تظهر الصور القادمة من غزة عقب الضربة الإسرائيلية التي أصابت موكبا لعمال إغاثة، أن المركبات التي كانوا يستقلونها تم تمييزها بالشعار الخاص بمنظمة “وورلد سنترال كيتشن” الخيرية، بشكل واضح على مختلف جنباتها، مما أثار العديد من التساؤلات بشأن الواقعة، خاصة أنها لم تكن الأولى.
وأسفرت غارة جوية إسرائيلية على قافلة مساعدات في غزة، الإثنين الماضي، عن مقتل 7 من موظفي منظمة “وورلد سنترال كيتشن” الخيرية، من بينهم مواطنون من أستراليا وبريطانيا وبولندا والولايات المتحدة والأراضي الفلسطينية.
وأقرت إسرائيل أنها قتلت موظفي الإغاثة بشكل “غير متعمد”، ووعدت بإجراء تحقيق كامل. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه يجري “مراجعة شاملة على أعلى المستويات” لفهم ظروف ما وصفه بالحادث “المأساوي”.
وحسب الصور التي نقلتها وكالة رويترز للمركبات والضحايا عقب الضربة الجوية، فقد كان يبرز بشكل واضح شعار المنظمة الخيرية على مختلف جنباتها.
كما كان يرتدي الموظفون ملابس تحمل الشعار أيضا، مما وضع إسرائيل في مرمى الاتهامات بانتهاك القانون الدولي الإنساني، حسب ما يقول خبراء لموقع “الحرة”.
وتؤكد أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى الرحباني، لموقع “الحرة”، أن إبراز عمال الإغاثة اللوغو أو الشارة لتمييزهم في مناطق الصراع “يضعهم تحت الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني”.
وتضيف، “القانون يُحذر كليا من قتل المدنيين وموظفي الإغاثة، وإبراز الشارة يضمن حمايتهم، ويجب على الجيوش أن تحترم هذا، أي انتهاك يمثل جريمة حرب”.
وتنص القاعدة 56 من القانون الدولي الإنساني، على ضرورة أن “يؤمّن أطراف النزاع للأفراد المخوّلين العمل في الإغاثة الإنسانية، حرية الحركة اللازمة للقيام بوظائفهم. ويمكن تقييد حركتهم مؤقتا في حالات الضرورة العسكرية القهرية فحسب”، وفق ما يذكر الموقع الإلكتروني لمنظمة الصليب الأحمر الدولية.
ويعتبر خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، خلال حديثه مع موقع “الحرة”، أن “إسرائيل أخفقت في ضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني وتسهيل عملهم”.
ويعتبر، أن “الحادث الأخير يبرهن الانتهاك الصارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني التي تلزم أطراف النزاع المسلح بسلامة العاملين في المجال الإنساني”.
ويضيف، “عمال الإغاثة قتلوا بدم بارد والمسار الذي استُهدفوا فيه يقع خارج أي عدائيات أو أعمال عسكرية. كما تم التنسيق فيما يتعلق بالمرور فيه بين المنظمة والجيش الإسرائيلي”.
وتؤكد هذا أيضا منظمة “وورلد سنترال كيتشن”، التي قالت في بيان لها، إنه “على الرغم من تنسيق التحركات مع الجيش الإسرائيلي، تعرضت القافلة للقصف أثناء مغادرتها مستودعها في دير البلح، بعد تفريغ أكثر من 100 طن من المساعدات الغذائية الإنسانية التي جُلبت إلى غزة عن طريق البحر”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، أن “هيئة مستقلة واحترافية وتتمتع بالخبرة” ستتولى التحقيق في مقتل عمال الإغاثة.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إنه “سيتم التحقيق في الحادث عبر آلية تقصي الحقائق والتقييم التي وصفها بأنها هيئة مستقلة واحترافية وتتمتع بالخبرة”.
وتابع، “نعبر أيضا عن خالص الحزن للدول الحليفة التي بذلت وما زالت تبذل الكثير لمساعدة المحتاجين”.
ولدى إسرائيل سابقة وقعت في الفترة الأولى من اندلاع الحرب، تمثلت في قصف مركبة تقل صحفيين على الحدود مع لبنان، رغم أنهم كانوا يرتدون سترات وعليها شعار صحافة (PRESS)، مما أسفر عن مقتل مصور وكالة “رويترز”، عصام عبد الله، وإصابة آخرين من وكالة فرانس برس وقناة الجزيرة ورويترز، خلال تغطيتهم للأحداث في جنوب لبنان.
وخلصت تحقيقات لرويترز وفرانس برس نُشرت في ديسمبر الماضي، إلى أن “دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي، قتلت عبد الله (37 عاما) وأصابت 6 صحفيين في لبنان يوم 13 تشرين الاول، بإطلاق قذيفتين في تتابع سريع من داخل إسرائيل، بينما كان الصحفيون يصورون قصفا عبر الحدود”.
وردا على ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إن الحادث “وقع في منطقة قتال نشطة”، موضحا أنه “قيد المراجعة”.
