مع ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين وتدهور الأوضاع في قطاع غزة، أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى انقسام حاد في الرأي العام الدولي.
كانت العديد من الدول داعمة لإسرائيل في البداية، في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من منطلق “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، لكن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة والهجوم البري لـ “القضاء” على حماس أثار انتقادات واسعة النطاق، ويبدو أن بعض الدول قد عدلت مواقفها من الحرب.
وفي قلب النقاش الدولي الحالي حول الصراع هناك قضية وقف إطلاق النار.
في 27 أكتوبر/تشرين الأول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة”، بين القوات الإسرائيلية ومقاتلي حماس.
وتم تبني القرار غير الملزم، الذي تقدم به الأردن، بأغلبية 120 صوتا مقابل 14 صوتا وامتناع 45 عن التصويت.
ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، قرار الأمم المتحدة بأنه “حقير”، في حين رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وقت لاحق الدعوات لوقف إطلاق النار، معتبرا أن وقف العمليات الآن سيكون بمثابة “استسلام” لحماس.
ومنذ ذلك الحين، صعّدت بعض الدول انتقاداتها لإسرائيل، واستدعت دول أخرى سفراءها أو قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وحتى الولايات المتحدة، التي صوتت ضد قرار وقف إطلاق النار، خففت من موقفها، إذ دعا الرئيس جو بايدن إلى “وقف مؤقت” للقتال.
وإليكم ما قاله العديد من دول العالم عن الحرب بين إسرائيل وحماس، وكيف صوتوا في الأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه هي آراء الحكومات، والتي قد تختلف بشكل كبير مع المشاعر الشعبية في بعض الدول.
أبرز ردود الفعل الغربية
وأكدت التصريحات الأولية للرئيس الأمريكي، جو بايدن، عقب هجمات حماس أن واشنطن تقف إلى جانب إسرائيل وأنها ستتأكد من أن “إسرائيل لديها ما تحتاجه لرعاية مواطنيها”.
ومع ذلك، دعا الرئيس بايدن، خلال إحدى فعاليات الحملة الانتخابية في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، إلى وقف مؤقت للصراع بعد أن واجهه أحد المعترضين الذين يطالبون بوقف إطلاق النار.
وقال البيت الأبيض في وقت لاحق إن أي توقف للقتال يجب أن يكون مؤقتا ومحدد المكان، رافضا دعوات الدول العربية ودول أخرى لوقف كامل لإطلاق النار.
وفي اليوم التالي، غادر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارة ثانية إلى تل أبيب للضغط من أجل وقف إنساني للحرب، ومناقشة خطوات ملموسة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة.
وقال بلينكن في تل أبيب بعد لقائه مع نتنياهو وغيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين: “الولايات المتحدة مقتنعة – وأعتقد أن هذه القناعة تعززت لدينا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول – بأن أفضل طريق، وربما حتى الطريق الوحيد.. هو دولتان لشعبين”.
كما أكد رئيسا وزراء كندا وبريطانيا على دعمهما لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، في ردود أفعالهما الأولية على الصراع. ومع ذلك، امتنعت الدولتان عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ونظم عشرات الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين مسيرات في وسط لندن، في الأسابيع الأخيرة، مطالبين بوقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأدان الاتحاد الأوروبي “بأشد العبارات الممكنة هجمات حماس”، مؤكدا تضامنه مع إسرائيل، لكن العديد من الأعضاء كشفوا عن اختلافات في الرأي بشأن أي وقف لإطلاق النار.
وامتنعت ألمانيا وإيطاليا، اللتان تدعمان “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، عن التصويت في الأمم المتحدة. وصوتت دول أخرى مثل إسبانيا وفرنسا لصالح القرار.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال في البداية إن فرنسا “ملتزمة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، غير موقفه قليلا، ربما نتيجة لارتفاع عدد القتلى المدنيين.
وكتب ماكرون على موقع إكس: “في غزة، يجب التمييز بين حماس والسكان المدنيين”.
“هناك حاجة إلى هدنة إنسانية لحماية الفئات الأكثر ضعفا، والسماح باتخاذ إجراءات أفضل ضد الإرهابيين”.
الشرق الأوسط
صوتت معظم دول الشرق الأوسط لصالح قرار الأمم المتحدة، وأدان العديد منها بشدة العملية العسكرية الإسرائيلية.
وأدانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، اللتان قامتا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات أبراهام، في البداية هجمات حماس.
لكن البحرين سحبت سفيرها من إسرائيل الأسبوع الماضي، وغادر السفير الإسرائيلي في المنامة المملكة.
كما استدعى الأردن سفيره في إسرائيل، متهما إياها بالتسبب في “كارثة إنسانية غير مسبوقة”.
ودعت المملكة العربية السعودية، التي تجري محادثات منذ أشهر مع إسرائيل حول اتفاق تطبيع محتمل ولكنها ليست جزءا من اتفاقيات أبراهام، إلى وضع حد فوري للعنف ولم تدن حماس صراحة.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول، أدان وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت ومصر والمغرب “استهداف المدنيين وانتهاكات القانون الدولي في غزة”.
وقال بيانهم المشترك إن الحق في الدفاع عن النفس لا يبرر خرق القانون وإهمال حقوق الفلسطينيين.
وفي الأسبوع الماضي، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الدول الإسلامية إلى قطع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، ووقف صادرات النفط والغذاء إليها.
وهنأ خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي حماس بعد هجومها على إسرائيل، وأشادا بالمسلحين على “شجاعتهم ومقاومتهم ومبادرتهم”. ونفت إيران أي تورط لها في الهجمات.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حاول في البداية استخدام لهجة وساطة في الحرب، شدد خطابه بعد الانفجار الذي استهدف المستشفى الأهلي العربي في غزة (المستشفى المعمداني) في 17 أكتوبر/ تشرين الأول.
وتبادل الفلسطينيون وإسرائيل الاتهامات حول سبب الانفجار المدمر، وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن 500 شخص على الأقل قتلوا فيه.
وفي تجمع كبير مؤيد للفلسطينيين في إسطنبول يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول، قال أردوغان إن تركيا تستعد لإعلان إسرائيل “مجرمة حرب”.
وقالت وزارة الخارجية التركية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني إنها استدعت سفيرها من تل أبيب وسط استمرار الحرب، واتهمت إسرائيل “بعدم قبول دعوات وقف إطلاق النار، ومواصلة الهجمات ضد المدنيين، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر” إلى غزة.
وعلى النقيض من العديد من حلفائها في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فإن تركيا لا تعتبر حماس منظمة إرهابية وتستضيف أعضاءها. وقد أشار الرئيس أردوغان مؤخرا إلى حماس على أنها “حركة تحرر تقاتل من أجل حماية الأراضي الفلسطينية”.
وصوتت تركيا لصالح قرار الأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
والدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي امتنعت عن التصويت هي العراق.
ولم تصوت أي دولة في الشرق الأوسط ضد القرار، باستثناء إسرائيل.
روسيا
التزم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الصمت خلال الأيام القليلة الأولى في أعقاب هجمات حماس على إسرائيل، وكانت تعليقاته الأولية بمثابة انتقاد للولايات المتحدة بدلا من ذلك، مشيرا إلى أن ما حدث أظهر “فشل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
وبعد أسبوع من بدء الصراع، صرح بوتين بأن “إسرائيل تعرضت لهجوم غير مسبوق في قسوته من قبل مسلحي حماس”، لكنها ترد بأساليب قاسية خاصة بها.
ولم يقدم الكرملين تعازيه لإسرائيل ولم يدن حماس – بل استضافت روسيا وفدا من حماس في موسكو في 26 أكتوبر/تشرين الأول لمناقشة إطلاق سراح الرهائن، بمن في ذلك المواطنون الروس.
واستخدمت روسيا، إلى جانب الصين، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار رعته الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في حين فشل القرار الثاني الذي دعمته روسيا في الحصول على العدد الكافي من الأصوات المؤيدة.
وصوتت روسيا لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى هدنة إنسانية، في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
آسيا
صوتت كل دول آسيا تقريبا لصالح الهدنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ودعت الصين، التي تحاول تقديم نفسها كوسيط للسلام في الشرق الأوسط “الأطراف المعنية إلى التزام الهدوء وضبط النفس وإنهاء الأعمال العدائية على الفور لحماية المدنيين”، وذلك في بيان أولي عقب هجمات حماس.
وقالت وزارة الخارجية الصينية إن “الطريق للخروج من الصراع يكمن في تنفيذ حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة”.
