صِراعُ الأَسَى والفَرَحِ في يَراعِ شاعِرَة! بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار
(قِراءَةٌ في دِيوانِ «غُرفَةُ أَمِّي La chambre de ma mère» لِلشَّاعِرَةِ كلُوديا شحادة)
كلُوديا شحادَة…
إِسمٌ جَدِيدٌ في نادِي الشُّعَراءِ بِاللُّغَةِ الفَرَنسِيَّة.
التَقَطْتُ دِيوانَها الباكَورَةَ «غُرفَةُ أَمِّي La chambre de ma mère»، بِاليَدِ الواجِفَة. فَما تُرانِي واجِدًا في ثَمَرَةٍ أُولَى قد تَكُونُ بَعْدُ فِجَّةً، فِيها نُقُوسُ البِدايَةِ المُتَعَثِّرَةِ، والتَّجرِبَةِ الغِرّ؟!
ثُمَّ…
هل تُجِيدُ امرَأَةٌ شَرقِيَّةٌ طَرْحَ عَواطِفِها ومَشاعِرِها بِطَبْعِيَّةٍ، مِن دُونِ عَواقِبِ التَّرَسُّباتِ الَّتِي أَثقَلَتها طَوالَ قُرُونٍ، وأَيضًا بِقَلَمٍ غَرِيبٍ عَن لُغَتِها الأُمّ؟!
وَهَل يَكُونُ التَّعبِيرُ وافِيًا لِإِحساسٍ مُرهَفٍ مُتَوَقِّدٍ في الكَلامِ عَن أُمٍّ يَنهَشُها المَرَضُ، ويَكسُوها الهُزالُ، أَمامَ ناظِرَي ابنَةٍ مُلتَهِبَةِ الحَنانِ، مُغلُولَةِ اليَدَينِ، لا حِيلَةَ لَها في إِنقاذِ هذه العَلِيلَةِ الَّتِي يَقهَرُها جَبَرُوتُ الدَّاء؟!
وأَخَذتُ الكِتابَ، مُبحِرًا في سُطُورِهِ، واعِيًا أَدَقَّ الإِشاراتِ، فَالبَدْعُ قد يَتَوارَى في فِكرَةٍ مُضمَرَةٍ، وفي رَمْزٍ يُجَلِّلُهُ الغُمُوضُ، وفي انزِياحٍ قد يَخْفَى على الأَعيُنِ الَّتِي لا تَرَى إِلَّا السَّطحَ، مارَّةً عَلَيهِ مَرَّ نَسِيمٍ عابِر.
هو كِتابٌ صَغِيرٌ بِحَجمِهِ، كَبِيرٌ بِمَضمُونِهِ العاطِفِيِّ النَّقِيِّ، وبِرَونَقِ لُغَتِهِ البَسِيطَةِ على عُمْقٍ، والَّتِي لا يَنقُصُها الإِيقاعُ الحَنوُنُ، والمُحَرِّكُ الدَّافِئ.
وقد تَزَيَّنَ هذا السِّفْرُ المُنَمنَمُ، غِلافًا ومَتْنًا، بِلَوحاتٍ جَمِيلَةٍ مُعَبِّرَةٍ لِلرَّسَّامَةِ التَّشكِيلِيَّةِ الواعِدَةِ نايلَة بَطَش فَيصَل.
يَقُولُ الشَّاعِر:
وإِذا رَأَيتَ مِنَ الهِلالِ نُمُوَّهُ أَيقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرُ بَدْرًا كامِلا
هكذا رَأَينا، غِبَّ قِراءَتِنا الدِّيوانَ، شاعِرَةً تُتقِنُ لُعبَةَ الحُرُوفِ، وتُنبِئُ بإِرهاصاتٍ لِدَواوِينَ تَتْرَى، فَاليَراعُ الَّذِي صالَ وجالَ، وحازَ السَّبْقَ وكُلِّلَ بِالغارِ في جَولَتِهِ الأُولَى، لَن يَقِفَ هُناكَ، وقد فَرَغَت دَواتُهُ، وجَفَّ مَنبَعُ وَحْيِه.
