رُؤْيَا مُنَبِّهَةٌ تَجَلَّتْ لي كما
لو أنَّني في واقِعٍ لا في خَيال
فيها حَوادِثُ روَّعَتْ لي خاطِري
وتقولُ : إبْنُكِ صارَ في خطَرِ الزَّوال
أنا في حِمَى حامِيَّ كنتُ منيعَةً
لا يَجروءُ المَكروهُ مِنِّي أنْ يَطَال
فَهَبَبْتُ في عَجَلٍ رَهِيْبٍ جارِفٍ
أستطلعُ الأخبَارَ في همِّ السؤال
رَجلٌ مُريبٌ قال أنْ أتْبَعُهُ
لِيُرِينِيَ ابني ضِمْنَ أنفاقِ المُحال
وَدَخَلتُ سِرداباً عَصِيّاً مُظلِماً
وأنا وراهُ أستَعيذُ مِنَ الوِجَال
كُلُّ المكانِ نَتَانَةٌ وَتَشَوُّهٌ
وكأنَّهُ قَبرُ القبورِ بِلا جِدال
وَتَفَتَّحَتْ مِثلُ الصَّناديقِ الّتي
ضاقَتْ بِظُلْمَتِها فَمْا مِنها ارتِحال
ثُمَّ انتهَتْ في فتحِ صُنْدوقٍ حَوى
قَرَفاً يُقَزِّزُ عِبْرَ شخصٍ لا يُقال
عَنْهُ سِوى أنَّ البشاعَةَ جُمِّعَتْ
فيهِ فكانَ كأنَّهُ المِسْخُ المِثال
وَالأغْرَبُ الأَدْهى سَمِعْتُهُ قائلاً
“هذا هوَ ابنُكِ أُنظُرِي كيفَ اسْتَحال”
” لا. لَيسَ إبني. وَجْهُ وحشٍ مِلؤُهُ
إبني جَميلٌ مِلءُ مَبْسَمِهِ الدَلال
فَأجابَني : ” كانَ الجَميلَ، وَإنَّما
صارَ المُجَرَّدَ مِنْ جَمالٍ وخِصال ”
قرَّرْتُ هَجْرَ مَساخِرِ النَّفَقِ اللَّعينْ
مَذعورةً مِنْ كُلِّ نَقْصٍ في الكَمال
وَارتَدَّ صَوتٌ مِنْ رُبى قُدسيَّةٍ :
ضُعفُ العَواطِفِ هَدَّ راسِيَةَ الجِبال
لَيسَ الرَّجاءُ مع العواطِفِ إنَّما
كُلُّ الرّجاءْ بِمَنْ عَلَيْهِ الإِتِّكال
لِمْ لَمْ تَظلّي في مَجالِ حِمايَتي
وَصَحَوْتُ مِن رؤيايَ، فَجْراً، والعُيونْ
ملأَى بِدَمْعٍ بالمخاطِرِ يَزْخَرُ
أَيْقَنْتُ أنَّ الله حَضَرَنِي لِكيْ
أرضَى بأمرٍ لِلمَصيرِ يُحَضَّرُ
صَلَّيْتُ مِن قَلبي … سَجَدتُ لِخالِقي
وَرَجَوْتُهُ إبنِي الوَحيدَ يُحَرِّرُ
مِنْ قَيْدِ أَشْرارٍ فَسارَ بأمرِهِم
في هاوِياتِ ضَياعِ وَهْمٍ يَأسُرُ
فَيُعيدُهُ لِمَعينِ إيمانٍ بهِ
بِحِمايَةٍ مِن عَطِفِهِ يَتَأَزَّرُ
وَتَمُرُّ أَيَّامٌ على تِلكَ الرُّؤَى
وَتَواتُرُ الأَحداثِ لا يَتَغَيَّرُ
فالصَّوْتُ نَبَّهَنِي لِشَرٍ حاصِلٍ
وَتَطابَقَتْ رؤياهُ معَ ما يُنْذِرُ
قد غَيَّرَ الشِّرِّيرُ إبني لم أَعُدْ
أَعرِفُهُ … ضَاعَ … وَضَاعَ حُلمٌ مُزهِرُ
وَفَهِمْتُ مِنْ هَذِي الرّؤَى أنْ قَصْدُهُ
الشِّرِّيرُ في حَربٍ مَعي يَنتَصِرُ
بابني يُحَارِبُنِي لِعجزٍ ظَاهِرٍ
عَنْ قَهْرِ مَنْ إيمانُها لا يُقهَرُ
رَبِّي فَهِمْتُ بَهاءَ رؤياكَ الّتي
أَوْحَتْ إلَيَّ بِأَنَّ عُمريَ يُنذَرُ كي لا أُحِبَّ سِواكَ
لا أَهْلاً ولا مُلكاً، فَوَحْدَكَ مَنْ فُؤَادِيَ يَأسُرُ