بعد مقتل أبناء هنية… تساؤلات حول مصير المفاوضات “المعقدة” بين إسرائيل وحماس

يثير مقتل عدد من أفراد عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في غارة إسرائيلية بقطاع غزة، تساؤلا حول مصير المفاوضات “المعقدة” بين إسرائيل والحركة بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن، خاصة مع تمسك كل طرف بمطالب محددة.

وأكد الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، تنفيذه غارة أدت إلى مقتل 3 من أبناء هنية، قائلا إن الأبناء الثلاثة “من أعضاء الجناح العسكري للحركة”.

وردا على سؤال عن الأحفاد الأربعة الذين قتلوا أيضا في القصف، قال الجيش الإسرائيلي، حسب رويترز: “لا معلومات عن ذلك الآن”.


وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، الخميس، أن الغارة الجوية جاءت “دون استشارة كبار القادة أو الزعماء السياسيين، لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو”.

ونقل موقع “والا” الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم، إن نتانياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، لم يعلما مسبقا بالضربة الجوية التي تمت بتنسيق بين الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي “شين بيت”.

وفي حديثهم مع موقع “الحرة”، استبعد محللون تأثيرا يُذكر لمقتل أفراد من عائلة هنية على المفاوضات الرامية إلى التوصل لوقف الحرب في غزة، التي دخلت شهرها السابع هذا الأسبوع، مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين البالغ عددهم 130، من بينهم 34 على الأقل لقوا حتفهم، وفقا لتقديرات إسرائيلية.

واستبعد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، عضو اللجنة المركزية لحزب العمل، مئير مصري، أن يؤثر مقتل أفراد من عائلة هنية على المفاوضات، مشيرا لموقع الحرة، إلى أن “مفتاح نجاح المفاوضات في يد القطريين”.

ويتفق مع هذا المحلل السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، الذي يقول: “أبناء هنية كانوا مخربين، لذلك تم استهدافهم باعتبارهم أعضاء منظمة إرهابية تسببت في قتل الإسرائيليين في 7 تشرين الاول”.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عصمت منصور، أن “الاستهداف قد يكون له تأثير عاطفي لحظي. ويهدف إلى استدراج ردة فعل حماس وزيادة الضغوط عليها”.

لكنه يستبعد أن يتسبب مقتل أبناء هنية وأحفاده في “تعقيد المفاوضات”. ويقول منصور لموقع “الحرة”: “لا أعتقد أن هذا الحدث، رغم تأثيره المعنوي والنفسي، ستكون له تداعيات على المفاوضات المصيرية”.

ويضيف: “القرارات الخاص بالهدنة ومستقبل القطاع وحتى مستقبل حماس، لا يمكن بطبيعة الحال أن تتخذ بشكل فردي وعاطفي”.

ويؤكد ذلك أيضا المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف عكة، الذي يقول لموقع الحرة: “لن تحاول حماس استخدام مقتل أفراد من عائلة هنية من أجل تعقيد موقف المفاوضات”، معتبرا أن ما حدث “يعكس غرور إسرائيل وعدم قدرتها على فرض ما تريده على طاولة المفاوضات”.

“ورقة الرهائن”
ويأتي استهداف أفراد عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المقيم في قطر، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير عن عدم تقدم المحادثات غير المباشرة التي استؤنفت في العاصمة المصرية القاهرة هذا الأسبوع، بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن المختطفين في غزة، مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين.

ونقلت رويترز، الأربعاء، عن مسؤولين إسرائيليين، أن بلادهم “وافقت خلال محادثات في مصر، على تنازلات تتعلق بعودة الفلسطينيين إلى شمالي القطاع، لكنها تعتقد أن حماس لا تريد التوصل إلى اتفاق”.

وقال المسؤولان المطلعان على المحادثات، إنه “بموجب اقتراح أميركي بشأن الهدنة، ستسمح إسرائيل بعودة 150 ألف فلسطيني إلى شمالي غزة دون فحوصات أمنية، مقارنة بمقترح إسرائيلي سابق عند “60 ألفا دون الرجال، ويشترط مرورهم عبر نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية”، تحدثت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

وأضافا المسؤولان لرويترز أنه في المقابل، “سيُطلب من حماس تقديم قائمة بأسماء الرهائن من النساء والمسنين والمرضى الذين تحتجزهم وما زالوا على قيد الحياة”.

