هدنة مذلة؟ لكن لا بد منها! / بقلم حسن صبرا

وفق ما قرأنا من تفاصيل عن الهدنة بين العدو الصهيوني وحركة حماس ، فإنها مذلة ولا ترقى الى اي طموح سياسي ، مقارنة بزلزال 7 تشرين اول الماضي ،ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل حجم التضحيات الفلسطينية غير المسبوقة .. نتيجة همجية صهيونية غير مسبوقة، وصمت عربي غير مسبوق ، وتواطؤ غربي غير مسبوق وتسهيل روسي غير مسبوق ..ودعونا هنا نذكر ان مجرم الحرب فلاديمير بوتين ، لاحق المعارضات السورية في ادلب بالقصف الجوي الذي لم يتوقف طيلة تصعيد العدوان الصهيوني على قطاع غزة ، لمنعها من ارسال صواريخها ضد العدو الصهيوني ، وان المنافق رجب طيب اردوغان ، فرض حصاراً آخر على هذه المعارضات بالإتفاق مع بوتين للغرض نفسه .( هذا اذا اردنا ان نحسب حساب آل الاسد الذين يتوارون خلف المنع الروسي الحاسم ، كي يبرروا تخاذلهم التاريخي في مواجهة العدو الصهيوني)
لا احد يستطيع المزايدة على حماس ،ولا على بطولة مقاتليها وانهار دماء الغزاويين ، ودمار لم يتوقف في بيوتهم ، ومصالحهم ومستشفياتهم ، وكل ما يملكون ، ولعلنا نجزم ان مأساتهم كمهجرين وعطاشى وجائعين ، ما عاد لديهم الوقت لدفن قتلاهم ، ولا المكان لتوريتهم التراب …هي عار على جبين العالم كله ،والغرب في مطلعه واخلاقه في اسفله وضمائر قادته معدومة ، كما هو معدوم الاحساس عند مسؤولين عرب ومسلمين ، استعصى الدمع عند بعضهم كما الاخلاق كما الدين ، وهم صم بكم عمي لا يفقهون لا يشعرون ، والضرب في الميت حرام !!
كل هذا لا يمنعنا ، بل يجعلنا نفهم ونستوعب ما تضمنه هذا الاتفاق المذل ، مبدين الملاحظات الجوهرية التالية :
١-ينص اتفاق الهدنة على السماح لمن تبقى من ابناء غزة في الشمال بالتوجه “الآمن ” نحو الجنوب ، ولم يذكر حق ابناء الشمال الذين هجروا الى الجنوب ، بالعودة الى بيوتهم في الشمال ، وهي دعوة رسمية في اتفاق مكتوب لإفراغ الشمال من اهله الفلسطينيين ، بهدف صهيوني بحت وهو جرف ركام المباني وهي بالآلاف لإحضار مستوطنين صهاينة لاقطاعهم هذا الشمال ، بإعادة بناء مستعمرات جديدة، وتأمين مستعمرات ما بان يعرف باسم غلاف غزة .. ومن يعتقد بأن العدو الصهيوني سينشىء منطقة عازلة مخطىء لأنه سيملاً المنطقة كلها بالمستعمرات ، وهو مصمم في خطوة لاحقة على مشروعه بالتهجير الكامل ، وفي حده الادنى احضار قوات عربية او دولية لتفصل بين ما تبقى من الجنوب وبين الشمال الذي سيلحق بفلسطين المحتلة عام 1948.
وتطهير شمال قطاع غزة هو هدف معلن ولن يعيد إليه العدو اي مواطن فلسطيني وقد اصبح غير قابل ، للعيش ، الا للصهاينة كما ورد اعلاه.
٣- لا شك بأن مسألة الاسرى الصهاينة ، هي بيت القصيد عند مجرم الحرب نتنياهو ، وهي في الوقت نفسه الورقة الرابحة بين يدي حركة حماس ، وقد نجح نتنياهو حتى الآن ، في افراغ الورقة هذه من اليد الحمساوية ! كيف ؟
مقارنة بصفقة تسليم الجندي الصهيوني جلعاد شاليط ، من حماس الى الصهاينة اخرجت حركة حماس اكثر من الف اسير فلسطيني من سجون العدو ، لكن الصفقة اليوم تتحدث عن 3مقابل 1, اي ان النسبة هبطت من اكثر من الف اسير فلسطيني الى ثلاثة فقط .
ودعونا نلفت الى ان الهم الاميركي الذي فرض على نتنياهو الصفقة ، هو هم الاميركيين الموجودين عند حماس ، وما نجحت حماس في رفع السعر مع الاميركيين ، الذين لا يتخلون عن مواطنيهم مهما كان الثمن
والاكثر مأساة ان العرب الاميركيين ، لم يحركوا ساكناً في اميركا ، للفت الرأي العام ، ليس لدفعها نحو تخفيف تطرف قيادتها في دعم العدو الصهيوني فقط ، بل للمطالبة بتحرير هؤلاء الاسرى لدى حماس ، وما كانوا ابداً قضية رأي عام ، ولم يأت احد على ذكرهم …وهذا فشل تقليدي مستمر في توفير اي دعم لأي قضية عربية في اميركا
٤- الحديث عن وقف تحليق الطيران الحربي الصهيوني فوق القطاع لا يعني شيئا ، لأن الدنيا كلها تعرف ، ان ما تملكه اميركا من وسائل معرفة من الجو ومن البر ومن البحر ،وعبر الجواسيس سيوفر للعدو كل ما يحتاجه من معلومات عن دبيب النمل في غزة وما حولها .
٥- الهم السياسي الاول لاميركا ، والصهاينة ودول عربية عديدة ، هو الخلاص من حماس ، وتسليم الامور في قطاع غزة الى السلطة الوطنية الفلسطينية .. وهو مشروع اقتتال فلسطيني سيورط دولاً عربية خليجية بالدرجة الاولى ، ستنحاز الى الاطراف الفلسطينية المتصارعة حتماً .
ماذا بعد؟
على الرغم من كل هذا ، فإنه لا بد من هدنة ، لحقن دماء اكثر من مليوني انسان فلسطيني ، وليأخذوا نفساً في ظل مأساة لم يمر بها مسبقاً الا الشعب السوري تحت سلطة آل الاسد .. وما تزال .
كما من حق الابطال الفلسطينيين المقاومين الذين سجلوا مفخرة غير مسبوقة في مقارعة العدو الهمجي ، ان يلتقطوا انفاسهم في قتال مستمر منذ شهر ونصف حتى الآن ، ومن دون توقف في الليل وفي النهار … في وقت تبدلت فيه الوحدات الصهيونية المقاتلة اكثر من اثني عشر مرة ، خلال المدة نفسها
ثم انه لا بد من اعطاء الحركة السياسية فرصة التحرك على مستويين :
١- مستوى الداخل الصهيوني ، وهي اللحظة التي ينتظرها خصوم نتنياهو الكثر ، لبحاسبوه على لحظة زلزال 7 تشرين اول ، واستعادة ماضيه الشخصي الذي قد يقود فيه بممارساته نحو السجن
٢- مستوى التحرك الدولي والعربي لترجمة ما افرزته صحوة العالم الى اصل المشكلة ، التي نجح العرب وقتال المقاومة في فلسطين ولبنان ، في اعادة بث الروح فيها ، وهي حق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس
الشراع