أفادت تقارير وتقديرات سياسية وحقوقية أن الحكومة الإسرائيلية تلقت رسائل حول إمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد مسؤولين إسرائيليين كبار من ضمنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويعكس الصمت الإسرائيلي الرسمي تجاه هذه التقارير الهواجس التي تعيشها تل أبيب بظل استمرار الحرب على غزة، مع ازدياد التقديرات بإمكانية تقديمها للمحاكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ووسط الرسائل التحذيرية الدولية، عقد ديوان نتنياهو جلسة سرية الثلاثاء، تم خلالها استعراض سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جدية مرتبطة بصدور مذكرات اعتقال دولية بحق قيادات أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية، وذلك حسب تقرير للقناة 12 الإسرائيلية الخميس.
وشارك بالمشاورات السرية كل من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ووزير القضاء ياريف ليفين، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، بالإضافة لمختصين ومحامين يتعاملون مع هذه القضية في وزارة الخارجية والأمن.
وهيمنت على النقاشات مسألة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتصريحات عدة دول بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، فضلا عن معاملة السكان المدنيين في قطاع غزة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة.
وأوضح مراسل الشؤون السياسية في القناة 12 الإسرائيلية يارون إبراهام، أن المشاورات السرية والطارئة التي عقدت بعيدا عن الإعلام في مكتب نتنياهو بمشاركة كبار قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية والقضائية بإسرائيل، تؤكد جدية الرسائل التحذيرية والخوف من إصدار أوامر اعتقال دولية ضد قادة إسرائيليين، في ظل استمرار الحرب على غزة.
وبحسب التقديرات، يقول إبراهام، إن فرصة إصدار مذكرات الاعتقال زادت بشكل كبير، وربما تتم محاولة إصدارها في نهاية أيار المقبل.
وعليه، حسب المراسل، تقرر في نهاية جلسة الاستماع السرية التحرك قبالة المحكمة في لاهاي، والتوجه لجهات دبلوماسية دولية ذات نفوذ وتأثير من أجل منع صدور أوامر الاعتقال، بدون الكشف عن هوية هذه الجهات، التي يرجّح أن تكون أوروبية وأميركية.
لكن المراسل كشف النقاب عن أن نتنياهو، وفي لقاءاته أيضا مع وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا بالقدس، طلب مساعدتهم في القضية أمام المحكمة الدولية. وقال إبراهام إن “هذا تعقيد قانوني ليس بسيطا، وهو ما تدركه إسرائيل من الماضي، لكنه يبدو الآن أكثر قوة وتعقيدا بعد الحرب في غزة المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول الماضي”.
ولم تستبعد صحيفة “معاريف” في تعليقها على التحركات ضد إسرائيل بالمحكمة الدولية أن يتم تقديم نتنياهو إلى المحاكمة الدولية في حال لم يتم الامتثال للأوامر الصادرة عن المحكمة، والتي قد تتمثل بقرارات مستقبلية تطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقدرت الصحيفة أن الرسائل التحذيرية جدية، مستذكرة انضمام المزيد من الدول إلى الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنع دخول المساعدات والإغاثة، وعدم تجنبها استهداف المدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا لاتفاقية جنيف عام 1949، بشأن حماية الأشخاص المدنيين.
وبشأن الإجراءات الرسمية التي تقوم بها إسرائيل لمنع صدور أوامر الاعتقال، لفتت الصحيفة إلى تجند بعض الدول الأوروبية إلى جانب إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، مستشهدة بإعلان الحكومة الألمانية قبالة المحكمة أن أمن إسرائيل هو “جوهر” أمنها القومي، وذلك ردا على الدعوى القضائية التي رفعتها نيكاراغوا ضدها واتهامها بالتواطؤ مع “الإبادة الجماعية بغزة”، بسبب المساعدة الأمنية لإسرائيل.
وخلص تقرير صادر عن مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب بعنوان “قرار محكمة لاهاي.. إنجاز عملي وإشارة تحذير”، إلى أن المحكمة الدولية لم تقبل طلب إسرائيل برفض الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا وأمرت بإصدار عدد من الأوامر المؤقتة، والتي ستكون سارية المفعول حتى صدور الحكم النهائي في هذه الدعوى المتوقع أن تستمر عدة سنوات، وهو ما يعتبر إشارة تحذير لإسرائيل.
ولفت التقرير إلى أن اتفاقية حظر الإبادة الجماعية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1951، تعرّف هذه الإبادة بأنها “أفعال معينة ترتكب ضد أفراد مجموعة قومية أو دينية أو إثنية أو عنصرية، بقصد تدمير المجموعة كليا أو جزئيا”، وهي الشبهات المنسوبة لإسرائيل في كتاب الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا.
وأوضح التقرير أن القلق الرئيسي لإسرائيل يتعلق بأن تصدر المحكمة قرارا بوقف إطلاق النار في غزة من جانب واحد، دون أن تكون قادرة على إجبار حماس على القيام بذلك أيضا.
وفي ضوء ذلك، خلص التقرير إلى أنه “ستكون إسرائيل مطالبة بالتصرف بطريقة مسؤولة وحكيمة فيما يتعلق بالحملة القانونية التي تُشن ضدها بشكل عام، وخاصة فيما يتعلق بإجراءات المحكمة الدولية”.
وخلافا للصمت الحكومي الإسرائيلي الرسمي، أظهر نشطاء ومعارضون لحكومة نتنياهو ولخطة التعديلات في الجهاز القضائي الإسرائيلي، ومنهم قائمون على الاحتجاجات المطالبة بصفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، تفاعلا مع الرسائل التحذيرية من المحكمة الدولية، واعتبروها رسالة ردع وتحذير للقادة الإسرائيليين.
وغرّدت الناشطة الإسرائيلية دليلة مور، على حسابها بمنصة “إكس” قائلة “لسنوات عديدة، يدّعي اليسار والمحكمة العليا أنه فقط بسبب المحكمة العليا لم يتم وضع كبار المسؤولين الإسرائيليين في قفص الاتهام في محكمة لاهاي، لكن اليوم يحدث ذلك، وهناك احتمال كبير لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين من المحكمة الجنائية، لقد أكلنا الطعم واتُهمنا في لاهاي”.
وكتب عامي درور، أحد النشطاء الذين يقودون الاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية “العالم لا يتوقف للحظة واحدة، ويواصل الإجراءات ضد حكومة نتنياهو”، وأضاف في تغريدة له “نتنياهو خطير على إسرائيل، نتنياهو خطير على الشرق الأوسط، نتنياهو خطير على السلام العالمي، وقته قصير!”.
كما كتب الناشط الحقوقي والمحامي أوري برايتمان “حتى الآن، كان نتنياهو يخشى السجن بسبب أفعاله الجنائية بإسرائيل، وهو الآن -بظل الحرب على غزة- يخاف أكثر من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.