كيف ستنعكس الهدنة في غزة على جبهة لبنان؟

مع إعلان دولة قطر نجاح جهود الوساطة المشتركة مع مصر والولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق على هدنة إنسانية في قطاع غزة تستمر لمدة 4 أيام قابلة للتمديد، تتجه الأنظار إلى الجبهة اللبنانية جنوبا والتي اندلعت فيها “حرب مصغرة” بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلية على طول الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويتقدم السؤال لبنانيا وإقليميا عن مصير هذه الجبهة التي استنزفت إسرائيل، ولعب فيها حزب الله دور الإسناد، كما يقول، للمقاومة الفلسطينية.

وقال مصدر في حزب الله للجزيرة إن “الحزب لم يكن جزءا من المفاوضات المتعلقة بالهدنة وتبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، وإن جنوب لبنان هو جبهة مساندة لقطاع غزة وتوقف القتال هناك سينسحب على لبنان، وأن حزب الله سيلتزم الهدنة التي أعلن عنها إذا التزمت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي”.

وأكد المصدر أن “أي تصعيد إسرائيلي في جنوب لبنان، أو في غزة خلال الهدنة سيقابله رد من حزب الله”.

 

 

المصير المحتمل
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي حسين أيوب أن الهدنة ستنعكس على الجبهة اللبنانية بوصفها جبهة إسناد وضغط، بغية فرض توقف الحرب على قطاع غزة.

“مجرد حصول الهدنة يعني انخفاض الضغط على الجبهة اللبنانية لأدنى منسوب له، وربما يتوقف كليا، بانتظار استئناف الحرب الإسرائيلية فور انتهاء الهدنة”، حسب قول أيوب للجزيرة نت.

ويتحدث عن معطيات حول وضوح حزب الله “بما أبلغه لبعض الوسطاء أن الإخلال بالهدنة بغزة سيجعله في حل من الهدنة شمالا، وأن أي استهداف للأراضي اللبنانية سيقابل حتما برد بمعزل عن اعتبارات الهدنة”.

بدوره، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي -مقرب من حزب الله- أن مصير الجبهة اللبنانية بيد إسرائيل، حيث إذا لم تبادر إلى إطلاق النار، ستُبرّد الهدنة جبهة الجنوب تلقائيا.

وتزامنا مع إعلان الهدنة، التقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ونائب ‏رئيس حركة حماس خليل الحية والقيادي بالحركة أسامة ‏حمدان، ووضع إطار “التأكيد على أهمية ‏مواصلة العمل والتنسيق حتى تحقيق ‏الانتصار الموعود”. كما يحط حاليا في بيروت وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان الذي يلتقي نصرالله ومسؤولين لبنانيين وفلسطينيين.

وهنا، يدرج وسيم بزي هذه اللقاءات، بإطار تنسيق مقاربة واحدة وشاملة لحرب غزة والجبهات المساندة. ويقول للجزيرة نت “هذه الحركة انعكاس لساعات حاسمة ما قبل الهدنة، ودليل، أن هناك إيقاعا متكاملا بين الجبهات التي تشكل فيها غزة رأس الحربة الأساسية”.

ويقول المتحدث إن الوساطة القطرية، تتكامل مع تواصل مستمر ومفتوح مع إيران ومع حزب الله أيضا.

أهداف الهدنة
وعليه، يجد وسيم بزي أن أول مشهد نتج عن اتفاق الهدنة، فشل إسرائيل بتحقيق أهدافها المعلنة لأسباب عديدة أبرزها:

عجز إسرائيل بالميدان الغزاوي من تحقيق الأهداف.
صلابة كتائب عز الدين القسام بالمواجهة والتصدي.
ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين.
دور الجبهة اللبنانية الإسنادي.
تصاعد الدور اليمني والعراقي في المواجهة ضد تل أبيب ومن خلفها واشنطن.
أما حسين أيوب، فيفصل ما حققته الهدنة من إنجازات بالآتي:

