يقفل العام 2023 على وقع نقدي شبه مستقر يخالف ما كان يحصل في العام 2022 إلا أن هذا الإستقرار ورغم التحسّن في إيرادات الدولة الا أن ذلك لا يعفيها من القيام بما يتوجّب لجهة ضبط التهريب الذي يعتبر مكمن الهدر الأساسي لموارد الدولة، إضافة إلى قيامها بإقرار القوانين الإصلاحية اللازمة ليكون العام 2024 هو عام بداية النهوض من قعر الأزمة.
ويقارن الباحث الإقتصادي الدكتور محمود جباعي بين عامي 2022 و2023, فيعتبر أن “العام الحالي الذي شارف على الإنتهاء أفضل من العام السابق، وذلك لعدّة أسباب وهي:
– القطاع الخاص والذي يشكّل 80% من من الناتج المحلي اللبناني تمكّن من أن يتأقلم مع الأزمة أكثر كما أنه أعاد إعادة تنظيم للعمل من خلال تنسيق مقبول بين تكاليفه وإيراداته، مما إنعكس إيجابا على عدد من القطاعات الإقتصادية في البلد والتي تمكّنت من معاودة العمل وإعادة تحسّن هام مما ساهم في إعطائها فرصة للإنطلاق بإتجاه الأفضل في المرحة المقبلة، كما أنه هذا العامل إنعكس أيضا بطريقة إيجابية على الموظفين في القطاع الخاص الذين تحسّنت رواتبهم نوعا ما إلا أنها ليست كالسابق لكنها تعتبر أفضل مما كانت عليه بالمرحلة السابقة أي في العام الماضي. – إضافة إلى ذلك، فالحركة السياحية في البلد كانت مرتفعة جداً، فدخول أموال المغتربين والتي تقدر بـ 6.4 مليار دولار وفق البنك الدولي أي التحويلات الخارجية لعام 2023، عدا عن الأموال التي تدخل باليد والتي تقدّر بين مليار ونص و2 مليار دولار، إضافة أيضا إلى الأموال التي تدخلها الجمعيات والمؤسسات الإقتصادية في البلد وهي بالفريش الدولار. والقطاع السياحي كان مميزاً حيث رصد بين 3 إلى 4 مليار دولار من شهر تموز إلى أيلول، كل هذه العوامل إنعكست إيجابا على الإقتصاد وساهم في تحسن المؤشرات الاقتصادية. ويلفت إلى أن هناك من يقدر أن النمو الناتج المحلي إزداد بين3 إلى4 %، وهذا الأمر وافق عليه لكن النسبة التقديرية بحاجة إلى حسابات. إلا أن الدكتور جباعي يتوقف عند الشهرين الأخيرين من هذا العام وتحديداً بعد أحداث الجنوب وحرب غزة فقد تأثر الإقتصاد وحصل قليل من الإنكماش لا سيّما في القطاع السياحي حيث إنخفض مردوده على خلفية الوضع الأمني والإستقرار في البلد، لكن لم يؤثر هذا العامل بالمطلق بشكل كبير لأن إنخفضت توقعات النمو على سبيل المثال بدل أن تكون من 3 إلى 4% أصبحت بين 2.5 إلى 3 %. ويأمل الدكتور جباعي في هذا الإطار أن تنتهي الحرب ولا تتمدّد لأن ذلك سينعكس سلبا على عام 2024. أما من الناحية النقدية، فيوضح دكتور جباعي إلى أن سعر الصرف شهد إهتزازا ببداية عام 2023 والجميع لاحظ إرتفاع سعر الصرف حتى وصل إلى 142 ألف فتدخل مصرف لبنان بعد 20 أذار، وذلك عبر التعاميم المتتالية وتمكن من القيام بإمتصاص جزء كبير من الكتلة النقدية بالليرة التي انخفضت من 83 ألف مليار إلى حدود58 ألف مليار تقريبا، وهذا ما ساهم بإستقرار نقدي بدءاً من تموز وبخاصة مع تزامنه مع الموسم السياحي اللافت، والذي ساعد أيضا في تحسين الوضع الاقتصادي، فهو أعطى أيضا المؤشرات الإيجابية وساهم بتعزيز عمل القطاع الخاص بشكل أفضل. هذا بالإضافة إلى محافظة مصرف لبنان على رواتب القطاع العام بالدولار وهو عامل جيّد جداً حيث أنه هناك ما يقارب الـ 300 ألف موظف يتقاضون رواتبهم