يعيش العراق انقساماً حول دوره في أزمة غزة؛ إذ في مقابل الحماس والترحيب الحار من قبل الفصائل الشيعية المسلحة المرتبطة بطهران والمحسوبة على ما يسمى «محور المقاومة»، بخطاب أمين عام «حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، قوبل الخطاب من جهة أخرى ببرود سياسي، ووجهت له انتقادات ضمنية عديدة على المستوى الشعبي، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وأثار الخطاب حفيظة كثيرين اعتبروا أن نصر الله يسعى إلى «توريط العراق بصراع عسكري جديد» في بلاد بالكاد تعافت مؤخراً من صراعاتها الدموية التي استمرت لسنين طويلة، خاص حينما أشاد نصر الله بسلوك الفصائل المسلحة ووصفه بـ«الحكيم» على خلفية شن هذه الفصائل هجمات صاروخية على قواعد ومعسكرات يوجد فيها عسكريون أميركيون، فيما تمثل هذه الهجمات، بنظر قطاعات عراقية سياسية وشعبية واسعة، أداةً لتقويض أمن واستقرار البلاد.
اتجاهات مناهضة لـ«محور المقاومة»
وفيما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك التي توجد فيها الاتجاهات المناهضة لـ«محور المقاومة» بالسخرية والرفض لكلام أمين عام «حزب الله»، بدا البرود السياسي واضحاً في موقفها من خطاب نصر الله، وقد «رفض ضمناً» من قبل رئيس الوزراء محمد السوداني وساسة آخرين، حيث تحدث السوداني خلال مؤتمر السفراء السابع المنعقد في بغداد، يوم السبت، عن أن «الحكومة هي من تقرر موقف العراق من أي حدث أو ظرف إقليمي، وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الكبيرة، وفقاً للدستور، وانطلاقاً من المصلحة العليا للعراقيين»، وذلك في إشارة واضحة تقف بالضد من توجهات الفصائل المسلحة التي تريد إقحام العراق في أتون الحرب الإسرائيلية الفلسطينية.
وبعد لحظات من كلام رئيس الوزراء، قدم ائتلاف «النصر» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، تأييده الكامل لتوجهات السوداني، حيث قال في بيان: إنه «يؤيد ويدعم موقف السيد رئيس مجلس الوزراء، من أنّ الدولة العراقية هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الكبيرة انطلاقاً من مصلحة أبناء الشعب». وأضاف أن «العراق بمرجعيته الدينية ومؤسساته الحكومية والدستورية هو مَن يقود نفسه ويحدد مصالحه ويدير الأزمات على تنوعها، بما يحفظ ويجمع بين التزاماته الداخلية والخارجية ومصالحه الوطنية».
استهداف قاعدة «الحرير»
وفي سياق آخر، تأتي الاستهدافات الموجهة للقواعد الأميركية رداً على دعمها لإسرائيل في حرب غزة، فيما أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، يوم السبت، استهداف قاعدة «الحرير» في أربيل وقاعدة أميركية أخرى جنوب مدينة الحسكة السورية. وقالت، في بيان، إنها «استهدفت قاعدة حرير شمال العراق بطائرتين مسيرتين وأصابتا أهدافهما بشكل مباشر».
وفي بيان آخر، قالت إن «مجاهدي المقاومة الإسلامية في العراق، استهدفوا قاعدة الاحتلال الأميركي في الشدادي جنوب مدينة الحسكة السورية، بواسطة الصواريخ، وتمت إصابتها بشكل مباشر».
ويبدو الموقف من الحرب في غزة بالنسبة للفصائل المسلحة، مختلفاً جذرياً بالنسبة للموقفين الرسمي والشعبي؛ إذ تتصرف تلك الفصائل بمعزل عن الدولة والحكومة على الرغم من أن جميعها تقريباً تنخرط ضمن مظلة قوى «الإطار التنسيقي» الذي يشكل حكومة السوداني.
وفيما وجه رئيس أركان «الحشد الشعبي» عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، يوم الخميس، بـ«رفع حالة الإنذار القصوى استعداداً للتعامل مع أي طارئ خلال الأيام المقبلة، والتأكيد على الجهوزية العالية لجميع مقاتلينا في مختلف القواطع والتشكيلات والاستعداد الكامل للدفاع عن سيادة البلد وحدوده الوطنية»، تبارى رؤساء وقادة بعض الفصائل في دعم خطاب وتوجهات حسن نصر الله.
وقال أمين عام «كتائب سيد الشهداء» أبو آلاء الولائي، في تغريدة عبر منصة «إكس» (تويتر سابقاً): «تلقت المقاومة الإسلامية في العراق تحياتكم بفخر واعتزاز، وتعاهدكم وكل المظلومين في العالم، أن تكون كما عهدتموها لا تخلف وعداً ولا تدخر جهداً عن الوقوف بجانب الحق». وشكر رئيس حركة «النجباء» أكرم الكعبي، في تغريدة مماثلة، حسن نصر الله بعد خطابه، قائلاً إنه «أشفى قلوباً ووضع الأمور في موازينها». كان الكعبي أعلن، الأربعاء الماضي، عن أن الفصائل «قررت تحرير العراق عسكرياً وحسم الأمور».