تقدير موقف: مركز تقدم للسياسات
ارام محمد (موقع الصحافيون العرب )
الشراع 19 تشرين ثاني 2023
كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة ،والتي تدخل شهرها الثاني عن الانقسامات الكامنة في السياسة الأوروبية، فالانقسامات حول الموقف من استمرار الحرب بدأت بالأحزاب اليسارية او يسار الوسط، لكن التطورات الأخيرة تظهر تحولاً في مواقف أحزاب المركز او الوسط ،وزعماء سياسيين يمثلون اتجاهات سياسية مركزية مختلفة، خصوصاً في اسبانيا، فرنسا، كندا، إيرلندا والولايات المتحدة.
– في إسبانيا، يمثل رئيس الوزراء سانشيز أقوى صوت ناقد تجاه إسرائيل في أوروبا ،في الوقت الحالي، حيث يدعو إلى وضع حد لـ “القتل العشوائي للفلسطينيين في غزة”. ويشير المعلقون إلى أنه يستجيب لدعوة أحزاب يسارية وقوى اجتماعية، أكثر من الاستماع للأصوات داخل حزبه، والمقصود هنا حزب بوذيموس، الذي دعا الى إدانة علنية لا لبس فيها للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. والآن، بعد إعادة انتخابه، يعلن سانشيز الالتزام بالاعتراف بدولة فلسطين. ويأتي هذا في أعقاب دعوات مماثلة في إيرلندا وبلجيكا والنرويج؛ وقد أصدر البرلمان هذا الأسبوع بأغلبية كبيرة قرارًا “بالاستعداد للاعتراف” بفلسطين.
– تشهد فرنسا، الدولة المركزية في الاتحاد الأوروبي، توترات كبرى بشأن الموقف الفرنسي الداعم لإسرائيل وروايتها في الحرب الأخيرة، واضطرت الرئاسة الفرنسية ان تأخذ بالاعتبار ان لديها أكبر الجاليات المسلمة واليهودية في القارة ،الى التعبير العلني بلسان الرئيس ماكرون حين دعا إلى “وقف فوري لإطلاق النار” وهو موقف صادم لكل الذين تابعوا رد الفعل الفرنسي على الحرب منذ 7/10 بدعمه غير المحدود لإسرائيل، في حربها في قطاع غزة.
ثمة عامل اخر ضاغط على الرئيس ماكرون وحزبه الحاكم، في ان السياسي المنشق عن الحزب الاشتراكي ميلينشون، تحول الى ركن أساسي في المسرح السياسي الفرنسي حين تصدر التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين ووقف الحرب، والدعوة للبحث عن بدائل سياسية. هذا التحول الرسمي يشير إلى رغبة القيادة الفرنسية في إظهار الاهتمام بالجانب الإنساني للصراع. على الرغم من ان دعوات ماكرون لوقف إطلاق النار، ليس لها تأثير يذكر على سياسة الاتحاد الأوروبي، نظرا لموقف ألمانيا الثابت المؤيد لإسرائيل، لكن أهميتها تكمن في انها شجعت العديد من الدول الاوروبية الى التقدم خطوة باتجاه موقف يتجاوز الموقف التقليدي المتذيل للسياسة الأمريكية ،والداعي الى هدن انسانية مؤقتة.
– على الرغم من ان رئيس الحكومة الكندية ترودو لم يقل صراحة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، الا انه اضطر للخروج العلني في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء 15 ت٢/نوفمبر، وبلغة عاطفية، حث على إنهاء “قتل النساء والأطفال والرضع”، في قطاع غزة، ردًا على الأحداث في مستشفى الشفاء.
– لاحظ مراقبون، أنه كلما استمرت إسرائيل في الخروج عن حدود الموقف الأمريكي الحالي ،الذي تستطيع تحمله في المجال الإنساني، كلما زادت التخوفات، بان ذلك قد ينعكس على العلاقة بين البلدين بعد الحرب. ولهذا رضخ مجلس الحرب الوزاري الإسرائيلي، وصوت على قرار يسمح بدخول شاحنتي وقود يوميا إلى غزة – وهو تحول كبير بعد رفض نتنياهو المطلق لإرسال الوقود إلى القطاع في وقت سابق من الحرب ،وربط ذلك بالإفراج عن المحتجزين الاسرائيليين في غزة. وفي تبرير هذه الخطوة التي واجهت معارضة كبيرة من المتطرفين في الحكومة والشارع الإسرائيلي، قال المجلس في بيانه:بأن هذا يهدف إلى توسيع “مجال المناورة الدولي “. كما وانه يدلل على ان إسرائيل تحتاج إلى حلفاء عندما تنتهي الحرب ،وعلى وعي بالضغوط الدولية التي تتطور يوما بعد يوم.
– بينما يتحرك النقد المتصاعد للحرب في الدول الغربية من أقصى اليسار الى تيارات الوسط السياسية، فإن إسرائيل تخاطر بتحول النقد من مجرد كلمات إلى عقوبات اقتصادية ملموسة، وهو خطر حقيقي للغاية نظراً لحجم الأضرار التي لحقت باقتصادها بسبب الحرب.
– أخيرا، تشير الدعوات الصادرة عن إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا والنرويج بضرورة لاعتراف بالدولة الفلسطينية ،إلى أن نطاق الدعم لفلسطين بدأ يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الدعوة إلى وقف إطلاق النار. ومن الواضح أن زعماء العالم منشغلون بعواقب الحرب بقدر انشغالهم بالحرب نفسها، خصوصاً عندما يصبح الوضع في غزة غير قابل للإصلاح.
الشراع