سياسيا، مجرد قبول إسرائيل بالهدنة، فهي تعترف بطرف تريد سحقه والقضاء عليه، وهذا أول إنجازات المقاومة الفلسطينية. وإسرائيل منذ اليوم الأول رفضت الاستجابة وطوال 45 يوما لكل المطالبين بهدنة، وبالتالي مجرد موافقتها على هدنة لا تريدها، وتخشى تداعياتها هو انتصار أيضا للمقاومة.
إسرائيل منذ اليوم الأول تعتبر أن موضوع الأسرى هامشي وغير أساسي، وأن الهدف هو القضاء على حماس، ووصل الأمر ببعض عتاة اليمين إلى تبني عقيدة “هانيبال” التي تنص على أن الجندي الميت أفضل من الجندي الأسير.
وبالتالي، قال بعضهم إن “حياة الأسرى ليست أغلى من حياة الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وبالمعارك طوال شهر ونصف الشهر.
الهدنة ستتيح للصحافة العالمية أن تتعرف على حجم المجازر الإسرائيلية وبعض فصول حرب الإبادة المخفية بقطاع غزة على مدى أيام الهدنة.
الهدنة ستتيح لأهل شمال غزة وجنوبها فرصة التقاط الأنفاس بعد حرب هي الأطول بتاريخ حروبهم مع إسرائيل، والمرشحة لأن تستمر لأشهر بعد انتهاء الهدنة.
تأمين حركة تنقل الأشخاص بين الشمال والجنوب ذهابا وإيابا من دون قدرة إسرائيل على التحكم بالممرات الآمنة في وسط القطاع.
تأكيد جرأة المقاومة بالإفراج عن الأسرى لديها، رغم ظروف الحصار والاعتبارات الأمنية التي تحيط بالمقاومين. انتقال المساعدات الدولية والعربية نحو شمال غزة للمرة الأولى والسماح بدخول المحروقات.
أهداف الجبهة اللبنانية
ومنذ بدء الحرب حتى إعلان ميعاد الهدنة، حققت الجبهة اللبنانية برأي وسيم بزي، أهدافا عدة، أبرزها أن حزب الله اختبر كيفية مواجهة إسرائيل بهذا العمق والأدوات التي طورها بعد حرب يوليو/تموز 2006.

من جانبه، يعتقد حسين أيوب أن أهم الأهداف التي حققها حزب الله، أنه جعل إسرائيل شمالا بحالة حرب بدل الإشغال، بعدما سقطت قواعد الاشتباك المعمول بها منذ 2006، ودفعت نحو قواعد جديدة لا أحد يستطيع التحكم بجغرافيتها من جنوب النهر إلى شماله وصولا إلى شمال سوريا وجنوبها.

ويقول أيوب إن “إسرائيل تستنزف بالقتلى والجرحى من جنودها وباستمرار نزوح نحو 70 ألف مستوطن من الشمال إلى الوسط، فضلا عن انتقال إسرائيل من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع، وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي الذي تكون فيه إسرائيل بهذا الموقع، وهذه النقطة بالغة الأهمية”.

ويضيف أن لدى لبنان أكثر من 100 كيلومتر من الناقورة حتى مزارع شبعا تتحرك فيها 3 فرق إسرائيلية مقاتلة، وليست من الاحتياط. إضافة إلى ذلك، أن “أعداد قتلى العدو بالشمال في تزايد كبير، وقد بلغ العدد نحو 27 قتيلا و136 جريحا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ‏في حين بلغ عدد الإصابات بالأيام العشرة الأخيرة وحدها نحو 50 إصابة بين قتيل ‏وجريح”.

‏ويضيف أيوب أن الجيش الإسرائيلي خسر حتى الآن في جبهة الشمال نحو 60% من قدرته الاستعلامية ‏والاستخباراتية بعد قيام المقاومة بالقصف المركز والمتتالي على مواقعه وتجهيزاته ‏الفنية والتقنية.

مصير الهدنة
وفي لبنان كما غزة، يتقدم السؤال عن اليوم التالي لانتهاء الهدنة، لأن مصير القطاع يحدد أيضا مصير الجبهة بين حزب الله وقوات الاحتلال.

لذا، يعتبر وسيم بزي أن الدخول بهدنة أولى، سيسحب زخم العملية الإسرائيلية، ويضرب سرديتها التي قامت على رفض التفاوض “مما يعني نزول إسرائيل، ومن خلفها واشنطن، عن الشجرة”.

ويقول “نحن أمام هدنة اختبارية قد تؤدي إلى هدنات أخرى، بعد إدراك الجميع أن إسرائيل عاجزة عن تحقيق أهدافها، مقابل استمرار المقاومة بخوض المواجهة عبر الدفاع والتصدي والصمود”.

يختلف معه حسين أيوب، مستبعدا أن تمهد الهدنة لوقف الحرب الإسرائيلية، ويخشى أن تكون “الجولة المقبلة أكثر تدميرا ووحشية من الجانب الإسرائيلي، بحيث يريد أن يقول للفلسطينيين أن التقاط الأنفاس بالهدنة سيدفعون ثمنه فور انتهائها بالمجازر والإبادة”.

المصدر : الجزيرة