يخفي تصريح “الهدف التالي” الذي أطلقه مصدر إيراني يوم تنفيذ “الرد على إسرائيل” وراءه الكثير، حسبما يرى خبراء ومراقبون في الأردن، ورغم غياب تداعياته الآنية لا يعني ذلك عدم حصولها لاحقا، لاعتبارات تتعلق بما سبقها من تطورات وأحداث سابقة.
التصريح الذي نشرته وكالة “فارس” الإيرانية قصدت به المملكة كونها ساحة عبور للمسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل، وحملت الكلمات الذي نقلتها عن المصدر تهديدا بشقين: “في حالة دعم عمليات الاعتراض ستكونون هدفا في المرة المقبلة”. وبعدما أعلن الأردن “اعتراض أجسام طائرة والتصدي لها في إشارة إلى المسيرات التي أطلقتها إيران استدعى السفير الإيراني لديه، وسلمه الأحد رسالة احتجاجا على التصريحات المسيئة”.
واعتبر الصفدي أن “مشكلة إيران مع إسرائيل وليست مع الأردن، ولا إيران ولا غيرها تستطيع المزاودة على ما يقوم به الأردن وما يقدّمه وما قدّمه تاريخيا من أجل فلسطين”. وأضاف، “نحن نريد علاقات طيبة مع كل دول الإقليم بما فيها إيران وحتى نصل إلى هذه العلاقات الطيبة يجب احترام الآخر ويجب عدم التدخل بالشؤون الداخلية”. ولفت في حديثه، إلى “حوادث سابقة استهدفت الأردن وارتبطت بإيران، بينها تهريب للمخدرات والسلاح من سوريا، و”هجمات سيبرانية تمت على مؤسساتنا في المملكة الأردنية الهاشمية وغيرها من التهديدات”، حسب قوله. وللأردن حدود طويلة مع إسرائيل وخط ساحلي صغير على البحر الأحمر بجوار مدينة إيلات، ومنذ بدء الحرب في غزة شهد عدة أحداث يقول مراقبون إنه لا يمكن فصلها عن تهديد “الهدف التالي”. آخر الأحداث تمثلت بالتظاهرات التي خرجت بالقرب من السفارة الإسرائيلية في حي الرابية بالعاصمة عمّان، والتحذيرات والاتهامات التي تخللتها بوجود “تدخلات من جهات غير أردنية لتأجيج الوضع في المملكة”، في إشارة إلى جهات مرتبطة بإيران وحركات إسلامية. وازداد وقع الاتهامات بعد البيان الذي أصدره “أبو علي العسكري”، المسؤول الأمني في “كتائب حزب الله” العراقية، إذ قال فيه قبل أسابيع إن “المقاومة في العراق أعدت عدتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة”. أحداث أخرى حمّلت أياد إيران “الخفية” كما يوضح الأستاذ الأردني والجيوسياسي عامر السبايلة ووزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، بينها حشد طهران لفصائل عراقية مرتبطة بها على حدود الأردن، تحت مزاعم “نصرة غزة”. إضافة إلى تصعيد الميليشيات التي تتبع لها في جنوب سوريا لعمليات تهريب المخدرات، لتصل بعد الحرب إلى حد تهريب الأسلحة والمتفجرات والذخائر، وفق حديث الخبراء لموقع “الحرة”. وشرح السبايلة في حديثه ل”الحرة”، أن “الأردن جزء أساسي من تدريبات القيادة الوسطى الأميركية، ودائما ما انخرط في مسار تدريبات حماية الأجواء في سيناريوهات متعددة”. واضاف، ان “فكرة الخطر القادم عبر الجو وكيفية التعامل معه كان موجودا في السابق بغض النظر عن الجهة المرسلة لهذا التهديد”. فيما يتعلق برسالة التهديد الإيرانية، اعتبر الباحث الأردني أن إيران ومنذ فترات طويلة تضع المملكة نصب عينها. واشار إلى جملة أحداث سابقة بينها تأسيس ميليشيات في جنوب سوريا ومحاولة إيران إغراق الأردن بالمخدرات والسلاح. واردف السبايلة، “إيران تسعى من وراء ذلك إلى اختراق الأردن وإضعافه وتحويله لمنصة لنقل السلاح”. وتعتقد في ذات السياق أن “هدف إكمال حلقة إسقاط إسرائيل في المصيدة الإيرانية لا يمكن أن يتم إلا بتغريغ الجغرافيا الأردنية”، وفق حديث الباحث الأردني. وتتحدث الأوساط الأردنية منذ سنوات عن “محاولات إيرانية لاختراق ساحة المملكة”، كما يوضح وزير الإعلام الأسبق، سميح معايطة لموقع “الحرة”. وقال إنه ورغم فشل تلك المحاولات إلا أنها ما تزال قائمة حتى