تسري مخاوف داخل إسرائيل، التي تعاني اقتصاديا منذ اندلاع حرب غزة، من نزيف خسائر جديدة بالمليارات، في حال قيام الولايات المتحدة بوضع علامات على البضائع المستوردة بأنها قادمة من المستوطنات وليس من إسرائيل.
وفي ظل غضب الكثير من الأميركيين من الممارسات الإسرائيلية خلال الحرب، فالمتوقّع العزوف عن شراء هذه المنتجات، وفق محلليْن سياسيين، يوضّحان لموقع “سكاي نيوز عربية” لماذا قد تتخذ واشنطن هذا القرار الذي ظلّت ترفضه سنوات طويلة، في حين أقرّه الاتحاد الأوروبي؟
وتتزامن الخطوة الأميركية مع دراسة واشنطن إبرام صفقة أسلحة كبرى مع تل أبيب، مما يثير تساؤلا بشأن تأثير مسألة منتجات المستوطنات على علاقات البلدين.
حسب صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية في خبر نشرته الجمعة، فإن تقارير إعلامية أميركية أكدت أن تخطيط واشنطن للتعريف بالمنتجات المقبلة من المستوطنات هو رد على إعلان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بتأميم أراضٍ خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لإسرائيل.
وصادق سموتريتش في 22 آذار الماضي، على مصادرة 8 آلاف دونم في منطقة غور الأردن، واعتبارها أراضي دولة. وذكرت القناة السابعة الإسرائيلية حينها أنه تم تخصيصها لبناء مئات الوحدات السكنية في منطقة “موشاف يافيت”، بالإضافة إلى مشروعات للصناعة والتجارة.
وأكدت واشنطن رفضها لهذا الأمر، وردّت بعدة مواقف أغضبت تل أبيب، أوّلها الامتناع عن استخدام حق النقض “الفيتو” ضد قرار تبنّاه مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة.
إلا أن موعد اتخاذ قرار رسمي بالتعريف بمنتجات المستوطنات ما يزال مجهولا، لكنه يعبّر عن اتساع الصدع بين البلدين نتيجة الحرب في غزة، وزيادة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفق “يديعوت أحرنوت” وصحف أميركية.
وسبق أن وافق الاتحاد الأوروبي عام 2019 على لوائح تتطلّب وضع علامة على منتجات المستوطنات على أن منشأها هو “الأراضي المحتلة”؛ مما يحظر تصنيفها على أنها منتجات لإسرائيل.
وكانت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، اتخذت قرارا في 2020، بتصنيف منتجات المستوطنات على أنها مصنوعة في إسرائيل.
ماذا يعني ذلك؟
يوضّح الخبير الاقتصادي، يوسف التابعي، ما سيترتّب على القرار الأميركي بخصوص منتجات المستوطنات:
وسم المنتجات المقصود منه الإشارة لموقع المصنع المُنشئ للبضائع على الأراضي التي احتلتها إسرائيل من فلسطين منذ يونيو 1967.
عند تسلّم الدولة للبضائع الإسرائيلية تقوم هي بوضع إشارة مكتوب عليها مصنوعة في مستوطنات إسرائيلية على أراضٍ فلسطينية.
بريطانيا أوّل دولة فعلت ذلك وبعدها الدنمارك وبلجيكا، وحدّد الاتحاد الأوروبي أن كل البضائع القادمة من الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان يجب أن تُوضع عليها إشارة أنها خارجة من المستوطنات.
حاولت إسرائيل التلاعب وإخفاء هوية مكان المنشأ، لكن محكمة العدل الأوروبية قضت بإلزام إسرائيل بتحديد موقع الإنتاج، وإلا تعرّضت لعقوبات اقتصادية.
تسبّب هذا الوسم في عزوف فئة كبيرة من المستهلكين عن المنتجات الإسرائيلة؛ ما تسبّب في خسائر بمليارات الدولارات.
أما الولايات المتحدة، فرفضت فعل ذلك سابقا، وكانت المنتجات الإسرائيلية تدخلها دون وضع علامات عليها، ويبلغ حجم التجارة بين البلدين 50 مليار دولار.
علّق المحلل السياسي الأميركي، جواد الشامي، على الخطوة الأميركية بالقول: هذا الإجراء يوضّح مدى تفاقم الخلاف بين الدولتين، خاصةً أن أميركا سبق وأن رفضت هذا الإجراء، بل وكانت تضغط على أوروبا لتتراجَع عنه.
لكن لجأت واشنطن لهذا الإجراء الآن مع الغضب الداخلي في أميركا على إسرائيل، وسيسبّب التعريف بالمنتجات الإسرائيلية القادمة من المستوطنات في عزوف الكثيرين عن شرائها.
وقد يكون التلويح بهذا الإجراء مجرد تهديد، ويمكن العزوف عنه حال تراجعت السياسة المتطرّفة لحكومة بنيامين نتنياهو.
إسرائيل تصدّر لأميركا منتجات بنحو 20 مليار دولار، غير معلوم كم منها يخرج من المستوطنات.
إلا أنّ تخطيط إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن منتجات المستوطنات، ورغم إغضابه لإسرائيل، فليس متوقعا أن يمثّل تحوّلا كبيرا في العلاقات.
فالجمعة، أجاب بايدن بسخرية عن سؤال لصحفي خلال مغادرته البيت الأبيض، بشأن ما إن كان سيتخلّى عن دعم إسرائيل؛ حيث رد على الصحفي قائلا: “مِن أين أنت يا رجل؟”، قبل أن يتساءل “هل هذا سؤال جدي؟”
وقال بايدن إن إسرائيل تقوم بما طلبته الولايات المتحدة على صعيد إيصال المساعدات إلى غزة، وذلك غداة تحذير وجّهه إلى نتنياهو خلال مكالمة هاتفية استمرّت 30 دقيقة.
وقبل أيام قليلة من ذلك، ذكرت صحيفة “بوليتكو” الأميركية أن إدارة بايدن تدرس الموافقة على صفقة بيع أسلحة جديدة تاريخية إلى تل أبيب بقيمة 18 مليار دولار، وتشمل ما يصل إلى 50 طائرة مقاتلة جديدة من طراز “إف-15″، و30 صاروخا جو متوسط المدى، إضافة إلى ذخائر ومعدات يمكنها تحويل القنابل غير الموجّهة إلى أسلحة دقيقة.
وقد تتحوّل صفقة الأسلحة إلى ورقة مساومة في يد واشنطن لإجبار إسرائيل على تحقيق رؤيتها في غزة، خاصةً عدم تنفيذ عملية عسكرية واسعة لاجتياح رفح تتسبّب في حدوث مذابح بين النازحين المكدسين في المدينة الواقعة قرب الحدود مع مصر.