لَقد أَفلَحَت في انطِلاقَتِها، هذه الشَّاعِرَةُ، واختَصَرَت، في ما دَبَّجَت، «العَبِيرَ والجَرْسَ والأَلوان Parfums, sons, et couleurs» (ص 11)، كَما جاءَ في المُقَدِّمَةِ الثَّاقِبَةِ لِلأَدِيبَةِ الرَّقِيقَةِ مارِيلِين منَسَّى.
دَعوَةُ الرِّقاعِ البِيضِ لِشاعِرَتِنا (ص 27)، دَعوَةُ عِشقٍ يَملَأُ الحَنايا، ويُنِيرُ مَفارِقَ العُمرِ الَّتِي دَكِنَ بَعضُها مِن هُمُومِ الحَياة. ومَنْ تَفعَلْ فِيها فِعْلَ السِّحْرِ صَحائِفُ لَمَّا تَرتَوِي بَعدُ بِالحِبْرِ الأَزرَقِ، تَدعُوها بِتَوقِ الهَيْمانِ إِلى الحَبِيبِ الغافِلِ، لَهِيَ، بِحَقٍّ، شاعِرَةٌ تَرُودُ القَوافِي بِالخَيالِ المُجَنَّحِ، والمَعرِفَةِ الضَّافِيَةِ، واللُّغَةِ المُونِقَةِ الَّتِي لا يَشُوبُها ضَعْفٌ، ولا يَعتَرِيها تَرَهُّلٌ، بَل هي حَيَّةٌ نابِضَةٌ، فِيها النَّغَمُ المُنسابُ، وتَآلُفُ الأَلفاظِ كَأَنْ في سِيمفُونِيَّةٍ سَماوِيَّةِ الحَفِيف.
وهي، كَشاعِرَةٍ مُرهَفَةٍ، يُمِضُّها هُرُوبُ الزَّمَنِ، وانسِياقُنا، قَسْرًا، في مَعمَعانِهِ، فَتَتَفَلَّتُ الأَّيَّامُ مِنَّا تَفَلُّتَ الماءِ مِنَ الأَصابِعِ (ص 29).
وتَرُوحُ تَسأَلُ الحَياةَ، وتَبُثُّها قَلَقَها المُوجِعَ، فَتُجِيبُها، وجَوابُها قَناعَةٌ وُلِدَت في ذِهْنِ الشَّاعِرَةِ عُقْبَى تَأَمُّلٍ وتَفَكُّرٍ وتَبَصُّرٍ واعٍ، بِأَنَّها إِنْ لَم تَجرِي وتَتَجَدَّدْ، فَكُلُّ شَيءٍ يَأسِنُ (ص 29)، وهي، لِلَّذِي يَرَى قَرارَتَها الأَقصَى، جَمِيلَةٌ، واقتِناصُ لَذاذاتِها، والتَّمَتُّعُ بِهِباتِها، يَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ رائِعًا ومُستَقِرًّا. وهي، بِذا، تَقتَرِبُ مِنَ المَذهَبِ الأَبِيقُورِيِّ(1) (ص ص 43، 44)، وتَسعَى إِلى إِنقاذِ الإِنسانِ مِنَ التَّرَدِّي في يَأسٍ مُطبِقٍ، وعَجزٍ مُمِيتٍ أَمامَ حَتمِيَّةٍ لا تُوائِمُ، غالِبًا، الرَّغَباتِ والأَمانِي.