الآن، وكان آخرها التهديد الذي أطلقه الإيرانيون ساعة تنفيذ “ردهم على إسرائيل”. واشار معايطة إلى أن “ما تعمل عليه إيران لم ولا يقتصر على تأسيس الميليشيات وعصابات المخدرات والسلاح على الأرض فحسب، بل وصل إلى “محاولات الاختراق السياسية عن طريق الأتباع والمخالب”. واعتبر، أن “الأردن يشكّل عقدة واضحة بالنسبة لإيران، وهو واضح منذ سنوات”. ولم يصدر أي تعليق من جانب طهران بشأن رسالة الاحتجاج التي أعلن وزير الخارجية الصفدي تسليمها للسفير الإيراني في الأردن، امس الأحد. وكذلك لم توضح على نحو أكبر ماهية التهديد الذي نشرته وكالتها الرسمية “فارس”. يجاور الأردن من الشمال سوريا الدولة الممزقة التي بنت فيها إيران نفوذا كبيرا من خلال الميليشيات منذ تدخلها لمنع سقوط بشار الأسد في 2012. ومن الشرق ترتبط مع العراق بشريط حدودي، البلد الذي يضم ميليشيات كثيرة يدين معظمها بالولاء لإيران أيضا. ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن إيران تريد “أن يظل الأردن محايدا تماما في الصراع إلى درجة سماحه بأن يكون ناقلا للهجمات الإيرانية على إسرائيل”. ويقول ل “الحرة” إن “عمّان وفي أعقاب التهديد ومرحلة الرد الإيراني قد تلجأ إلى حلفائها الدوليين للحصول على دفاع دبلوماسي وعسكري”. ويتضمن الشق العسكري التنسيق مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السعودية، لمواصلة الدفاع عن المجال الجوي الأردني ومنع المزيد من الهجمات الإيرانية المحتملة تجاه إسرائيل. ويتابع بوهل الأردن قد يلجأ دبلوماسيا إلى دول الخليج العربية، مثل قطر، لمحاولة إقناع إيران بعدم استخدام أراضيه كوسيلة لتوجيه ضربات إلى إسرائيل حتى لا يضطر إلى اتخاذ هذه الخطوات العسكرية. ولم يعد الموضوع بين إيران والأردن مرتبطا بتصعيد لفظي فقط، بل تطور إلى حد “التصعيد العملياتي”، كما ينظر الباحث السبايلة إلى مجريات الأمور. وعلى أساس ذلك يقول إن “الرد الأردني قبل يومين كان حاسما وسريعا وواضحا، بغض النظر عما كانت تعمل عليه إيران من ضرب الداخل وتهييج الرأي العام والتسويق لفكرة المنقذ ضد إسرائيل”. وسبق وأن استشعر الأردن الخطر الذي انعكست البعض من تبعاته قبل يومين. وكان قد طلب من واشنطن في 30 من تشرين الاول 2023 أي بعد 23 يوما من بدء الحرب في غزة تزويده بمنظومة الدفاع “باتريوت” ومنظومات أخرى لمواجهة الطائرات المسيرة. وفي ذات الشهر تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن “إيران تمكنت عبر شبكة الميليشيات الموالية لها، من إنشاء ممر بري عبر العراق وسوريا إلى لبنان، ومن خلال الأردن إلى الضفة الغربية، مما سمح لها بنقل المسلحين والمعدات والأسلحة إلى حلفائها في المنطقة”. فيما يتعلق بالضفة الغربية، أشار تقرير الصحيفة، حينها، إلى أن “الأسلحة التي وفرتها إيران كانت تدخل إلى الأردن بشكل غير شرعي ومن ثم تصل إلى الضفة الغربية”. ونقلت عن مسؤول أمني أردني كبير قوله إن “شبكات من المهربين آخذة في النمو بمساعدة من الحكومة السورية والميليشيات المدعومة من إيران مثل حزب الله اللبناني”. ويرى وزير الإعلام الأردني الأسبق، معايطه، أن “جزءا من التهديد الذي أطلقته إيران حيال الأردن يرتبط بفشل “ردها” وخيبة أمل حلفائها في المنطقة”. ورغم عدم حصول أي تداعيات على الأرض يعتبر الوزير الأسبق أن “المرحلة مازالت قلقة”، ويقول إن “استمرار العدوان على غزة وغياب أي بادرة سياسية قد تدفع بمزيد من المخاطر”. “الأردن في منطقة غير آمنة والإيرانيون لديهم أطماع ويحاولون العبث بحجة نصرة فلسطين، واستكمال مشروعهم الفارسي”، على حد تعبير معايطة. ورغم “التعامل بجدية مع التحديات” يوضح المسؤول السابق أن “طول أمد العدوان على غزة يصعب المسائل ويفرز أنواع جديدة من المخاطر”. |