يهاجم مسلحون مدعومون من إيران في العراق، وسوريا، منذ فترة طويلة القوات الأميركية، ويشنون هجمات متفرقة على قواعدها في المنطقة حيث تنتشر لمحاربة مسلحي تنظيم “داعش”.
ولكن منذ 17 تشرين الاوّل، مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين في الحرب الإسرائيلية على غزة، كان هناك ارتفاع كبير في تلك الهجمات التي يشنها مسلحون منضوون تحت ما يعرف باسم “المقاومة الإسلامية في العراق” القريبة من إيران، وفق وكالة أسوشيتد برس.
وفي حين أن معظم الهجمات التي يزيد عددها عن 15 كانت غير فعالة إلى حد كبير، إلا أنه تم تسجيل ما لا يقل عن 60 إصابة.
وكانت تلك الإصابات في أغلب الأحيان طفيفة، وقد عادت جميع القوات إلى الخدمة، وفقًا للبنتاغون.
ورد الجيش الأميركي ثلاث مرات فقط، على تلك الهجمات، حيث تعمل إدارة الرئيس، جو بايدن، على موازنة الجهود لردع المسلحين دون إثارة صراع أوسع في الشرق الأوسط.
وفقا للبنتاغون، شن المسلحون المدعومون من إيران، نحو 61 هجوما على قواعد ومنشآت تضم أميركيين في العراق وسوريا منذ 17 تشرين الاوّل.
وكان هناك 29 هجوما في العراق و32 في سوريا.
وللولايات المتحدة نحو ألفي جندي أميركي في العراق، بموجب اتفاق مع حكومة بغداد، ونحو 900 جندي في سوريا، لمواجهة تنظيم “داعش”، ومراقبة وكلاء إيران الذين ينقلون الأسلحة عبر الحدود.
يشار إلى أن تلك الهجمات تصاعدت بشكل لافت بعد نحو 10 أيام من توغل عناصر من حماس في إسرائيل في 7 تشرين الاوّل الماضي، حيث قُتل ما لا يقل عن 1200 شخص.
وأدى الرد العسكري الإسرائيلي العنيف إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص في غزة.
إثر ذلك، تأججت التهديدات بالانتقام من قبل الجماعات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والحوثيون المتمركزون في اليمن، والمسلحون في العراق وسوريا.
وتصاعدت هذه التهديدات بعد أن أدى انفجار وقع في 17 تشرين الاوّل في المستشفى الأهلي المعمداني في غزة إلى مقتل مئات المدنيين.
وألقت حماس باللوم على إسرائيل في الانفجار، لكن إسرائيل نفت ذلك، حيث ألقى مسؤولون إسرائيليون وأميركيون أيضا باللوم في الانفجار على خطأ من قبل حركة الجهاد الإسلامي التي تقاتل إلى جانب حماس ضد إسرائيل.
والجزء الأكبر من الهجمات على القواعد والمنشآت الأميركية كانت بطائرات انتحارية بدون طيار أو صواريخ، وفي معظم الحالات لم تقع إصابات ولم تحدث سوى أضرار طفيفة.
وكان هناك عدد كبير من الإصابات، وخاصة إصابات على مستوى ارتجاج الدماغ، في الهجمات الأولية بين 17 و21 تشرين الاوّل على قاعدة الأسد الجوية في العراق والتنف في سوريا.
وأصيب أحد المقاولين الأميركيين بسكتة قلبية وتوفي أثناء البحث عن مأوى من هجوم محتمل بطائرة بدون طيار.
مع فراغ السلطة وسنوات من الصراع المدني في أعقاب دخول القوات الأميركية للعراق، عام 2003، نمت الميليشيات وتضاعفت في البلاد، وبعضها مدعوم من إيران.
وبعد عقد من الزمن، عندما اجتاح تنظيم “داعش” المتطرف، العراق، اجتمع عدد من الميليشيات المدعومة من إيران تحت مظلة قوات الحشد الشعبي وقاتلوه.
وتضمنت الجماعات عصائب أهل الحق، وألوية بدر، وكتائب حزب الله في العراق.
ويعمل عدد من الميليشيات العراقية أيضا في سوريا، حيث تدعم إيران حكومة الرئيس، بشار الأسد، ضد المعارضة التي تتقدم الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى حرب أهلية بدأت في عام 2011.
وبعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، قامت مجموعة من الفصائل المدعومة من إيران بتصنيف نفسها تحت اسم “المقاومة الإسلامية في العراق” وبدأت الموجة الأخيرة من الهجمات على القواعد التي تضم القوات الأميركية في العراق وسوريا.
ووضعت الهجمات رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في موقف صعب.
