ميزان قطر.. عربي! وثوابتها لن تقل اهمية عن وعد بلفور وسايكس بيكو../ كتب: وائل بحسون

يشهد لعظمة الاتحاد السوفياتي، ورجال استخباراته المخضرمين والمبعوثين من الماضي الى الحاضر، قوّة بصيرتهم وبُعد نظرهم السياسي… ومن الامثلة على ذلك ما عبّر عنه احد رجالاتهم المترجم بخارجية السوفيات من 1974 إلى 1979 والذي اصبح مندوب روسيا الاتحادية الدائم لدى الامم المتحدة، وممثلها لدى مجلس الامن الدولي في أبريل/نيسان 2006 (الى ان وافته المنية في شباط 2017) “فيتالي تشوركين” انه من دهاة السياسة والملقب بالدبلوماسي المايسترو بحسب مندوبة امريكا السابقة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور..  بإدراكه باكراً قوة دولة قطر وخطرها بالنسبة لهم على التدخل الاجنبي، لا سيما  الروسي في الشرق الاوسط عندما هدد وبحسب تسجيل بثته القناة الفرنسية 2 لحوار دار بينه وبين رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها انذاك حمد بن جاسم في شباط 2016، عندما وجه بن جاسم الكلام لمندوب روسيا قائلا:

 

  • أحذرك من اتخاذ اي فيتو بخصوص الأزمة في سورية، فعلى روسيا ان توافق القرار و إلا فانها ستخسر كل الدول العربية.

فكان الردّ الروسي على لسان تشوركين:

 

  • إذا عدت لتتكلم معي بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء إسمه قطر بعد اليوم، وانه أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث بإسم روسيا العظمى ومع الكبار فقط..

وما هذه النبرة الا اصدق تعبير عما هو دفين ،وما تكنه روسيا من غيظ تجاه قوة ودور دولة قطر الصاعد بنعومة…!

ضحكت دولة قطر في سرّها.. قائلةً ما هذا “الغندم” (مصطلح شعبي قطري يطلق على الشخص العابس الوجه) الذي يقال عنه سياسي محنك ومخضرم؟

ها هو لم يستطع ان يخبئ انزعاجه من قوتنا!

ولعبت اوراقها الناعمة انطلاقا
من مثل قطري شعبي:

 

  • الثوب ما ينشق بين عاقل ومجنون..!

فكانت عقلانيتها بترديد انه لا يبقى للخاسر والضعيف والمرتبك كروسيا او اي دولة اخرى سوى محاولة اللعب على تحطيم معنويات وارادة الطرف القوي..

اذاً،

روسيا العظمى التي قطّعت سورية الى دويلات، هددت دولة قطر التي تسعى الى لم شمل وعدم تمزيق الثوب، واحقاق الحق والحفاظ على التوازنات في المنطقة، كي لا تختل قواعد وأسس التطور والسلام المنشود للمستقبل.. مع شركائها الخليجيين والعرب في المنطقة لا سيما المملكة العربية السعودية..

  • وهذه البصيرة التي يتمتع بها اهل قطر لا تُعلَّم ولا تدرس..

  • انما هي جينات سياسية ورؤية منظمّة في القطريين!

لذا كانت خريطة عمل قطر: بيت بمنازل كثيرة..!

كالتالي:

اولاً: 1-

قناة الجزيرة الإخبارية عام 1996 التي استطاعت وبسرعة قياسية ان تحجز لها كرسي على طاولة الكبار ،وان يحسب حساب لثواني بثها وما يصدر عنها..

وثانياً:2-

لمن يربط بين الاخوان المسلمين وقطر ،كان جواب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في حوار مع صحيفة “لوبوان الفرنسية Le Point, في ايلول 2022:

“ليس لدنيا مثل هذه العلاقات”

ونفى أن تكون لقطر أي علاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، مؤكدا أن الدوحة تتعامل مع الدول والحكومات… وليس مع الأحزاب السياسية، كما نفى امير قطر تواجد أعضاء من تنظيم “الإخوان” أو أي عضو من التنظيمات التابعة له، في البلاد..

 وقال: “نحن دولة ولسنا حزبا، نتعامل مع الدول والحكومات الشرعية وليس مع التنظيمات السياسية”.