وقبل ذلك بيوم، قالت حماس إنها تدرس مقترحا إسرائيليا لوقف إطلاق النار، لكن الموقف الإسرائيلي “متعنت” ولا يلبي أيا من المطالب الفلسطينية.

وتريد حماس إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية والانسحاب من القطاع والسماح للفلسطينيين النازحين بالعودة إلى ديارهم.

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، أن “إصرار حماس على شروطها، يرجع إلى رغبتها في إظهار أنها لا تزال تمتلك القرار في شيء، بحثا عن صورة انتصار بغض النظر عن الثمن”.

ويضيف مصري: “علينا أن ندرك تماما أن المختطفين الإسرائيليين هم ورقة الضغط الوحيدة التي لدى حماس، فلماذا تسلمها لإسرائيل في حين أن الأخيرة مُصرة على القضاء عليها؟”.

ويتابع: “الغريب في الأمر هو أن حماس لا تزال تفرض شروطا للتوصل إلى هدنة، في حين أنها هي التي طالبت وتطالب بهذه الهدنة!.. إسرائيل غير معنية بوقف القتال قبل استئصال حماس نهائيا”.

بدوره، يحمّل كيدار، حماس مسؤولية تعقد المحادثات، ويقول إن “عملية إطلاق سراح المختطفين ليست على طاولة المحادثات بالنسبة للمنظمة الإرهابية، على عكس إسرائيل التي تركز على الإفراج عن الرهائن؛ لذلك هناك تباعد في الموقفين بشكل كامل، وهذا أساس الأزمة”.

ويضيف: “الحركة الإرهابية تستخدم المختطفين الإسرائيليين في سبيل الحفاظ على حياة يحيى السنوار (زعيم حركة حماس في غزة)، ولا يهمها سكان قطاع غزة”.

ويتابع كيدار: “حتى اليوم حماس لم تعلن عن أسماء المخطوفين الأحياء لديها ومن هم الذين فارقوا الحياة.. ليس هناك أي شيء على الطاولة يمكن التباحث من أجله”.

ويتساءل كيدار “على ماذا نحن نجري محادثات؟ لا أحد يعلم! لماذا يجب أن ندخل هذه المحادثات من الأساس في ظل عدم وجود بيانات واضحة بشأن الرهائن الإسرائيليين؟”.

وهذا الأسبوع، كشفت تصريحات مسؤولين من إسرائيل وحماس حول الرهائن الذين تنطبق عليهم معايير التبادل بموجب وقف إطلاق النار المقترح في غزة، عن قلة معلومات عن وضع المختطفين الـ130، مما يثير المخاوف بشأن مصيرهم في ظل المفاوضات المتعثرة.

وقال مسؤول في حماس، إن الحركة “لا تمتلك 40 رهينة على قيد الحياة في غزة ممن تنطبق عليهم المعايير”، كما كرر مسؤول إسرائيلي الأمر، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

كما أشار تقرير آخر بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، إلى أن المفاوضات حول المختطفين تجري في وقت لا يعرف فيه الإسرائيليون عدد من بقي على قيد الحياة من بينهم.

يرى منصور أن إصرار حماس على شروطها ينبع من “سعيها لتحقيق أكبر قدر من مطالبها، أو على الأقل الوصول إلى الحد الأدنى الذي يرقى إلى حجم التضحيات والأثمان التي دفعت منذ اندلاع الحرب”.

ويقول إن “الشروط الإسرائيلية تعجيزية، وتفرض أمرا واقعا جديدا سياسيا وأمنيا في القطاع، وأن التسليم به له تداعيات بعيدة المدى، لذلك فإن إصرار حماس طبيعي ويستند على مخاوف من العواقب بعيدة المدى لإسرائيل ومشاريعها في غزة”.

فيما يشدد عكة على أن “المطروح من تفاصيل بشأن الاتفاق، من قضايا لها علاقة بالانسحاب وعدد السكان الذين سيعودون إلى الشمال، وتموضع الجيش الإسرائيلي، ليس هو جوهر تعقد المفاوضات الحالية”.

ويستطرد: “حماس تريد تعهدا واضحا أو إشارة واضحة لوقف إطلاق نار شبه مستدام ونهاية هذه الحرب في ظل الضغوط الدولية والإقليمية، وهو الأمر الذي قد يقلل من فرص الوصول إلى صفقة”.

ويعتبر عكة أن تزايد التوترات بين إيران وإسرائيل على خلفية استهداف السفارة الإيرانية بدمشق، قد يزيد من “تصلب موقف حماس، وستتمسك أكثر بشروطها.. لأنها كانت تريد منذ اللحظة الأولى أن تكون حربا شاملة كبيرة”.