شاعِرَتُنا، الَّتِي قَضَّها مَرَضُ أُمِّها، تَتَمَزَّقُ بَينَ ذِكرَياتِها مع هذه العَلِيلَةِ المُنهَكَةِ، وطَبْعِها هِيَ الَّذِي يَجنَحُ إِلى الفَرَحِ (ص 31):
»Petite joie ]… [je te chéris à l’image de Spinoza«
ونَحنُ نَعلَمُ الأَهَمِّيَّةَ الَّتِي يُولِيها هذا الفَيلَسُوفُ لِلفَرَحِ كَباعِثٍ على الفِعلِ والإِنتاج، وهو القائل: «مَن يَعرِفُ ذاتَهُ وانفِعالاتِهِ بِوُضُوحٍ وتَمَيُّزٍ يَشعُرُ باِلفَرَح»(2).
ويُحسَبُ لَها الفَرَحُ الإِيجابِيُّ، فهو إِيمانٌ بِالحَياةِ، وبِأَنَّها خَلِيقَةٌ بِأَن تُرْعَى كَي لا يَبتَلِعَها العَدَم.
وعَلَيهِ…
تَتَقاذَفُها مَشاعِرُ مُتَناقِضَةٌ (ص ص 32، 46). يَغمُرُها الفَرَحُ، فَتَنقَشِعُ سُحُبُ الهُمُومِ الَّتِي تُرافِقُنا مَدَى العُمرِ، ويَبزُغُ الفَجرُ أَمامَ عَينَيها صافِيًا مُشبَعًا بِالشَّذا وأَلَقِ الأَلوانِ، لِتَعُودَ، بَعدَها، آلامُ الأُمِّ لِتَنغَصَ عَلَيها الصُّورَةَ الزَّاهِيَةَ، وتُفاقِمَ إِحساسَها بِالعَجزِ عَن مُساعَدَةِ المَخلُوقِ الأَعَزِّ عَلَيها، والَّتِي هي الحُبُّ والحَنانُ والصَّبرُ والحِكمَةُ والكَرَمُ والرِّقَّةُ والجَمالُ والغِبطَةُ والعُذُوبَةُ والنَّباهَةُ واللُّطفُ والأَدَبُ (ص 39)، والَّتِي رَعَتها بِالأَهدابِ السَّاهِرَةِ، ودُمُوعِ المَآقِي (ص 33)، كَما تَراها هذه الإِبنَةُ البارَّة. وبِالاختِصارِ، هي لَها مِثالُ حَقٍّ وخَيرٍ وجَمال.
ورُغمَ المُعاناةِ الَّتِي تَفرِيها، لا يَنسَدُّ الأُفقُ أَمامَها حَتَّى الإِطباقِ، فَنَراها تَجِدُ، في أَلوانِ الحُزنِ الَّتِي تُجَلِّلُ غُرفَةَ أُمِّها وأَثاثَها، فَرَحًا يَنسَلُّ إِلى شَفَتَيها (ص 36)، هو فَرَحُها بِالخَواطِرِ الَّتِي تَكتُبُها، وشِعرٍ تَنسُجُهُ، مُشبِعَةً «أَناها» الجَوْعَى، ومُدخِلَةً الثِّقَةَ والكِبْرَ إِلى نَفسِها الكَسِيرَة. هذا بِالرُّغمِ مِن يَأسٍ مُطبِقٍ يُطِلُّ بِسَوادِهِ مِن كَلامِها الآتِي:
»Je tourne en rond comme étourdie
N’ayant aucun Plaisir dans la vie«
ويَجرُفُها الإِحباطُ والخِذلانُ في تَيَّارِهِ الطَّامِي فَتَصرُخ:
»Ô rage! Ô désespoir! Je crie! .«
وَلَو أَكمَلَت هُتافَها فَقالَت:
»Ô rage! Ô désespoir! Ô vieillesse ennemie! «
مِن مَسرَحِيَّةِ «السّيد» لِلكاتِبِ الفَرَنسِيِّ كُورنايّ(3) لَكانَت أَرجَعَتنا إِلى صِبانا الَّذِي وَلَّى، وأَدخَلَتنا في مَوجَةِ حَنِينٍ يَلسَعُ الرُّوحَ ويُدفِئُ الفَؤَاد.