وبعد أسبوع من النزاع، قال وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” إن تصرفات إسرائيل في غزة “تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس”، وإن على الحكومة الإسرائيلية “وقف عقابها الجماعي لشعب غزة”.
وكانت الهند إحدى الدول التي امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة.
في السنوات الأولى من استقلالها، كانت للهند علاقات وثيقة مع الفلسطينيين، وكانت السياسة الرسمية هي دعم حل الدولتين.
ولكن منذ وصول حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي اليمينية إلى السلطة، عززت الهند بشكل متزايد علاقاتها مع إسرائيل.
وفي بيانه الأولي عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، قال مودي: “إن شعب الهند يقف بحزم إلى جانب إسرائيل في هذه الساعة الصعبة. الهند تدين بشدة وبشكل لا لبس فيه الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”.
وتبنت باكستان، التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، لهجة محسوبة في البداية حيث دعا الرئيس عارف علوي إلى “أقصى قدر من ضبط النفس لمنع المزيد من إراقة الدماء والخسائر في الأرواح البشرية”.
وكتب على موقع إكس: “الوضع يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار”.
ومع ذلك، ففي أعقاب قصف مخيم جباليا للاجئين في غزة في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، أصبح موقف باكستان أكثر تشددا، حيث أدانت وزارة الخارجية ما سمته “الهجوم الهمجي الإسرائيلي”.
أفريقيا
أصدر الاتحاد الأفريقي، الذي يضم 55 دولة عضوا، بيانا في 7 تشرين الأول/أكتوبر دعما لفلسطين.
وأضاف أن “إنكار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وخاصة حقه في دولة مستقلة ذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوتر الإسرائيلي الفلسطيني الدائم”.
وقال رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إن حكومته لا تعتبر حماس منظمة إرهابية ومستعدة لتقديم الدعم الكامل لها.
وعلى الرغم من إعلان تونس تضامنها “الكامل وغير المشروط” مع الشعب الفلسطيني، في بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، إلا أنها امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة.
جاء ذلك على الرغم من إدانة الرئيس التونسي قيس سعيد “الصمت الدولي” إزاء “الإبادة الجماعية”، التي قال إن إسرائيل ترتكبها.
ويناقش البرلمان التونسي حاليا مشروع قانون يجرم الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات مباشرة أو غير مباشرة معها.
والدول الأفريقية الأخرى التي امتنعت عن التصويت هي الكاميرون وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا.
ولم ترفض أي دولة أفريقية القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر/تشرين الأول.
أمريكا اللاتينية
صوتت معظم دول أمريكا اللاتينية لصالح قرار الأمم المتحدة.
وفي الأسبوع الماضي، أصبحت بوليفيا أول دولة في أمريكا اللاتينية تقطع علاقاتها مع إسرائيل منذ بدء غاراتها على غزة، حيث وصفت الحكومة الهجمات الإسرائيلية على غزة بأنها “عدوانية وغير متناسبة”.
وردت إسرائيل بانتقادات شديدة لخطوة بوليفيا، ووصفتها بأنها “استسلام للإرهاب”.
واستدعت دولتان أخريان في أمريكا اللاتينية، هما كولومبيا وتشيلي، سفراءهما بسبب الأزمة الإنسانية المتصاعدة في غزة.
وقالت تشيلي، التي تضم أكبر عدد من السكان الفلسطينيين خارج العالم العربي، إنها اتخذت هذا الإجراء احتجاجا على “الانتهاكات الإسرائيلية غير المقبولة للقانون الدولي الإنساني”.
وانتقدت كولومبيا بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة منذ بداية الحرب. وقال الرئيس غوستابو بيترو، مهددا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل: “نحن لا نؤيد الإبادة الجماعية”.
ورغم أن الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، أدان في مستهل الأمر هجمات حماس ضد المدنيين في إسرائيل، ودعا إلى إطلاق سراح جميع الرهائن فوراً، إلا أنه انتقد بشدة في بيان صدر مؤخراً التوغل الإسرائيلي في غزة.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، قال لولا دا سيلفا: “ما يحدث ليس حرباً. إنها إبادة جماعية أدت إلى مقتل ما يقرب من 2000 طفل لا علاقة لهم بهذه الحرب. إنهم ضحايا هذه الحرب”.
وكانت باراغواي وغواتيمالا الدولتين الوحيدتين في أمريكا الجنوبية أو الوسطى اللتين صوتتا ضد قرار الأمم المتحدة.