بالدولار مما ساهم في منع تضخم الكتلة النقدية بالليرة، واستمر الدكتور منصوري باعتماد الأجراء نفسه واستطاع الفصل بين السياستين المالية و النقدية، وأوقف تمويل الدولة كليا. وبرأي جباعي أن ذلك ساهم بتحسين إيرادات الدولة من 2000 مليار بالشهر قبل شباط 2023 إلى أن وصلت الى 20 ألف مليار تقريبا بعد هذا التاريخ وبخاصة بعد شهري 9 و10 بحيث تمكنت الدولة من تحصيل أموالا وفق الرسوم الجديدة، وبدأت السياسة المالية تتماهى مع السياسة النقدية، معتبراً أنه عامل بغاية الأهمية. وهذا المبلغ وفق جباعي يغطي الكثير من حاجات الدولة ولم يعد مصرف لبنان بحاجة لطبع الليرة, كما أنه يساهم بإستقرار نقدي إضافة إلى ذلك هناك الدولرة التي حصلت في البلد حيث أصبح ما بين 70 إلى 75% من إقتصادنا مدولر. ويعتبر أن كل هذه العوامل ساهمت بإستقرار نقدي، وإجراءات مصرف لبنان هي الأساس فهو الضابط لليرة في السوق السوداء كانت تخرج من وزارة المالية أو من مصرف لبنان والمصرف يدفع الرواتب بالدولار وهذا شيء جيد. إذا كل ذلك إنعكس إيجابا على الاقتصاد اللبناني وثبّت سعر الصرف وأعطى إنعكاسات إيجابية جدا هامة. أمّا من الناحية المالية، فيشير إلى أن الحكومة اللبنانية تمكنت من تحسين إيراداتها في مكان معين وهو أمر يعتبر لا بأس به، إلا أنه زيادة الإيرادات ليست كما يجب لانه دائما التفكير يكون بكيفية زيادة حجم الضرائب بدل التفكير بكيفية تحصيل الضرائب من التهريب، فالتهرب الجمركي لوحده يصل إلى 900 مليون إلى مليار دولار خلال العام، والتهريب عبر الحدود يؤثر بشكل كبير حيث تقدّر الخسارة ما بين 400 إلى 500 مليون دولار خلال العام، كذلك التهرب من ضريبة الـTVA بأكثر من مليار دولار سنوياً. ويلفت الى أن تحسين الرسوم الناتجة عن الاملاك البحرية تدخل مئات ملايين الدولارات للخزينة. إلا أن جباعي يشدد على ضرورة إنجاز موازنة مقبولة تراعي الاصول المالية في البلد لأن هذا العامل يساعد السياسة النقدية والتي أصبحت فعالة بشكل ممتاز مؤخراً ومن الممكن أن يساهم تحسين الموازنة في تفعيل دور الإقتصاد من جهة وتحسين رواتب الموظفين من جهة أخرى مقابل زيادة الانتاجية. ولكنه يشير إلى التحدي الأبرز في عام 2024 هو موضوع المودعين ففي العام الحالي لم يحصل أي حل جذري بإستثناء تحسين تعميم 158 ووقف الهيركات، واليوم مصرف لبنان يتّجه الى شيء هام وهو إلغاء تعميم 151 بالمطلق وربط سعر الدولار المصرفي بالدولار الحكومي حيث لم يعد لدى الدولة اللبنانية حجة بعد الآن من أن تحسن هذا السعر وتحاول أن توحد سعر الصرف على 89500 حيث من الممكن أن تساهم ذلك بحل أزمة المودعين والتي هي أيضا بحاجة الى قانون إنتظام مالي وإعادة هيكيلة القطاع المصرفي وكابيتال كونترول حقيقي ومنطقي، وهذه العوامل نحن بإنتظارها عام 2024. ويرى أنه آن الأوان لنجد حلاًّ حيث لم يعد بإمكاننا إضاعة الوقت فاليوم هناك أفضل فرصة للقيام بحلول لأن إقتصادنا مستقر ويتحسن ، الا ان ذلك يحتاج الى وجود نية سياسية حقيقية بدءاً من إنتخاب رئيس للجمهورية وتحريك عجلة الاقتصاد من خلال الدولة اللبنانية التي أ تساهم بـ 20% من الناتج المحلي ، ولكن من خلال وتشريعاتها وقوانينها تكون هي الرافد الاساسي لتطوير الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي في البلد. |
||
|