والحَقلُ إِمَّا ذَوَى! بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

مَرَّت إِزائِي فَأَلفَيتُ الشَّذا ثارا،                  وثارَ بِي خَفقانٌ خِلتُهُ نارا
وماجَ لَحْظِيَ حَتَّى كِدتُ، مِنْ عَجَبِي،          أَنْ أَحسَبَ الكَوْنَ بُركانًا وإِعصارا
ثُمَّ اختَفَت كَوَمِيضٍ شَعَّ بارِقَةً،                 كَرَنَّةٍ هَجَرَت عُوْدًا وأَوتارا
فَبِتُّ كَالمَرْجِ، جافاهُ الصُّداحُ، ولا                 تُؤْوِي  مَغانِيهِ أَعشاشًا وأَطيارا
أَيُصبِحُ الطِّيْب، يا رَبَّاهُ، عاصِفَةً،             فِيها غَدَت مَنْعَتِي، والكِبْرَ، آثارا؟!
وهل سَهَوتُ، وأَضحَى واقِعِي حُلُمًا،             أَعِيشُ رُؤْياه آمالًا وأَفكارا؟!
هل عُدْتُ غِرًّا وعُمرِي جازَ مُعظَمُهُ،          والدَّهرُ أَبقَى لِسَيرِي النَّزْرَ مِقدارا؟!
بَلَى… هو القَلبُ يَغدُو كُلَّما عَبَرَت              بِهِ المَحاسِنُ مَبهُورًا ومُحتارا
ويَترُكُ الحِسَّ والأَوصالَ حائِرَةً،                تَعِيشُ مُرَّ الهَوَى كَرًّا وإِدبارا!
***
مِنْ قَبلِ أَنْ جِئْتِنِي كُنتِ الخَيالَ، وكَم            حَبا خَيالِيَ بِالأَفكار أَبْكارا
وكُنتِ، في خاطِرِي، وَحْيًا، وقافِيَةً،              ورَنَّةً، وغِوَى حُسْنٍ، ومِزمارا
حَتَّى بَدَوتِ فَباتَ الحُلْمُ ساحِرَةً،               إِمَّا  تَسِرْ، في شَرايِينِي الهَوَى سارا
تَمشِي على قَدَمَيها كَالنَّسِيمِ سَرَى،            فَيَندَرِي الشَّوقُ في الأَضلاعِ تَيَّارا
يا صَبْوَةَ النَّفسِ لَم تَخْمَدْ على زَمَنٍ            شابَت لَيالِيهِ مِ الأَرزاءِ وانهارا
أَنتِ الحِكايَةُ كَم فِيها نَسَجتُ عُرًى            مِ الوَهْمِ، والوَهْمُ باتَ الأُنسَ والدَّارا
إِنْ ماتَ وَهْمِيَ يَبْقَ الغَمُّ يَأكُلُنِي،              والعُمْرُ يُصبِحُ بَلبالًا وأَكدارا
أَعِيشُهُ غَفْلَةً في غُربَتِي، ومُنًى،               تَحدُو رِكابِي، وباتَ العُمْرُ أَسفارا
وغُربَتِي بَينَ قَومِي، أَو بِصُحبَةِ مَن              يَأتِيكَ لِلأُنسِ إِذ تَلقاهُ ثَرثارا
فَالعَيشُ أَضحَى مُراءَاةً، على خَتَلٍ،          والجارُ يُبدِي وَدادًا حَيثُ قد جارا
وخَيرُ أُنْسٍ غَدا لِي طَيَّ مَكتَبَتِي،             بَينَ الصَّحائِفِ، أَجلُو البَدْعَ مُختارا

ولَم يَعُدْ غَيرُ قِرطاسِي ومَحبَرَتِي،     ــــــــــــ      والوَهْمِ، والحَرْفِ أَبنِي مِنهُ أَشعارا!

***

وَعُدتُ مِنْ سَهوَتِي، والسِّحْرُ شَتَّتَنِي،           سِحْرُ الرُّواءِ الَّذي إِذْ حَلَّ قد طارا

زارَ الشَّقِيَّ كَما لَمْحٌ، وفارَقَهُ،                  فَحَلَّ في الصَّدْرِ مِنهُ الوَجْدُ إِذ زارا

ما لِلرُّواءِ نَأَى عَنَّا فَخَلَّفَ، في                 صَدْرٍ تَصَدَّعَ، آهاتٍ وأَوزارا
وباتَ مُضْنَى الهُيامِ الغَضِّ مُنطَوِيًا            على اللَّظَى، ويُوارِي التَّوْقَ أَغمارا
هِيَ الحَياةُ، فَلا تَسأَلْ… مَتَى حَفلت           بِمُدْنَفٍ، أَو حَبَتْ رِفْقًا وأَعذارا؟!
فَعِشْ زَمانَكَ واقْنَعْ بِالَّذي وَهَبَت،               وَعِشْ لَيالِي الهَوَى الحَنَّانِ تَذكارا
فَفِي النَّجاوَى رَحِيقٌ كَالَّذي حَمَلَت           خُمُورُ دَيْرٍ، غَفَتْ في الدَّيْرِ أَعصارا
وفي رَبِيعِ الصِّبا دَلٌّ يُهَدهِدُنا،               فَإِنْ تَوَلَّى غَدا لِلقَلبِ أَسرارا
هِيَ المَؤُونَةُ في التَّرحال، إِنْ نَضَبَت           باتَ البَقاءُ عَسِيرَ الوَقْعِ قَهَّارا
فَالحَقلُ إِمَّا ذَوَى يَبقَى العَبِيرُ لَنا،               يُعِيدُ لِلبالِ، مِن ماضِيهِ، أَزهارا!