وأضاف البيان أن “مقاتلي جماعة حزب الله شنوا هجوما عبر الحدود في ذلك الوقت”، وأن “القوات الإسرائيلية فتحت النار لمنع تسلل مسلح مشتبه به”.
وفيما يتعلق برد الحكومة الإسرائيلية على سؤال حول النتائج التي توصلت إليها تقارير لرويترز ووكالة فرانس برس ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، قال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيلون ليفي، في إفادة صحفية بثها التلفزيون: “نحن لا نستهدف المدنيين.. نبذل كل ما في وسعنا لإبعاد المدنيين عن الأذى”.
ويتمتع الصحفيون إلى جانب عمال الإغاثة والمدنيين، بالحماية بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني وفق الرحباني، والتي تقول إن الشعار “اللوغو” كان يجب أن تجنبهم الاستهداف الذي حدث.
قال البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، إنه “غاضب” من القصف الإسرائيلي الذي قتل سبعة من موظفي الإغاثة في منظمة “ورلد سنترال كيتشن” بغزة، وإن الرئيس، جو بايدن، اتصل بمؤسس منظمة الإغاثة الخيرية لتعزيته.
تشير الرحباني إلى أن الصليب الأحمر الدولي كان المنظمة الأولى في العالم التي طبقت مفهوم الشعار “اللوغو” في مناطق النزاعات لحماية موظفيها، ثم بعد ذلك تم اعتماده في اتفاقية جنيف الأولى عام 1864.
ونص القانون الإنساني الدولي على استخدام الشعارات والعلامات والإشارات المميزة أو الواقية، لتحديد وإخطار الحماية الخاصة لبعض الأنشطة الإنسانية أو السلمية أو الأشخاص أو المواقع.
كما نصت البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف على هذه العلامات المميزة، والتي تشير إلى أن الأشخاص أو الأشياء التي ترتدي أو تحمل العلامات تستفيد من حماية دولية محددة، ويجب ألا يكونوا هدفا لأي هجوم أو عمل من أعمال العنف، حسبما تشير منظمة أطباء بلا حدود عبر موقعها الإلكتروني.
أما فيما يتعلق بالجانب العملياتي والعسكري، فيؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي، سمير راغب، أن “الغارة الجوية التي استهدفت عمال الإغاثة، قد ترجع إلى احتمالين، هما قصف متعمد أو ضعف كفاءة وإهمال”.
ويضيف لموقع “الحرة”، أن “الضربة الجوية استهدفت 3 مركبات مختلفة… كما كانت هناك مسافة بين كل مركبة وأخرى، وبالتالي هي هجمات منفصلة، ولا يُستبعد في هذه الحالة القصف المتعمد”.
ويتابع راغب، “إسرائيل استخدمت طائرات مسيّرة، تتميز بكشف تفاصيل المركبات وتبعيتها، بما في ذلك من خلال (اللوغو). والأهم من ذلك التنسيق مع الجانب الإسرائيلي”.
ويعلم الجيش الإسرائيلي أن هذه الأهداف يجب حمايتها، حسب ما يقول راغب، والذي يضيف: “بالتالي لو لم يكن هناك تعمد في استهداف عمال الإغاثة، فهذا يشير إلى إهمال أو ضعف كفاءة”.
ويشير الخبير العسكري إلى أن “ضعف الكفاءة قد يؤدي إلى أن المنظومة لا تلتزم بالتنسيقات ولا تلتزم بالتمييز”، مؤكدا أن “من أساسيات الحرب.. تمييز الأهداف الحربية والمعادية، وتفادي الأهداف المدنية أو الصديقة”.
وحاول موقع “الحرة” التواصل مع متحدثين باسم الجيش الإسرائيلي عبر تطبيق “واتساب” للحصول على تعليق حول ما يثيره الخبراء، دون أي رد حتى نشر هذا التقرير.
ورغم أن القانون الدولي الإنساني يضمن تأمين الأفراد المخوّلين للعمل في الإغاثة الإنسانية، فإنه يتيح تقييد حركتهم مؤقتا في حالات الضرورة العسكرية القهرية، وفق ما يذكر الموقع الإلكتروني لمنظمة الصليب الأحمر الدولية.
وتؤكد هذا أيضا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، التي تقول إن “مفهوم الضرورة العسكرية يستخدم لتبرير اللجوء للعنف خلال مناطق الصراع، ويتزامن مع أحداث عسكرية لا يمكن إنجازها إلا بهذا الإجراء العسكري المصيري”.
وتتابع، “هذا يحتم على ضرورة عدم التذرع بوجود مسلح واحد قد يؤثر على الأوضاع حال عدم قتله، لأن البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 لاتفاقية جنيف، واضح فيما يتعلق بالضرورة العسكرية، وهو أن هذا العمل يخدم بشكل فعال الضرورة العسكرية”.
وأضافت، “جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية”.
واندلعت الحرب في غزة إثر هجمات حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
في المقابل، قتل نحو 33 ألف شخص في قطاع غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في غزة، إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة، فيما نزح مئات الآلاف من منازلهم متجهين إلى جنوبي القطاع، في محاولة للنجاة.