قال الله تعالى في القرآن الكريم:{لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصَواْ وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} سورة المائدة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”بلّغوا عني ولو آيةً وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار” رواه البخاري.قد تضمَّن هذا الحديث الشريف فوائد جمَّةً وجديرٌ بنا أن نقف على بعض معانيه نشرًا للخير وتبليغًا عن نبينا كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: “بلِّغوا عني ولو آيةً”أمرٌ على الوجوب الكفائي ومعناه: إن قام به البعض من المؤمنين سقط الحرج عن الآخرين، وفيه إشارةٌ إلى أهمية الدعوة إلى الخير والتحذير من الشر وأهله. قال القسطلاني في “إرشاد الساري”: “قال البيضاوي: قال “ولو آيةً“ ولم يقل ولو حديثًا لأن الأمر بتبليغ الحديث يُفهمُ منه بطريق الأولى فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها تكفَّل الله بحفظها وصونها من الضياع والتحريف”.
هذه حقيقتهم
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وحدثوا عن بني إسرائيلولا حرج“ معناه: لا ضيق عليكم في التحديث عنهم فإنه كانت فيهم عجائب وغرائب فقد اتهموا الله تعالى بالبخل والفقر والعجز ووصفوه بالجسم والاستقرار والتعب وعبدوا العجلوقتلوا الأنبياء وعصوْا موسى عليه السلام وآذوه وزعموا أن يعقوب عليه السلام تصارع مع الله فصرع الله، تعالى الله عمَّا يقولون،وقالواوالعياذ بالله: إن بنات لوطٍ عليه السلام سقَوْا أباهم الخمر حتى دارت برأسه إرادة أن يزني بهن ليحملن بالذكورخشية انقطاع النسل. وأرادوا قتل عيسى عليه السلام فرفعه الله إلى السماء حيًّا، وذبحوا نبي اللهيحيى ونشروا نبي الله زكريا عليهما السلام بالمنشار،وتآمروا على سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لقتله غير مرةٍإلى غير ذلك من مخازٍ لهم أثبتها القرآن الكريم وهي مسطورةٌ في توراتهم المحرَّفة.
ويطول الكلام جدًا بل تكلُّ الأقلام وتجف المحابر لو أردنا أن نسترسل في التحديث بذلك ونصب الأدلة القاطعة على ثبوته عنهم، كل ذلك وهم يعاصرون أنبياء كرامًا كانوا بينهم ويشهدون المعجزات الباهرات. فاعجب لذلك أشد العجب.وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “ولا حرجٌ“ دليلٌ على أن ناقل الكفر عن الغير مع ذكر أداة الحكاية من غير استحسان لهكأن يقول: “قال فلانٌ كذا من الكفر“ لا يكفر لأن في التحديث عن بني إسرائيل ذكرُ ما كان من كثيرٍ منهم من كفرٍ وضلالٍ مبين.ونحن نُبرِّئُ أنبياءَ بني إسرائيل من فسادِ اليهود ونؤمن بهؤلاء الأنبياءالكرام ونعظِّمهم وننزههم عمَّا لا يليق بهم.
الإسرائيليون
ونقول لزيادة الفائدة:إن الإسرائيليين قوميةٌ من قوميَّات البشر وليست التسمية تسمية دينٍ إنما كما يقال: عربٌ فُرسٌ رومٌ كذلك يقال: إسرائيليون. و“إسرائيل“اسمٌ سُريانيٌ لنبي الله يعقوب عليه السلام ومعناه بالعربية عبد الله، وقد ذُكر في القرآن الكريم باسم إسرائيل واسم يعقوب، قال تعالى:{كل الطعام كان حلًّالبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تُنزَّل التوراة} سورة آل عمران. وإسرائيل هنا سيدنا يعقوب عليه السلام، قاله السمعاني في “تفسيره” وغيره. ومعنى {حرَّم على نفسه} منعَ نفسه وليس حرَّم شيئًا أحله الله. وقال تعالى أيضًا:{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقُوبَ الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهَك وإلهَ ءابائك إبراهيم وإسمعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون} سورة البقرة.وفي الآية دليلٌ صريحٌ على أن يعقوب الذي هو إسرائيل عليه السلام وآباءه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وأولاده كانوا على دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء عليهم السلام وهو الدين الذي رضيه الله تعالى وأمر باتِّباعه، وأدخل إسماعيل فيآباء يعقوب عليهما السلام وهو عمه لأن العم بمثابة الأب،قال تعالى:{إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب} سورة آل عمران.وفي الآية أن اليهود اختلفوا بعدما جاءهم الحق الذي هو الإسلام،وكان منهم علماء، حسدًا وطلبًا للرئاسة وحظوظ الدنيا. وقيل: هو اختلافهم في نبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فآمن به بعضُهم كعبد الله بن سلام الصحابي الجليل وكان قبل إسلامه عالم اليهود،وكفر به أكثرُهم وهم يعلمون الحق، قال تعالى:{الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} سورة البقرة.
ونظرًا لما كان منهم من كفرٍ وظلمٍ وعدوانٍ فقد ضرب الله عليهم الذِّلة والمسكنة والصَّغار والتيه في الأرض. قال تعالى:{وضُربت عليهم الذِّلة والمسكنة وباءوا بغضبٍ من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصواْ وكانوا يعتدون} سورة البقرة. قال ابن عادل في “اللباب”: “وضربت عليهم الذِّلة والمسكنة في الدنيا وفي الآخرة النار“.وقال تعالى:{سل بني إسرائيل كم ءاتيناهم من ءايةٍ بينةٍ ومن يُبدِّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب} سورة البقرة. قال السيوطي في “الدر المنثور”: “عن مجاهدٍ (سل بني إسراءيل) قال هم اليهود (كم ءاتيناهم من آيةٍ بينةٍ) ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر (ومن يُبدِّل نعمة الله) قال يكفر بها”.
وبالنظر في شرح آخر الحديث يُستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم:”ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار” أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم من كبائر الذنوب بل قد يصل إلى حد الكفر فمن كذب عليه صلى الله عليه وسلم بوَّأه الله مقعدًا من النار، وقد مر الكلام في تفصيل حكم الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في مقالٍ سابق ٍبعنوان “خطورة الكذب على رسول الله” صلى الله عليه وسلم فلينظره مريدُ الفائدة، وقد كان كذلك لليهود أثرٌ خبيثٌ في الكذب على الشريعة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يُعرف عند أهل العلم بالإسرائيليات.