هذا الدِّيوانُ يَمٌّ صَغِيرٌ فِيهِ مَدُّ الفَرَحِ وجَزْرُ الأَسَى، فِيهِ اللَّذَّةُ وغِبطَةُ الوُجُودِ، فيه ظُلمَةُ المَوتِ وجَهامَةُ الحُزْن. وإِلى ذلك فَلُغَتُهُ سَلِيمَةٌ مَرصُوفَةٌ رَصْفًا شِعرِيًّا مُتقَنًا لا يَفتَقِرُ إِلى النَّغَمِ، ولا يُعوِزُهُ الخَيالُ المُرهَف. هو نَجاوَى دافِئَةٌ مِن قَلبٍ مَفطُورٍ على الفَرَحِ، مَحكُومٍ بِعَذابٍ ماثِلٍ أَمامَهُ أَبَدًا، مُجَلبَبٍ بِمَوتٍ مُقِيمٍ تَقتَرِبُ راياتُهُ، ولَيسَ مِن بَراثِنِهِ فَكاك.
وفي تَمجِيدِ الكَلِمَةِ دَبَّجَت مَقطُوعَتَها (ص 85):
»Les mots pleurent«
ولا غَرْوَ، أَلَيسَ «في البَدْءِ كانَ الكَلِمَة»(4)؟!
ونَذكُرُ ما قالَهُ النِّفَّرِي الفَيلَسُوفُ الصُّوفِيُّ: «أَوقَفَنِي في الأَبوابِ وَقال: أَلأَبوابُ إِلَيَّ كَلِمَات»…
ونَتَساءَلُ عَمَّا حَدا بِأَدِيبَتِنا الرَّاقِيَةِ إِلى اعتِصارِ الشِّعرِ، وَلَيِّ ذِراعِهِ لِيَحتَوِيَ، في إِهابِهِ الشَّفِيفِ لَفِيفًا مِن عائِلَةِ الأَلسُنِيَّةِ وأَقرِبائِها المُوَقَّرِين (ص 95)، وَ: «الشِّعرُ إِن لَم يَكُنْ ذِكرَى وعاطِفَةً / وحِكمَةً فَهْوَ تَقطِيعٌ وَأَوزانُ» كَما قالَ أَمِيرُ الشُّعَراءِ أَحمَد شَوقِي. هي لُعبَةٌ لُغَوِيَّةٌ مارَسَ أَدهَى مِنها أُدَباءٌ وشُعَراءٌ، كَناصِيف اليازِجِي مِثالًا. ونَحنُ، بِرَأيِنا الخاصِّ المُتَواضِعِ، نَربَأُ بِالشِّعرِ أَن يُسَخَّرَ في حِياكَةٍ كَهذِهِ لا تَكُونُ نَتِيجَتُها إِلَّا سِربالًا فَضفاضًا لا يَتَناسَبُ مع قَوامِهِ المَسبُوكِ رِقَّةً وعُذُوبَةً وصَفاءَ خَيال…
***
هذهِ الأَدِيبَةُ، والأَكادِيمِيَّةُ المُحَنَّكَةُ، تُؤمِنُ بِقُوَّةِ الجَمالِ على تَغيِيرِ الواقِعِ، وكَشْحِ الوَساوِسِ (ص 37).
طُوبَى لَكِ، يا صَدِيقَتَنا، فَــ «أَيُّ شَخصٍ يُحافِظُ على قُدرَتِهِ في رُؤْيَةِ الجَمالِ، لَن يَشِيخ»، كَما جاءَ عِندَ فرانْز كافْكا. وإِذ نَتَفَكَّرُ عَمِيقًا، ونَتَساءَلُ كَيفَ تَرَى الجَمالَ وهي في رَحَى مَأساةٍ لا تَرحَمُ لِأُمٍّ تُوَدِّعُ أَيَّامَها والأَحِبَّاءَ، نَتَذَكَّرُ أَنَّ «هُنالِكَ جَمالٌ مُرهَفٌ لا يَكادُ يُلحَظُ لِلمَأساةِ الإِنسانِيَّة»(5).
