وطني استقلّ وما زال حزيناً مذ استقلَّ..
كلمات صعبة لكنها الحقيقة المرة، فها هو حال لبنان وشعبه (دموع، أحزان، مجازر، أزمات).
ثمانية عقودٍ خلت على استقلاله، استقلال تمرّ ذكراه في 22 من تشرين الثاني من كل عام، على وقع عروض عسكرية ( كثيراً ما توقفت بسبب الاوضاع التي كانت استثنائية فصارت طبيعية !! ) وتهانٍ وتبريكاتٍ مرفقة بتطميناتٍ ووعودٍ بالحفاظ عليه سيداً حراً مستقلاً. تطمينات ووعود لم ترق إلى مرتبة الجدية، فلبنان المستقل عن فرنسا عام 1943، غدا بعد الاستقلال وحتى يومنا هذا مرتعاً لإستباحات الدول الصديقة والشقيقة وتدخلاتها، فضلاً عن اعتداءات العدو الصهيوني المتكررة منذ النكبة، والنكسة، فاجتياح لبنان، وعناقيد الغضب، والتحرير، وحرب تموز، وصولا إلى الحرب الدائرة اليوم في كلٍّ من لبنان وفلسطين، والتي خلّفت انتهاكات انسانية، ومجازر دموية، يبكي عليها القلب و يندى لها الجبين، وسط صمت دوليٍ تخترقه بعض الإدانات الخجولة ما ينذر بأن هناك ما هو مخطّط سلفاً لفلسطين ولبنان والمنطقة.
استقل لبنان فتوارثت حكمه حكومات فاشلة( هي نتيجة عملية لفشل السياسيين طيلة عقود ) ، وزعامات ملكية، توارثته جيلاً بعد جيل، وأحزاب فاشية وفاشلة عاثت فيه تنكيلاً وخراباً ودماراً.ركبتها عائلات او شخصيات
لبنان المعروف ومنذ منتصف الخمسينات بـ “سويسرا الشرق”، بات اليوم في مصاف الدول الاسوأ في العالم، بحسب تقرير دولي خلص إلى تصنيف بيروت في المرتبة 240 أي قبل الأخيرة بمرتبتين فقط، ضمن صفوف المدن الاسوأ بفعل النتائج المترتبة على تدهورٍ مشهودٍ في البيانات المقارنة للقدرة الشرائية وكلفة المعيشة ومعدل سعر المنزل كنسبةٍ من الدخل وذلك ربطا بالإنهيارات المتواصلة للعملة الوطنية.
وبالتوازي حافظت العاصمة اللبنانية على موقع الصدارة بين المدن العربية المشمولة في المسح الإستقصائي الخاص بمؤشر ارتفاع كلفة المعيشة لتحتل معها المرتبة 46 عالمياً.
بيروت التي اشتهرت أيضاً بكونها “مستشفى العرب” نظراً لتقدم القطاع الصحي فيها ومضاهاته لكبرى الدول، بالاضافة إلى الطاقم الطبي اللبناني المتميز في العالم. أصبحت اليوم تنوء بحملٍ ثقيلٍ وعجزٍ كبيرٍ بسبب هجرة أطبائها لا سيّما الإختصاصيين، إذ بلغت نسبة الأطباء الذين هاجروا رسمياً بعد الحصول على افادات من نقابتي الأطباء في بيروت وطرابلس من 25% الى 30% وهذا الرقم ليس نهائياً، إذ أن أبواب الهجرة ما زالت مفتوحة طالما الأسباب المؤدية إليها ما زالت قائمة بل في ازدياد، ما ينذر بانهيار هذا القطاع وبالتالي خسارة هذا اللقب.
أمّا التعليم والذي لطالما كان محطّ انظار اللبنانيين والعالم، حيث حقق لبنان من خلال جامعته الوطنية مراكزاً متقدمة عالمياً وعربياً ومحلياً، في خدمة البشرية، وكانت قد أعلنت الجامعة اللبنانية في بيان أنها صُنفت من بين الجامعات الـ 300 الأول عالمياً، والعاشرة عربياً، والثانية محلياً في تصنيف (مؤسسة التايمز العالمية للتعليم العالي لعام 2020) نجده اليوم يترنّح نتيجة الأزمات الصعبة التي يقاسيها تارة نتيجة الأوضاع الإقتصادية المزرية التي يرزح تحتها اللبنانيون لا سيّما أبناء الطبقة الفقيرة، وأخرى بسبب فضائح الفساد التي تُكشف هنا وهناك وآخرها ما يتعلق بتزوير عدد من الشهادات في الجامعة الاسلامية ممّا يؤدّي إلى فقدان الثقة بأحد أكثر القطاعات عراقةً في لبنان.
استقل لبنان عن الإنتداب الفرنسي، فانتدبه نصف العالم، “إحتلال واجتياح صهيوني، ووجود عسكري أجنبي لأكثر من دولة شقيقة وصديقة، وتدخلات في الشؤون الداخلية ، ونزوح ولجوء وسلاح متفلت و… كل هذا والسيادة بخير، فأي سيادة بقيت للبنان وأي حرية وأي استقلال؟
نعم استقل لبنان، واستقل قبله وبعده عشرات الدول التي تعد اليوم من أكثر الدول ازدهاراً وتطوراً ونمواً في العالم، بل بعضها بات يعدّ من الدول العظمى، إلا لبنان.. ما زالت تلاحقه لعنة الاستقلال.
الشيخ حسن حماده العاملي