جرف النصر مدينة ايرانية داخل العراق

جنوب العاصمة بغداد حيث تكمن منطقة زراعية واسعة معشوشبة، وتحوي بساتين أشجار نخيل بمحاذاة نهر الفرات، تكمن هناك منطقة محاطة بنقاط تفتيش لا يتجرأ احد الدخول او المرور منها، حتى لو كان من افراد الجيش العراقي او مسؤولين حكوميين  من دون  موافقة مسبقة.
علي حسين، مزارع اعتاد ان يعيش في هذه المنطقة، قال “نحن لا نجرؤ حتى على ان نسأل فيما إذا كنا نستطيع الذهاب الى هناك”.

السبب في ذلك ان هذه المنطقة هي من  أجزاء العراق، التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة مدينة فرانسيسكو، تسيطر عليها فصائل مسلحة مدعومة من إيران ،وتدير نقاط تفتيش حول حدودها. واستنادا الى واحد من عشرات من ضباط استخبارات غربيين وعراقيين ،اجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلات معهم، فان منطقة جرف الصخر، التي أطلق عليها فيما بعد اسم جرف النصر، على الرغم من انها منطقة سيادية عراقية، يقولون “إنها قاعدة عسكرية إيرانية”.

ويقول مسؤولون استخباريون وعسكريون رفيعو المستوى:

إن افراد تلك الفصائل المسلحة يستخدمون هذه القاعدة في عمليات تركيب طائرات مسيرة، وتصنيع وتحديث صواريخ باستخدام قطع غيار يتم الحصول عليها على نحو واسع من إيران.

ويتم توزيع تلك الأسلحة لاستخدامها في هجمات من قبل فصائل مسلحة، عبر منطقة الشرق الأوسط، ويشير التقرير الى ان هذا الظرف يجعل من منطقة جرف الصخر مركزا يدعو للقلق، من اتساع رقعة الحرب الجارية في غزة لمنطقة أوسع.

مثل هكذا هجمات ازدادت على نحو كبير عبر الشهرين الماضيين ،بينما كانت فصائل مسلحة تعبر فيها عن تضامنها مع الفلسطينيين في غزة.

واستنادا الى البنتاغون فانه منذ 17 تشرين الأول شنت تلك المجاميع 82 هجوما على الأقل ضد قواعد ومنشآت أميركية في العراق وسورية ، باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة تسببت بجرح 66 جنديا أميركيا.

وتقول مصادر استخبارية إقليمية ان معظم تلك الهجمات استخدمت فيها أسلحة قادمة من جرف الصخر.

واستنادا الى وزارة الدفاع الأميركية فان الولايات المتحدة وفي ردها على تلك الهجمات ،قامت بقصف موقعين في منطقة جرف الصخر قتل فيها ما لا يقل عن 8 أشخاص من تلك الفصائل.

الجنرال المتقاعد، كينيث مكنزي، الذي شغل منصب قائد القيادة المركزية للقوات الأميركية في المنطقة، قال؛

“لديهم صواريخ وقذائف هاون”.

مشيرا الى انه لا يعلم بالضبط مسافة المديات التي قد تصلها هذه الأسلحة الآن، ولكنه في العام 2020، عندما كان مشرفا على جهود الولايات المتحدة للحد من هذه الترسانة، فان قسما من مديات هذه الأسلحة كانت تصل الى اهداف في الأردن وسورية والعربية السعودية.

بالنسبة للولايات المتحدة، فان مكاسب طهران السياسية في بغداد وسيطرة فصائل موالية لها على منطقة جرف الصخر، تعد خسائر مباغتة لها.

فعبر العشرين سنة الماضية أنفقت حكومات الحزبين الجمهوري والديمقراطي ما يزيد على 1 تريليون و79 مليار دولار من اجل الإطاحة بنظام صدام حسين، والحرب ضد تنظيم القاعدة وبعدها مشاركة القوات العراقية في الحرب ضد تنظيم داعش، وكل ذلك كان بهدف خلق بلد مستقر وحليف يُعتمد عليه.

ولكن بدلا من ذلك،

وحسب ما وصفه وزير خارجية العراق السابق هوشيار زيباري، فان إيران بدت اليوم “صاحبة النفوذ الأكبر في العراق”.

ويقول زيباري ” مصالح واهتمامات ايران تؤثر على كل قطاع من قوات امنية وعسكرية وحكومات محلية”.

سجاد جياد، باحث ومحلل سياسي عراقي من مركز ذي سنتشري فاونديشن الدولي للدراسات في واشنطن، يقول ان ايران ومنذ العام 1979 كانت تهدف الى اخراج القوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فإنها تركز على تشكيل وتدريب وتسليح فصائل مسلحة عراقية تقوم بمهاجمة قوات أميركية على الأرض العراقية.