وبينما وصل الرجل إلى السلطة بدعم من الجماعات القريبة من إيران، إلا أنه يريد أيضًا استمرار العلاقات الجيدة بين بغداد وواشنطن، وقد دعم استمرار وجود القوات الأميركية في بلاده.
وحذر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اجتماع مع السوداني هذا الشهر، من عواقب استمرار الميليشيات المدعومة من إيران في مهاجمة المنشآت الأميركية في العراق وسوريا.
إثر ذلك، سافر السوداني إلى طهران والتقى بالمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وهو لقاء اعتبره المسؤولون الأميركيون “تطورا إيجابيا”.
وقال مسؤول في إحدى الميليشيات المدعومة من إيران، إن السوداني مارس “ضغوطا كبيرة” على الميليشيات لعدم تنفيذ هجمات خلال زيارة بلينكن.
وفي المقابل، وعد السوداني بدفع الأميركيين إلى عدم الرد بقوة على الميليشيات التي نفذت الضربات.
وتحدث المسؤول لوكالة أسوشيتد برس شريطة عدم الكشف عن هويته.
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الاوّل، قامت إدارة بايدن بنقل السفن الحربية والطائرات المقاتلة وأنظمة الدفاع الجوي والمزيد من القوات إلى الشرق الأوسط في حملة لثني الجماعات المسلحة عن توسيع الصراع.
لكن الرد العسكري الأميركي على الهجمات نفسها، كان في حده الأدنى، ففي 27 تشرين الاوّل، قصفت الطائرات المقاتلة الأميركية موقعين لتخزين الأسلحة والذخيرة في شرق سوريا بالقرب من البوكمال كان يستخدمهما الحرس الثوري الإسلامي الإيراني والجماعات المدعومة من إيران.
وفي 8 تشرين الثاني، أسقطت المقاتلات الأميركية قنابل على منشأة لتخزين الأسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني بالقرب من ميسلون، في دير الزور بسوريا.
في 12 تشرين الثاني، استهدفت غارات جوية أميركية منشأة تدريب في منطقة بلبل في الميادين في سوريا.
وقال مسؤولون أميركيون إن أفرادا مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني كانوا هناك، ومن المرجح أنهم أصيبوا، لكنهم لم يقدموا تفاصيل إضافية.
وهناك مخاوف داخل الإدارة الأميركية من أن هذا الوضع، الذي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد العنف وإثارة المزيد من الهجمات.
ويقول البنتاغون إن الضربات أدت إلى تدمير المخزونات العسكرية للجماعة وجعلت المواقع غير صالحة للاستخدام.
لكن منتقدين يقولون إن رد الولايات المتحدة ضئيل مقارنة بالهجمات الستين التي طالتها والإصابات التي سجلتها قواتها “ويبدو أنه فشل في ردع تلك الجماعات” وفقهم.
على الرغم أن ما يقرب من نصف الهجمات كانت على قواعد أميركية في العراق، إلا أن الولايات المتحدة شنت غارات جوية انتقامية ضد مواقع في سوريا فقط.
ويدافع البنتاغون عن هذه القرارات بالقول إن الولايات المتحدة تضرب مواقع الحرس الثوري الإيراني، وهو ما له تأثير مباشر أكثر على طهران.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن الهدف هو الضغط على إيران لتأمر الميليشيات بوقف هجماتها.
ويقولون أيضا إن المواقع المستهدفة تم اختيارها لأنها مستودعات أسلحة ومراكز لوجستية تستخدمها الميليشيات المرتبطة بإيران، “وإخراجها عن الخدمة يؤدي إلى تآكل القدرات الهجومية للمتمردين”.
ومع ذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسية لتركيز الولايات المتحدة على سوريا هو أن الولايات المتحدة لا تريد المخاطرة بتنفير الحكومة العراقية من خلال توجيه ضربات داخل حدودها، ما قد يؤدي إلى مقتل أو جرح عراقيين.
وفي أوائل كانون الثاني 2020، شنت الولايات المتحدة غارة جوية في بغداد، ما أسفر عن مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، اللذان كانا على قائمة الإرهاب الأميركية.
وأدت تلك الهجمة إلى توتر علاقات واشنطن مع الحكومة العراقية وإلى مطالبات بانسحاب جميع القوات الأميركية من البلاد.
وتعتبر الولايات المتحدة وجودها في العراق أمرا حاسما في الحرب ضد تنظيم “داعش” وقدرتها على دعم القوات في سوريا ونفوذها المستمر في المنطقة.
لذلك، يعمل القادة العسكريون على استعادة العلاقات الجيدة مع بغداد، بما في ذلك تقديم الدعم المستمر للقوات العراقية.