***
تُذَكِّرُنا الكاتِبَةُ وهي تُخاطِبُ ابنَها المُسافِرَ، (ص 65)، لِيُهَيِّئَ اللَّبِناتِ الأَساسِيَّةَ في بِلادِ العِلمِ والمَعرِفَةِ لِمُستَقبَلِ أَيَّامِهِ، قائِلَةً (ص 65):
Enfant! Notre histoire est-elle finie?
Maintenant, tu es l’enfant de la vie,
تُذَكِّرُنا بِقَولِ جُبران: «أَولادُكُم لَيسُوا لَكُم، أَولادُكُم أَبناءُ الحَياةِ المُشتاقَةِ إِلَى نَفسِها»(6). وتَتَناغَمُ أَكثَرَ مَعَ أَدِيبِنا في مَوضِعٍ آخَرَ (ص 79)، حَيثُ تَقُول:
»Une distance gardée entre toi et moi,
Me laissant réfléchir à haute voix«,
فَيَرِنُّ في خاطِرِنا قَولُه: «ولكِن فَليَكُنْ بَينَ وُجُودِكُم مَعًا فُسُحاتٌ تَفصِلُكُم بَعضُكُم عَن بَعضٍ حَتَّى تَرقُصَ أَرياحُ السَّمَواتِ فِيما بَينَكُم»(7).
***
لم يَقتَصِر دِيوانُ شاعِرَتِنا على التَّرَجُّحِ بَينَ الحُزنِ والفَرَحِ، فَإِنَّها انبَرَت لِمُواجَهَةِ عالَمٍ مَقلُوبٍ رَأسًا على عَقِبٍ (ص 55)، وشَعبٍ خَرُوفٍ (ص 56) لا يَحيا ولكِنَّهُ يَعِيش وَ « يَنتَهِي باستِيلادِ حُكُومَةٍ مِنْ ذِئاب»(8).
ويَأخُذُها الحَنِينُ في هَودَجِهِ الرَّخِيِّ فَتَتَذَكَّرُ بِحُرقَةٍ رَفِيقاتِها، والرِّحْلاتِ، والكُؤُوسَ، والضَّحِكاتِ، ولَيلاتِ السَّمَرِ والسَّهَرِ، والأَحلامَ المُزهِرات (ص 56).
هي تَكفُرُ بِواقِعٍ مُهتَرِئٍ مُستَشْرٍ، ولكِنَّها تُعلِنُ انتِماءَها الحُرَّ إِلى الوَطَنِ (ص 57). وكَيفَ لَها أَن لا تَعِيشَ مَأساةَ وَطَنِها، وشَعبِها المَغلُوبِ على أَمرِهِ، وهي الشَّاعِرَةُ الفائِضَةُ الإِحساسَ، النَّافِذَةُ البَصَرَ والبَصِيرَة. أَوَلَيسَت مِن عِلْيِ الإِنسانِيَّةِ المُتَعَطِّشَةِ لِلسَّعادَة (ص 77)؟!