ويقول الجيش الأميركي انه خلال الفترة ما بين 2003 و2011 فقط كانت مجاميع مسلحة مدعومة من ايران مسؤولة عن مقتل 603 جنود أميركيين في العراق.

في عام 2011 انسحبت القوات الأميركية من العراق وتسبب ذلك بسيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من البلد، مع انهيار الجيش ما دفع ذلك الحكومة لطلب العون من اصدقائها ايران والولايات المتحدة.

وسارعت ايران الى ارسال مدربين واسلحة ومن ثم تم تشكيل قوات الحشد الشعبي من متطوعين على اثر فتوى للمرجعية لمواجهة تهديدات تنظيم داعش، وبعد ذلك بعدة أسابيع أرسلت الولايات المتحدة مساعداتها للعراق ضد تنظيم داعش.

ويشير التقرير الى ان معارك حدثت في منطقة جرف الصخر خلال الحرب ضد داعش وانه كانت هناك هجمات تنطلق من المنطقة من قبل مسلحي داعش على قرى قريبة وعلى الزائرين الشيعة خلال المناسبات الدينية ومرور مواكب الزوار من هناك في طريقهم الى مدينتي كربلاء والنجف.

كريم النوري، قيادي سابق في منظمة بدر، يقول لصحيفة نيويورك تايمز “ايران دائما ما تضع في أولوياتها حماية الاضرحة الدينية”.

وتحتل منطقة جرف الصخر أيضا موقعا ستراتيجيا يؤدي غربا الى سوريا وهو مسلك لنقل أسلحة من هناك لفصائل مسلحة في لبنان.

وتم في حينها افراغ كل قرية في منطقة جرف الصخر من أهلها واخبارهم بانهم سيرجعون لمناطقهم حال القضاء على مسلحي تنظيم داعش.

ووثقت منظمة هيومان رايتس ووتش تغييب مئات الأشخاص من المنطقة، وأشار تقرير لمكتب حقوق الانسان في الخارجية الأميركية صدر العام 2019 بان هناك ما يقارب من 1,700 شخص معتقل في سجن سري في جرف الصخر.

ولكن بعد انتهاء الحرب ضد داعش بقيت الفصائل المسلحة مسيطرة على المدينة.

ايران من جانبها تنفي بانها تسيطر على مجاميع مسلحة عراقية تقوم بمهاجمة قوات أميركية، ولكن في مقابلة أخيرة قال وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، بانه يعتبر الولايات المتحدة متواطئة مع إسرائيل في حربها على غزة، مشيرا الى ان هذه الفصائل تم تشكيلها لمحاربة الإرهاب والاحتلال.

في لقاءات أجرتها نيويورك تايمز مع سكان في منطقة المسيب وقرى أخرى، رفضوا الكشف عن أسمائهم، قالو انهم لا يعرفون عما يحدث في منطقة جرف الصخر وان الأشخاص الوحيدين الذين يستطيعون الذهاب الى هناك هم من افراد فصائل مسلحة وأجانب من افراد يتكلمون بلكنة لبنانية وايرانيين.

ووفقا لدبلوماسيين عراقيين وغربيين وضباط مخابرات فانهم يقولون ان افرادا من الحرس الثوري الإيراني ومدربين في فصائل مسلحة لبنانية يقومون بتدريب مسلحين على تركيب طائرات مسيرة وكيفية تثبيت منظومات التوجيه الدقيق للقذائف الصاروخية وصواريخ ارض جو.

ويقول الجنرال مكنزي؛

“إن معدات متطورة بهذا الخصوص تأتي من إيران”.

في مقابلة معه في أيلول، رفض رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الرد على أسئلة بخصوص أنشطة عسكرية في جرف الصخر. وفي تشرين الأول شجب علنا الهجمات التي استهدفت قواعد ومعسكرات فيها قوات أميركية، ولكن لم يكن لذلك تأثير.

مع ذلك فانه خلال المقابلة التي جرت في أيلول عبّر عن امله في عودة العوائل المهجرة من منطقة جرف الصخر.

أبو اركان، 70 عاما، مهجر من العام 2014، يقول؛

“لم نسمع أي شيء عما حصل لأراضينا ولبيوتنا، لا اريد ان اتحدث بالمزيد عن هذا الموضوع لأنه يحزنني.

لم يأت أحد لنا ليرجعنا، ولا أحد عوّضنا عما فقدناه.

كما لو اننا أشباح”.

• عن نيويورك تايمز
الشراع