أعادت إسرائيل إلى الأذهان، في ظل الحرب على غزة، قصة حملة اغتيالات قامت بها قبل 50 عاما، إثر هجوم ميونخ في دورة الألعاب الأولمبية بالمدينة الألمانية عام 1972، مهددة بتكرارها بشكل جديد.
وظهر الأمر، ليل الأحد الاثنين، بعدما نشرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” تسجيلا صوتيا لرئيس جهاز الأمن العام “الشاباك”، رونين بار، يقول فيه “إن المجلس الوزاري المصغر حدد أهدافا للمخابرات وهي القضاء على حماس ونحن مصممون على ذلك. إنها ميونخ الخاصة بنا”.
ويشير بار إلى سلسلة الاغتيالات التي أطلقتها إسرائيل ضد ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية حينها بعد الهجوم الذي نفذته منظمة “أيلول الأسود” في دورة الألعاب الأولمبية في أيلول عام 1972، وقتل فيه 11 رياضيا.
وجاءت تلك الاغتيالات التي سميت باسم “غضب الرب”، بناء على توجيهات من رئيسة الوزراء حينها، غولدا مائير.
لكن الفلسطينيين ردوا بعمليات انتقامية استهدفت ضابطا في جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلية “الموساد” في أوروبا، وأطلق حينها على العمليات والعمليات المضادة اسم “حرب الأشباح”.
وأضاف بار، “في كل مكان، في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو تركيا أو قطر وفي كل مكان سنلاحق قادة حماس”.
واعتبر أن الأمر “سيستغرق عدة سنوات، لكننا سنكون هناك لكي نكون جاهزين لفعل الأمر”.
واعترف بأن الشاباك فشل في مهمته قبل هجوم 7 تشرين الأول، لكنه بات يتحسن ويتعلم من الدروس والفشل وقد وضع ذلك موضع التنفيذ.
وذكر أن التهديدات التي تواجه إسرائيل في السنوات الأخيرة غير مسبوقة لكن كثيرا منها غير معروفة للجمهور الإسرائيلي.
ومثلت الاغتيالات التي تلت عملية ميونيخ عام 1972 نقطة البداية في ظهورها كسياسة إسرائيلية عامة وليس مجرد عمليات منفردة كما في الوقت الذي سبق ذلك التاريخ.
ويبدو أن الأمر يواجه عقبات، وأولى هذه العقبات تجسدت في تصريح أوردته وكالة “رويترز”، مساء الاثنين، برد فعل إحدى الدول المضيفة لهؤلاء.
ونقلت الوكالة عن مسؤول في المخابرات التركية قوله: تركيا تحذر من “عواقب وخيمة” إذا حاولت إسرائيل ملاحقة مسؤولين في حماس.
وهذا يعني أن أي محاولة إسرائيلية لاغتيال قادة حماس في الخارج، قد يخلق مشكلة مع الدول المضيفة لهم، خاصة أن بعضها يمتلك علاقات كبيرة مع إسرائيل مثل تركيا.
وكانت محاولة اغتيال القيادي في الحركة خالد مشعل في الأردن عام 1997، قد أدت إلى توتر كبير في العلاقة بين تل أبيب وعمّان.
والعقبة الثانية هي أن قادة حماس ينتشرون في دول كثيرة وليسوا في دولة واحدة، فبعضهم في تركيا والبعض الآخر في قطر وفريق ثالث في لبنان، وثمة تقارير عن وجود بعضهم في دول بعيدة في الشرق الأقصى مثل ماليزيا.
لذلك، قد يكون مفهوماً ما قاله رونين بار بأن عملية اغتيال قادة حماس ستستغرق سنوات.
أما العقبة الثالثة فهي أن قادة حماس يتخذون إجراءات أمنية مشددة، وليس من السهل اغتيالهم كما حدث في “حرب الاشباح” التي طالت في غالبيتها ممثلين دبلوماسيين يملكون عناوين معروفة للعامة، مما يعني أن المهمة ستكون صعبة.
وتتمثل العقبة الرابعة في أن حماس لم تنفذ أي عملية خارج إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وقد يدفعها وقوع الاغتيالات ضد عناصرها إلى تنفيذ عمليات في الخارج، مما يضع المصالح الإسرائيلية هناك أمام خطر جديد.
بدأت عمليات اغتيال القادة الفلسطينيين في “غضب الرب” بعد شهر واحد فقط من هجوم ميونيخ، وهذه أبرز الأسماء:
وائل زعتير: قتل بـ 12 رصاصة في 16 تشرين الاول عام 1972، وكان يشغل حينها منصب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في روما.
أحمد وافي: أصيب أحمد وافي “أبو خليل”، ممثل منظمة التحرير وحركة فتح في الجزائر بجروح خطيرة في 25 تشرين الاول، عندما انفجر فيه طرد مغلوم.
محمود الهمشري: قتل في انفجار شحنة متفجرة وضعت في هاتفه الدبلوماسي في 8 كانون الأول عام 1972، وكان حينها ممثل منظمة التحرير في باريس.
حسين أبو الخير: اغتيل في 25 تشرين الثاني 1973 في قبرص حيث كان ممثلا للمنظمة التحرير في هذه الجزيرة. اغتاله الموساد عن طريق عبوة ناسفة كانت مزروعة تحت فراش السرير في الفندق الذي يقيم فيه.
عملية فردان في نيسان 1973: عملية اغتيال شارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، عندما كان عسكريا في فرقة خاصة، وقتل في العملية كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
لكن الفلسطينيين نفوا صلة هؤلاء بعملية ميونخ، ويعتبر القيادي الفلسطيني البارز، نبيل شعث، في كتابه “حياتي من النكبة إلى الثورة” أن قرار إسرائيل كان “بتصفية أعلام المثقفين، والكتاب الفلسطينيين، عبر الرسائل، والطرود، والسيارات الملغومة، وقتل كل من تقول الموساد الإسرائيلي إن له علاقة بمنظمة “أيلول الأسود”، وأقرت خطة إرهابية لذلك”.
واعتبر أن هدف تلك الاغتيالات حينها كان الانتقام من قتل الرياضيين الإسرائيليين في ميونخ”.
في النهاية، لم تنجح إسرائيل بقتل أي من قادة “أيلول الأسود”، وفق شعث، فقد فشلت محاولة اغتيال محمد داود عودة (أبو داود)، أو صلاح خلف أبو إياد.
وكان عاطف بسيسو هو الوحيد من المشاركين في عملية ميونيخ الذي تم اغتياله في باريس، وذلك عام 1992، أي بعد مرور 20 عاما.