الوضع العسكري في بلاد الشام عشية معركة اليرموك / كتب: عبد الهادي محيسن …

كانت قوات الروم في بلاد الشام عشية دخول المسلمين الى هذه البلاد تبلغ نحو ثلاثماية ألف جندي موزعين على جيشين الأول في فلسطين وعديده ماية ألف بقيادة سرجيوس والثاني في باقي بلاد الشام وعديده مايتا ألف بقيادة تيودور أخي هرقل وكانت القيادة العامة للجيشين في مدينة انطاكية وقد تمركزت هذه القوات في جميع أنحاء البلاد في مواقع وحصون أنشئت خصيصا لذلك وفقا لإسترتيجية دفاعية محكمة .

كانت الجيوش الرومية في بلاد الشام مجهزة بأحدث الأسلحة المعروفة في ذلك العصر وتتبع أحدث الأساليب القتالية ، كما كانت من أقوى جيوش ذلك العصر عدة وسلاحا وآلات حرب ووسائل انتقال واتصال يضاف الى ذلك أنها تحارب في مواقعها وحصونها على أرض تعرفها تماما ، إلا أن الجندي الرومي كان بعكس المقاتل المسلم بطيء الحركة كثير الأحمال والأثقال يصلح للدفاع أكثر منه للهجوم .

كان مجموع القوات الإسلامية التي دخلت بلاد الشام لفتحها نحو ستة وأربعين ألف مقاتل منهم عشرة آلاف فارس ولم تكن القوات الإسلامية تتمتع بما تتمتع به القوات الرومية من تفوق سواء من حيث العدد أوالعدة أوالسلاح أو وسائل الدفاع والانتقال والاتصال والتموين وأن المقاتل المسلم كان يقاتل على أرض غير أرضه ومناخ يختلف عن المناخ الصحراوي .

إلا أنه كان بعكس المقاتل الرومي سريع الحركة خفيف الأحمال والأثقال يصلح للهجوم أكثر منه للدفاع ينتقل بسرعة من جبهة الى أخرى ، ما أن استقر قادة الفرق الإسلامية في بلاد الشام واكتشفوا خطة الروم لمواجهتهم حتى وضعوا خطة معاكسة تتلخص بما يلي : الجلاء بأقصى سرعة عن المواقع المتقدمة التي احتلوها والتجمع في بصرى وقد اجتمعت قادة الفرق الثلاث يزيد بن معاوية وشرحبيل بن حسنة وأبوعبيدة بن الجراح واتصلوا بعمر بن العاص في فلسطين ليتم التشاور والإعداد للمرحلة المقبلة .

كتب الخليفة أبو بكر لخالد بن الوليد الذي أبلى بلاء حسنا في جبهة العراق وأمره بالتوجه بنصف جيشه للإنضمام الى زملاءه في الشام فتوجه بعشرة آلاف مقاتل من العراق الى الشام في مسيرة شاقة استمرت زهاء 18 يوما قطع خلالها المسافة بين الحيرة والبصرة بما يشبه المعجزة ، واجتمع خالد فور وصوله الى بصرى بقادة الفرق الثلاث وتدارس معهم الموقف من كافة جوانبه .

كتب خالد الى عمرو بن العاص يطلب إليه أن يشاغل جيش سرجيوس في فلسطين ريثما يسرع لنجدته وينضم إليه مع الفرق الثلاث ويخوضون معا معركة حاسمة ضد سرجيوس حتى إذا انتهوا منه يفرغون لقتال جيش الروم الأساسي بقيادة تيودور وكان اللقاء في أجنادين حيث خاض المسلمون مجتمعين معركة حاسمة في فلسطين ضد جيش سرجيوس فهزموه وانطلقوا جميعا بقيادة خالد الى اليرموك .

وصل خالد بجيشه الى سهل اليرموك فوجد الروم قد تمركزوا فيه فنزل عليهم بجانبهم على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم وقال عمرو بن العاص أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم ، ثم انتقل بناء لتوجيهات خالد فسد على الروم منفذهم الوحيد الذي كان عليهم أن ينفذوا منه شمالا ثم أن خالد تمركز بجيشه قبالة الروم على الضفة الشمالية لنهر اليرموك .

وكما ذكرنا فقد كان جيش الروم مؤلفا من 240 ألف مقاتل منهم ثمانون ألفا مقيد وأربعون ألف مسلسل وأربعون ألفا مربوطون بالعمائم لئلا يفروا وثمانون ألف راجل وهم خليطا من الروم والأرمن المتنصرة بالشام والروس والصقالبة والفرنجة ، وكان الروم محصورين  بين الواديين وادي الرقاد غربا ووادي اليرموك جنوبا وبالمسلمين قبالتهم شرقا .

أما المسلمون فكانوا طليقين في مؤخرتهم باتجاه القسم الشرقي من سهل اليرموك والسفوح الشرقية لجبل العرب ، وكان الروم يعدون ثلاثين صفا في العمق أما المسلمون فلم يتجاوز انتشارهم في العمق الثلاث صفوف وكان المسلمون يقاتلون خفافا وسراعا أما مشاة الروم فكانوا يقاتلون وهم مقيدون كل عشرة في سلسلة كدليل على رغبتهم في الإستبسال في القتال حتى الموت .

عبد الهادي محيسن … كاتب وباحث