“على رأسها بيرقدار” … انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا

منذ سقوط حكم الرئيس معمر القذافي في عام 2011 ومقتله على يد جماعات متمردة مدعومة غربياً، لم تشهد ليبيا استقراراً سياسياً أو أمنياً طويل الأمد. فمنذ ذلك الحين سقطت البلاد في مستنقع من الفوضى الأمنية والسياسية والعسكرية، وانتشرت الميليشيات المتصارعة التي تجاوز عددها الـ30 في أنحاء البلاد، لينتهي الأمر بانقسام ليبيا إلى حكومتين ومعسكرين (شرقي وغربي)، حيث يتمركز الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر وحكومته في الشرق، بينما تتخذ حكومة الوحدة الوطنية وقوات الأمن والميليشيات الأخرى بقيادة عبد الحميد الدبيبة، من طرابلس في الغرب مقراً لها. وذلك يعود بطبيعة الحال إلى التدخلات الخارجية وأطماع الدول الكبرى، بثروات البلد الغني جداً.

وبحسب الباحث في الشؤون الليبية ودول شمال أفريقيا فرج زيدان، فإن تدفق السلاح إلى ليبيا من كل حدب وصوب، وتزويد الميليشيات المحلية بأحدث الأسلحة من قبل بعض الدول الإقليمية ودول حلف شمال الأطلسي، طمعاً بثروات ليبيا، كان عاملاً أساسياً ومهماً باستمرار الأزمات وتواليها وعدم وصول ليبيا إلى حالة الاستقرار التي شهدتها خلال عهد القذافي.

في سياق متصل، كشف التقرير الشهري الصادر عن عملية “إيريني” التابعة للاتحاد الأوروبي، لمراقبة حظر الأسلحة عن ليبيا، في أوائل شهر نيسان الجاري، عن رصده لـ 10 رحلات جوية مشبوهة إلى ليبيا خلال شهر آذار2024، من أصل 1388 رحلة جوية تم فحصها من خلال عملية “ايريني”.

وبحسب بعض المعلومات والتقارير الإعلامية، فإن 7 من أصل 10 طائرات مشبوهة، على الأقل نقلت أسلحة وذخائر تابعة لشركات تركية وتم تصنيعها في تركيا.

ووفقاً لمصادر ليبية مطلعة، فإن الطائرات المسيّرة التركية الشهيرة “بيرقدار” تأتي على رأس قائمة شحنات الأسلحة والذخائر التي تم نقلها إلى ليبيا.

وبحسب مصادر محلية ليبية نقلاً عن شهود عيان، فإن الرحلات الجوية هبطت في مطار “معيتيقة”، بالعاصمة طرابلس وأنزلت حمولتها من الطائرات بدون طيار من نوع “Bayraktar TB2” في المطار نفسه. وهذا ما يؤكد صحة التقارير والمعلومات لعملية “ايريني”.

وبحسب مصادر محلية ليبية، فإنه خلال زيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا في الأول من شهر آذار الماضي، تم التوصل إلى اتفاق بشأن توريد طائرات بيرقدار التركية إلى ليبيا. حيث كان “تزويد طرابلس بالمسيرات التركية”، هو أحد الشروط الأساسية للدبيبة لتوقيع مذكرة تفاهم في المجال العسكري، وزيادة قدرات وحدات الجيش الليبي من خلال برامج تدريبية نوعية، بين وزارة الدفاع التركية برئاسة يشار جولر والدفاع الليبية التي يرأسها الدبيبة نفسه. وكان قد صرّح الدبيبة حينها بأن التعاون مع تركيا في المجال العسكري بالنسبة له “أولوية”.

ومن الجدير بالذكر أنه خلال شهر أيار2023، تم الكشف عن وثيقة، تُثبت وصول طائرة محملة بالعتاد العسكري لحكومة الوحدة الوطنية، وبحسب الوثيقة حينها، فإن الطائرة كانت تتبع للخطوط الأوكرانية، وجاءت من إسطنبول إلى مطار “مصراتة” بالقرب من العاصمة الليبية طرابلس. كما أكد شهود عيان آنذاك لوسائل الإعلام المحلية، هذه المعلومات.

وبحسب الخبراء العسكريين، فقد أثبتت المسيرات التركية “بيرقدار” كفائتها وفعاليتها في ليبيا خلال عامي 2019-2020 ضد قوات المشير خليفة حفتر، وقد تم استخدامها مراراً وتكراراً خلال السنوات القليلة الماضية في مواجهات بين جماعات مسلّحة مختلفة في طرابلس لقمع الانتفاضة في الزاوية. كما تم استخدامها في مواجهة الجماعات الموالية لباشاغا، وفي الكثير من الخلافات الداخلية بين الميليشيات والمرتزقة الموالين لحكومة الوحدة الوطنية.

ووفقاً للخبراء، فإن الاتفاقيات العسكرية بين ليبيا وتركيا، وتوريد طائرات البيرقدار لطرابلس يهدف لرفع قدرات سلاح الجو الليبي والاستفادة من الخبرة التركية في مجال الطيران المسيّر. ولكن في الوقت نفسه، فإن وصول الطائرات المسيرة لأيدي بعض الميليشيات ممكن أن يهدد بتفجر الصراع على نطاق أوسع ويفتح الأبواب على احتمالات عسكرية كثيرة تهدد أمن واستقرار المنطقة.

في السياق ذاته، وبحسب مصادر مقربة من رئيس مخابرات طرابلس، حسين محمد العايب، فقد تم تسليم قائد ميليشيا جهاز دعم الإستقرار، غنيوة الككلي، دفعة من الطائرات بدون طيار التركية، وباشر بعض الخبراء العسكريين بتدريب قوات الككلي على استخدامها، استعداداً لمواجهة ميليشيا الردع بقيادة عبد الرؤوف كارة.
إلى جانب ذلك، شهدت مناطق طريق المطار، وجزيرة المدار، في طرابلس خلال الأيام القليلة الماضية اشتباكات عنيفة بين ميليشيات جهاز دعم الاستقرار، وأخرى تتبع لـ “القضائية” التابع لجهاز الردع.

وبحسب بعض الخبراء والمراقبين، فإن التنافس الحالي بين الميليشيات المسلحة في طرابلس، والذي يتخذ بكثير من الأحيان شكل صراع مسلح، إلى جانب تسلمهم لأسلحة متطورة مثل المسيرات يمكن أن يهدد امن ليبيا ودول المنطقة ويحول الصراع إلى ما يشبه الحالة السودانية.