وخلال الأيام الماضية، هدد المسؤولون الإيرانيون علنا بالانتقام من إسرائيل بسبب هجوم استهدف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق قبل أسبوع، وأدى إلى مقتل 7 عناصر من الحرس الثوري، بينهم اثنان من كبار الضباط.

والخميس، قال نتانياهو، إن إسرائيل “مستعدة لسيناريوهات في مناطق أخرى” بعيدا عن قطاع غزة، محذرا من أن بلاده “ستضرب من يضربها”.

دعا الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، حركة حماس إلى الرد على مقترح تقدم به الوسطاء لهدنة في غزة تشمل إطلاق سراح رهائن، مطالبا نتانياهو بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى القطاع، وفقا لوكالتي فرانس برس ورويترز.

وتدعو الخطة، التي قدمها مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، إلى مسؤولين من إسرائيل وحماس وقطر ومصر في القاهرة، الأحد، إلى وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع في غزة، وخلال تلك الفترة تطلق حماس سراح 40 من أكثر من 100 رهينة تحتجزهم الحركة في القطاع، مقابل 900 معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية، بينهم 100 يقضون أحكاما طويلة.

والآن بعد أن طرحت الولايات المتحدة رؤيتها، بات من الصعب لأي طرف من الطرفين رفضها، وفق منصور، الذي يقول: “حماس قد يكون لديها بعض التحفظات أو تطالب ببعض التعديلات، كما الحال مع إسرائيل”.

ويؤكد منصور أن “الضغط، سواء الضغط الإنساني في غزة أو الداخلي بإسرائيل فيما يتعلق بأهالي الرهائن، قد يعزز من فرص التوصل إلى اتفاق”.

ويضيف: “في هذه الحالة لا يوجد مسار ثالث.. إما مفاوضات أو الاستمرار في القتال إلى الأبد”.

ويعتبر منصور أن فشل المفاوضات سيكون له “تداعيات صعبة، حيث ستستغل إسرائيل الأمر للتصعيد في رفح وتعزز القناعة بأن فقط الضغط العسكري يمكن أن يؤدي إلى صفقة، مما سيكون له ثمن كارثي على المستوى الإنساني، خصوصا أن رفح لها وضع خاص بالنظر إلى عدد السكان والنازحين”.

من جانبه، يؤكد مصري أن إسرائيل “لن تتراجع عن تصميمها على القضاء على حماس”، مشيرا إلى أن “أي تراجع بخصوص هدف الحرب سيُعد انتصارا لمحور إيران، وهذا ما لن يقبل به أحد في المنطقة”.

ويضيف: “السبب الوحيد الذي من شأنه أن ينجح المفاوضات، هو تكثيف الضغط الأميركي على الدوحة، عاصمة حماس، ممولها ومعقل قياداتها”.

ويتوقع كيدار ألا تفضي المحادثات الجارية إلى أي اتفاق يذكر، ويقول: “ليست هناك نقاط التقاء. حماس تريد الاحتفاظ بالمختطفين إلى الأبد لكي يستخدموهم دروعا بشرية، بعد أن تبين أن أهالي غزة ليسوا دروعا بما يكفي لحماية الإرهابيين”.

ويتابع: “لا يمكن الوصول إلى اتفاق يتضمن إطلاق سراح المخطوفين وفي نفس الوقت يبقي حماس في حكم قطاع غزة”.

في المقابل، يعتقد عكة أن “حماس في طريقها بشكل أو بآخر إلى قبول صفقة”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن الحديث عن تعثر مفاوضات في الوقت الراهن، لأن المحادثات ستكون طويلة بعض الشيء، من أجل الوصول لتفاهمات فيما يتعلق بالمطالب والاستحقاقات”.

ويتابع: “كل طرف يضع ما يريد من المطالب وأهداف، لأن هذه المفاوضات تحدد شكل وملامح المرحلة المستقبلية من جهة، ومن المنتصر من جهة ثانية”.

واندلعت الحرب في غزة إثر هجمات حماس (المصنفة إرهابية داخل الولايات المتحدة ودول أخرى)، التي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

كما خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.

في المقابل، قُتل أكثر من 33 ألف شخص في قطاع غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في غزة، إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة، فيما نزح مئات الآلاف من منازلهم متجهين إلى جنوبي القطاع، هربا من القتال.