بيكو، على الرغم من شكوكهم في الأمر. كانت أحد أهداف سايكس حشد الصهيونيّة لقضية سيادة البريطانيين على فلسطين، ليكون لديهم حجج تقدمها بريطانيا لفرنسا في هذا الأمر.
أواخر العام 1917: مستجدات الحرب العالمية الأولى.
خلال هذه الفترة، أدَّت مناقشات حكومة الحرب البريطانيّة إلى إعلان الوعد، حيث كانت الحرب قد وصلت إلى حالةٍ من الجمود. فعلى الجبهة الغربية تحوَّلت الحرب لصالح قوى المحور ربيع 1918، قبل حسم الأمور لصالح الحلفاء في يوليو 1918 ،وما تلاه. وعلى الرغم من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على ألمانيا في ربيع عام 1917، لم تتكبد الولايات المتحدة أي ضحايا حتى 2 نوفمبر 1917، حيث كان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لايزال يأمل في تجنُّب إرسال قوات كبيرة إلى الحرب. ومن المعروف أن القوَّات الروسيّة عانت من تشتُّتٍ بسبب الثورة الروسية والدعم المتزايد للبلاشفة، وعلى الرغم من هذا بقيت حكومة ألكسندر كيرينسكي المؤقتة خلال الحرب. انسحبت روسيا فيما بعد من الحرب بعد المرحلة الأخيرة من الثورة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1917.
محمد المشهداني _ الشراع