وأضاف:

“نحن بلد منفتح، شخصيات عديدة تحمل آراء مختلفة، تأتي إلينا وتذهب، لكننا دولة لا نتعامل مع الأحزاب

ثالثاً:3-

وتوكيداً لما ذكر اعلاه، نرى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية اتخذ الدوحة منفى او مقراً له، متابعاً تبعات عملية طوفان الاقصى بدل ان يتخذ طهران مركزا له..

لماذا؟

لان الاغتيالات في طهران يمكن ان تنفذ عن طريق عملاء الموساد، والارض مباحة هناك على العكس من الدوحة…

 

وهنا،

 

لا بد من التذكير ولسخرية القدر ان رئيس حكومة العدو الصهيوني انذاك كان بنيامين نتنياهو، وبعد عملية فدائية  في القدس في 30 تموز 1997 اسفرت عن قتيلين لحماس ومقتل 16 صهيونياً  وجرح المئات، اراد الانتقام من حركة حماس عبر الطلب من الموساد اغتيال خالد مشعل وموسى ابو مرزوق..

لكن،

الموساد حذر نتنياهو  من اغتيال ابو مرزوق المقيم في امريكا، و يحمل جنسيتها كون هذه العملية ستضرّ بالعلاقات الاسرائيلية الامريكية، فكانت عملية “سايروس” او ما يعرف بمحاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل ،يوم 25 ايلول في عمان، الاردن عبر ضربه على رأسه بعصا فيها دس السم في وضح النهار بحسب كتاب:

Kill Khaled

 للصحافي بول ماغوو..

  • (ولولا تهديد الملك الراحل حسين بقطع العلاقات مع العدو الصهيوني اذا لم يرسل نتنياهو العلاج لمشعل، لقتل مشعل في هذه الجريمة)

 

واليوم،

 

وعلى الرغم من وجود اسماعيل هنية ،وعلى مرأى وعلى بعد مسافة قريبة من  قاعدة العديد الجوية الامريكية، الحليف الاول والاقوى لاسرائيل وعلى مقربة من  مكان زيارة مدير الموساد، ديفيد برنيع،  لقطر، وناقش مع كبار المسؤولين القطريين مساعيهم لإطلاق سراح أكثر من 235  إسرائيليًا وأجنبيًا احتجزتهم حركة حماس رهائن، بعد عملية طوفان الاقصى في السابع من أكتوبر…

لم يستطيعوا الاقتراب منه..

وهنا ايضاً مكمن قوة قطر الناعمة..

وقطر بالاضافة الى كونها حاجة لجمهورية مصر العربية، في أداء دور هام حول ما يحكى عن مشاريع معدة لشبه جزيرة سيناء.. اصبحت محط انظار العالم اجمع انسانياً اولا،  وعلى كافة الصعد ولدورها الفعال والقوي في وضع حد لما يجري في الشرق الاوسط..

ولا ننسى العلاقة الوطيدة لطهران مع الدوحة…

انه الميزان،

وعلى مبدأ جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا تؤدي الدبلوماسية القطرية دورها..

رابعاً: 4-

لا بد من التذكير بشعار رفع في لبنان:  “شكراً قطر” لاعادة اعمار جنوب لبنان بعد العدوان الاسرائيلي عام 2006.. وبعد دلالاته الى يومنا الحالي…

خامساً: 5-

استضافت قطر اكبر حدث عالمي وشعبي ترفيهي، باتقان وتنظيم لا مثيل له مقدمةً للعالم الصورة الجميلة الحقيقية للعرب والمسلمين..

فها هي,

مثال يحتذى لصورة الاسلام، تماما كالصورة التي تقدمها المملكة العربية السعودية برؤيتها 2030 تحت قيادة الملك سلمان وولي العهد محمد..

ولا سيما بتبني حل الدولتين مع انتهاء القمة العربية الاسلامية التي انعقدت في الرياض الاسبوع الفائت بعد احداث غزة.. ليبرهن العرب والمسلمون للعالم اجمع، أنهم دعاة سلام وان الغرب لا يبادر في هذه المهمة..

  •  ولا بد من ذكر التنسيق بين الاخوة الخليجيين لا سيما المملكة العربية السعودية، بتوزيع الادوار كل بحسب اختصاصه وتحقيق الرؤية المشتركة والبناءة للعرب والمسلمين..