***
تُخاطِبُ شاعِرَتُنا شَمسَ بِلادِها: «Soleil de mon pays! » (ص 59). فَإِذا هُتافُها شَرارَةٌ تُشعِلُ أَعبابَ ذِكرَياتِنا الهاجِعَةِ، ونَعُودُ إِلى أَيَّامِ الصِّبا الفائِتِ، نَستَرجِعُ هُيامَنا القَدِيمَ، ووُقُوفَنا أَمامَ المِذياعِ بِشَغَفٍ نَستَمِعُ إِلى «Enrico Macias» في أُغنِيَتِهِ المَشهُورَةِ «Mon pays perdu»، ونَتَرَنَّحُ مَعَهُ مُنشِدًا:
»Soleil de mon pays perdu
Des villes blanches que j’aimais
Des filles que j’ai jadis connues.«
ونَستَعِيدُ الماضِي، خَلفَ أَجفانِنا المُغمَضَةِ، بِما فِيهِ مِن صُوَرٍ عِذابٍ لِهَوًى فائِرٍ يَضِيقُ عَنهُ الصَّدْر…
***
صَدِيقَتَنا كلُوديا…
دَخَلنا رِياضَكِ نَتَأَبَّطُ السِّلالَ، ونَنشُدُ الثَّمَرَ اليَنِيعَ، فَما خابَ لَنا أَمَلٌ، وعُدنا بِالمُقَطَّرِ الشَّهْدِ، وتَنَسَّمْنا العَبِيرَ مِلْءَ صُدُورِنا، وحَفِظنا مِنَ الرِّحلَةِ أَطيَبَ ذُخْر…
فَإِلى نِتاجٍ جَدِيدٍ في مَسِيرَةِ إِبداعِكِ، ونَحنُ لِمَقدَمِهِ لَناظِرُون!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الأَبِيقُورِيَّةُ أَو المَذهَبُ الأَبِيقُورِيُّ (Epicureanism) يُنسَبُ إِلى الفَيلَسُوفِ اليُونانِيِّ أَبِيقُور، وهو مَذهَبٌ فَلسَفِيٌّ مُؤَدَّاهُ أَنَّ اللَّذَّةَ هي وَحدَها الخَيرُ الأَسمَى، والأَلَمُ هو وَحدَهُ الشَّرُّ الأَقصَى، والمُرادُ بِاللَّذَّةِ التَّحَرُّرُ مِنَ الأَلَمِ والاهتِياجِ العاطِفِيّ. وقد دَعا إِلى الحَياةِ السَّعِيدَةِ دُونَ أَن تَستَعبِدَ الإِنسانَ شَهوَتُه (مَوسُوعَةُ وِيكِيبِيدْيا).
(2): (بارُوخ سبِينُوزا: عِلمُ الأَخلاق، تَرجَمَةُ جَلال الدِّين سَعِيد، المُنَظَّمَةُ العَرَبِيَّةُ لِلتَّرجَمَةِ، الطَّبعَةُ الأُولَى،
بَيرُوت، أُكتُوبَر 2009، ص329)
(3): «Monologue de Don Diègue, dans le Cid de Corneille, acte I, scène 4»
(4): (إِنجِيل يُوحَنَّا، 1)
(5): «هُنالِكَ جَمالٌ مُرهَفٌ لا يَكادُ يُلحَظُ لِلمَأساةِ الإِنسانِيَّةِ، ذلك الجَمالُ الَّذي لَن يَعرِفَ النَّاسُ قَرِيبًا كَيفَ
يَفهَمُونَهُ ويَصِفُونَهُ، والَّذي لا يُحسِنُ التَّعبِيرَ عَنهُ، فِيما يَبدُو، سِوَى المُوسِيقَى»
(أَنطُون تشِيخُوف، مِن أُقصُوصَتِهِ «أَلأَعْداء»، تَرجَمَة د. أَبُو بَكْر يُوسُف)
(6): (جُبران خَلِيل جُبران، النَّبِيّ، فَصلُ الأَولاد)
(7): (جُبران خَلِيل جُبران، النَّبِيّ، فَصلُ الزَّواج)
(8): «شَعْبٌ مِن خِرافٍ يَنتَهِي باستِيلادِ حُكُومَةٍ مِنْ ذِئاب»
»Un peuple de moutons finit par engendrer un gouvernement de loups«
(Agatha Christie)