أين هي الصين من حرب غزة والمنطقة؟ / د. ليون سيوفي
مطلب بكين هو وقف الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية” حماس” في أسرع وقتٍ ممكنٍ، وقد أبدت استعدادها للعمل مع الحكومات العربية من أجل التوصل إلى حلٍّ دائمّ للصراع.
وهي ترى أنّ وقف إطلاق النار بات مُلحًّا، ويجب إعلانه في أسرع وقتٍ ممكنٍ، لمنع اتساع نطاق الصراع أو خروجه عن نطاق السيطرة.
ومن المتفق عليه أنّ روسيا والصين من أكثر المستفيدين من الأحداث الجارية الآن في فلسطين، لا سيما موسكو، التي باتت تدرك أهمية الفرصة السانحة بانشغال الولايات المتحدة الأميركية وقوى الغرب بحرب غزة عن مواصلة الدعم المقدَّم إلى أوكرانيا.
لقد عانى النظام الأمني الأميركي في المنطقة من ضربات متتالية على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، بدءاً بالانسحاب من أفغانستان والعراق، إلى السماح لروسيا بتأسيس موطئ قدمٍ لها في شرق البحر الأبيض المتوسط، مروراً بإعطاء الضوء الأخضر للدوافع الإيرانية التوسعية وبرنامجها النووي من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنه لم يظهر بعد أي بديل موثوق به عن الزعامة الأميركية.
وبمقدور الصين الصاعدة التي تمكنت من التوسط والتوصل للتقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية تغيير هذه المعادلة بسهولة. وحتى لو كانت واشنطن تُفضّل النأي بنفسها عن التنافس مع الصين للهيمنة على المنطقة، إلا أنّ ذلك لن يقي الشرق الأوسط أو الأميركيين عواقب المعركة التي يبدو أنّ الصين عازمة على الظفر بها.
يُعتبر البحر الأبيض المتوسط واحداً من أكثر النقاط أهمية في التاريخ نظراً لموقعه الجيو سياسي بين ثلاث قارات، آسيا وأوروبا وإفريقيا، كما يطل على 22 بلداً. هذا الحوض المائي الضخم الذي يمتد على مساحة تفوق ٢.٥ مليون كلم٢، يفصل جنوب أوروبا عن شمال إفريقيا وغرب آسيا.
سمح له هذا الموقع بأن يكون دائماً طريقاً بحرياً هاماً تمر منه عشرات الملايين من الحاويات في كل عام، محملة بشتى أنواع البضائع.
فيواجه حوض البحر الأبيض المتوسط بعض التحديات الخطيرة، إذ أنّ طرق التجارة الجديدة، مثل تلك التي فتحت مع ذوبان الجليد جنوب القطب الشمالي أو اكتمال مشروع “طريق الحرير” الجديد، سوف تنافس البحر الأبيض المتوسط وتسرق منه جزءًا من أهميته..
وباكتشاف مخزونات ضخمة من الغاز في البحر المتوسط غيّر المعادلة الجيو سياسية في شرق المتوسط ليستعيد أهميته الاستراتيجية بين الدول الإقليمية والدولية المتنافسة على الطاقة والموانئ وخطوط التجارة العالمية، إذ إنّ اكتشاف مخزونات هامة منه، في المياه السورية واللبنانية والفلسطينية والقبرصية والمصرية، فتح الباب أمام الصراعات الإقليمية بين قوى محلية وازنة ترغب في استغلال وتسويق الغاز، مثل إيطاليا وقبرص واليونان ومصر والكيان الإسرائيلي ..
فالصين أقرّت إنها لن تخوض أية معركة ولو باردة مع أي بلدٍ آخر.
في النهاية من يقرأ الأحداث يتأكد أنّ الصين لن تترك هذه المنطقة وهي غنية بهذا الشكل.
فالقمة والتوافق بين الصين والولايات المتحدة الذي حصل اليوم يبشر بالخير وجعلهما يشددان برغبتهما على استئناف المحادثات العسكرية الرفيعة المستوى على أساس المساواة والاحترام، وإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين الطرفين، مما سيعزّز دور الصين في المنطقة بشكل قوي وايجابي ..
الشراع