 

فكانت قطر أمنياً وسياسياً

والسعودية اقتصادياً.. وعلى مسيرة دونالد ترامب الملياردير ورجل الاعمال الذي اصبح رئيساً لامريكا على مبدأ لا حروب، بل اعمال وتقدم وتطور وغايتنا تبرر الوسيلة والامن والامان والسلام مع وللجميع!

ولان الاشقاء الخليجيين يعلمون أن يداً واحدة لا تصفق.. كان التعاون من قبل الجميع، مع امير قطر الشيخ تميم لمتابعة ملفات المنطقة الامنية والسياسية.

 

سادساً:6-

ومع تحول الرأي العام الاوروبي وخصوصًا الغربي الامريكي، ومع الكلام والاخبار الواردة من الولايات الامريكية عن ازدياد نسبة قراءة القرآن الكريم في امريكا لدرجة فقدانه من المكتبات والجوامع لاستكشاف الدين الاسلامي بعد احداث غزة، والهجوم الاسرائيلي المجنون والهمجي والغريزي على الناس العزل والمدنيين ورؤية الضحكة والتوجه بالشكر والحمد لله تعالى عل كل ما يحدث بعد كل مجزرة.. اصاب المجتمعات الغربية بالجنون والحيرة لقوّة الإيمان والرحمة التي تدخل الطمأنينة للقلوب مهما كانت ومهما قست الظروف..!

فلا بد من دولة اسلامية ذات فعالية ان تتنبه لما يجري للحفاظ على صورة الاسلام..

 

  • لان الخطورة تكمن في تحول المجتمعات بهذه السرعة الى اكتشاف الاسلام والقرآن دون الاعتماد على نعمة العقل في فهم اولاً كلام الله في معناه الصحيح وهذا ما قد يعتبر تحولًا خطيرا ،وقد يكون نشأة وموجة جديدة للتطرف..

لا بد للعالم الاسلامي وقطر والسعودية والكويت وباقي الدول العربية الاسلامية.. ان تضع يدها مسبقاً على هذه الظاهرة ،لا سيما في امريكا ومن افضل من قطر للعناية بهذا الموضوع مع الادارة الامريكية..

 

لذا سنجد قطر في كل مكان من:

غزة الى لبنان وسورية ومصر وايران واوروبا وامريكا..

فهي حاجة عالمية سياسية واسلامية وللرأي العام..

ولن تقل اهمية عن زمن وعد بلفور وسايكس بيكو ولكن بطريقة انسانية امنة ومتحضرة..

من جهة اخرى،

قطر تدرك ان امريكا الان تسلّف نتنياهو  الكثير، والصهاينة، والحكومة الاسرائيلية وهذا ما يدفع نتنياهو  للجنون انه يدرك ما تفعله امريكا بدهاء لا مثيل له، وهو يعلم انه وقع فريسة ومع مل صباح تشتدّ الأنياب عليه…!

 

واخيراً،

 

كلٌ لهُ الحق باستعمال وانشاء وتطوير ما يراه مناسبا له والشّاطر بشطاراته.. ويقال بالعامية: مشّ كل ما شفنا شجرة مثمرة رميناها بالحجارة..

وللدوحة أسلوبها وجاذبيتها وادواتها الناعمة…

والقوة جميلة وهي اجمل و sexier كما يقال كل ما تحكم بها العقل والحكمة فهذه هي قطر..

لقطر اصدقاء كثر، واصحاب همم ومهام مستحيلة.. اختارتهم في العناية المركزة وعلى سبيل المثال لا الحصر من وطننا الحبيب لبنان، اللواء عباس ابراهيم والعماد جوزيف عون والوزير امين سلام…

العالم مركب في بحرٍهائج… أتردونه من دون دفة؟.. قطر الدفة

نعم،

هذه هي قطر التي هددها الكرملين بالابادة عام 2016 وضحكت سراً…

 وصلت الى ما هي عليه اليوم..

ان يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اكتوبر 2022 وخلال لقائه أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في أستانا على هامش مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا “CICA”:

 

  • العلاقات بين قطر وروسيا تتطور بنجاح ولا يزال حجم تجارتنا صغيرا، لكنه يميل إلى الزيادة و “أريد أن أقول إنني سأكون سعيدا جدا برؤيتكم مرة أخرى، سنكون سعداء برؤيتكم في روسيا“…

انها القوة القطرية!

وائل بحسون

الشراع

waelbahsoun@gmail.com