لم تكتف عملية «طوفان الأقصى» بتوجيه ضربات للكيان الصهيوني عسكريا وأمنيا وسياسيا، بل وصل تأثيرها المباشر على اقتصاد الدولة الصهيونية، فأثرت على قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة والبنوك والسياحة والطيران والطعام وغير ذلك.وقد وزع كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار الاسرائيلي -Meitav- الأضرار في أربع فئات: التكلفة المباشرة للحرب، والتعويض عن الاضرار التي لحقت بالممتلكات، والمساعدة الاقتصادية (استمرارية الأعمال، ودعم الأسر)، وفقدان دخل الدولة بسبب الاضراب الاقتصادي، مشيراً الى أن هذا التقدير أعلى من تقديرات (?نك اسرائيل ووزارة الخزانة) اللذان قدرا، بشكل غير رسمي، أن التأثير سيكون خسارة بنسبة 3%- 2% من الناتج المحلي الاجمالي. وفي السياق نفسه، فإن الخسائر التي ستمنى بها الدولة الصهيونية استنادا الى افتراض (ميتاف) «باستمرار الحرب نحو 60 يوما، ستبلغ تكلفتها المباشرة بين 6,17- 6.25 مليارات دولار في شكل كلفة السلاح والذخيرة وقوات الاحتياط»، اي ستكون ضعف تكلفة حرب لبنان الثانية.كما أضافت: «بحلول نهاية عام 2023، وبسبب الحرب، سيقفز العجز في الموازنة بين 4٪-3٪ من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بتوقعات العجز قبل الحرب عند ?.5% وأن الحرب ستؤدي إلى خسارة عائدات الضرائب – مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي بقيمة حوالي 7.75 مليارات دولار».
أما الصورة، بالنسبة لعام 2024، فستكون أكثر تعقيداً، اذ يتوقع أن يكون هناك عجز في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 4% مقارنة بتوقعات ماقبل الحرب البالغة 2.5%، وهو الامر الذي سيتطلب من وزارة المالية الحفاظ على وتيرة اقتراض شهرية تبلغ حوالي 12 مليار شيكل (2,9 مليار دولار) في سوق السندات المحلية، فضلاً عن جمع نحو 25 مليار شيكل (6,1 مليارات دولار) من الاسواق الخارجية. وبحسب تقديرات «ميتاف» فانه في نهاية 2024 ستنمو نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي الى نحو 62٪، مقارنة بنحو 59٪ اليوم. ويأتي كل ذلك على خلفية تراج? متوقع في النمو الاقتصادي الى 2.8٪ هذا العام والى 2٪ في 2024».
نفقات القتال في اليوم الواحد تكلف الكيان الصهيوني نحو (250 مليون دولار) وسيزداد الإنفاق الإجمالي مع استمرار القتال، بل ولربما يتلقى الكيان الصهيوني ضربة مالية واقتصادية أيضا، وذلك وسط حالة الركود التي تعصف بالاقتصاد الإسرائيلي وبالذات على سوق العمال والمعاملات لمختلف المصالح التجارية. من جهتها، ذكرت (دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية) أن استطلاعاتها أظهرت أن «الحرب على غزة أثرت على النشاط التجاري الذي أصيب بشلل شبه تام، وكذلك سوق وحركة العمالة، حيث ما زال 764 ألف عامل عاطلين عن العمل، أي ما يعادل 18٪ من إ?مالي القوى العاملة»، مشيرة إلى أن هذا العدد هو «الحد الأدنى والذي يمكن أن يصل إلى نحو مليون عامل». أما (وزارة المالية الإسرائيلية) فرجحت أنه في حال استمرار الحرب لمدة عام أو انتشارها إلى ساحات أخرى «هناك احتمال كبير بحدوث ركود في الفصول المقبلة، وخشيةٌ من تعطيل 1.8 مليون عامل يشكلون 41٪ من القوى العاملة في السوق الإسرائيلية».
ومن بين أكثر التقديرات تشاؤما، وفقاً لمحللي (وول ستريت)، رجح (بنك جي بي مورغان تشيس) الأمريكي أن «ينكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 11% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع تصاعد الحرب على قطاع غزة»، حيث حذر من أن «الآثار ستكون أكبر في حال توسعت الحرب لتشمل جبهات أخرى». وها إن الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية بسبب الحرب تتعمق اذ الحقت الضرر الفوري بقطاعات عديدة. وتؤكد التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، وتقارير مراكز أبحاث ومؤسسات اقتصادية عالمية، تؤكد أن الدولة الصهيونية – لا محالة – ستشهد ?زمة اقتصادية لم تعرفها منذ سنوات بسبب الحرب على «القطاع»، ذلك ان حجم الصرف على الحرب ما زال يصعب حصره، ليس فقط على جيش الاحتلال، وإنما بالأساس على المجتمع الإسرائيلي وقطاعات اقتصادية باتت مشلولة رغم المساعدة الأمريكية السخية (ناهيك عن العسكرية).
مع استمرار الحرب، سيواصل الاقتصاد الإسرائيلي تلقي الضربات التي ستعيق ما كان يعتبر واحدا من أكثر الاقتصادات ازدهارا في العالم، بل إنه لربما يكون تنبئ صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية هو الهاجس الأكبر لدى الدولة الصهيونية، حين أفادت بأن «احتمال نشوب حرب طويلة الأمد سيؤدي إلى فوضى اقتصادية شاملة في إسرائيل إضافة إلى وقوع خسائر بشرية مدمرة».