في خطوة متوقعة وغير مفاجئة، أقر مجلس النواب اللبناني اقتراح قانون يرمي الى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة، للمرة الثالثة على التوالي… خطوة أثارت مرة جديدة انقساماً بين اللبنانيين والسياسيين بين مؤيد ومعارض
في خضم التطورات الأمنية المتسارعة بين “حزب الله” وإسرائيل، أقر مجلس النواب اللبناني اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ أقصاه 31 مايو (أيار) عام 2025 المقدم من النائب جهاد الصمد، في خطوة متوقعة وغير مفاجئة.
الجلسة التي قاطعتها كتل سياسية عدة، كتكتل الجمهورية القوية أي حزب “القوات اللبنانية”، وحزب “الكتائب” ونواب التغيير، حضرها نواب “حزب الله” و”حركة أمل” و”التيار الوطني الحر”، وسط جدل وانقسام سياسي وشعبي حول هذا التمديد، خصوصاً أنه الثالث في غضون السنوات الأخيرة.
وبعد الجلسة قال رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في مؤتمر صحافي “كنا أمام خيارين إما الفراغ وإما الذهاب إلى انتخابات لن تحصل”، وتابع “تأكدنا أنه على المستوى المالي لم تصرف السلف وعلى الصعيد اللوجستي لم توزع لوائح الشطب ولم يجهز أي عمل مركزي لإنجاز الانتخابات… كنّا ذاهبين إلى الفراغ وأي كلام عكس ذلك يعني التهرب من المسؤولية”.
“تمديد غير وطني وغير دستوري”
النائب أشرف ريفي الذي قاطع الجلسة رافضاً التمديد، قال في حديث لـ “اندبندنت عربية” إن هذا التمديد غير وطني بالمضمون وغير دستوري في الشكل، فالمواطنون انتخبوا هذه المجالس البلدية قبل سنوات على أساس أن ولايتها لأربع سنوات، لكنها بقيت ومدد لها أكثر من مرة واليوم هذا التمديد هو الثالث، بغير إرادة صاحب الصلاحية أي الشعب اللبناني، قائلاً “نحن قاطعنا الجلسة لأننا مع أن تجرى الاستحقاقات الدستورية كما يجب من الرئاسة إلى الانتخابات البلدية، ضمن الانتظام العام”.
وعن الطعن بهذا التمديد، أعلن ريفي أنهم في المعارضة يدرسون في ما بينهم بشكل جدي التقدم بطعن أمام المجلس الدستوري، مضيفاً “الوضع لم يعد مقبولاً أن يستمر بما هو عليه”.
نواب ينسحبون من الجلسة
بدورهم أعلن النواب نجاة صليبا، بولا يعقوبيان، ياسين ياسين، إبراهيم منيمنة، فراس حمدان وملحم خلف من المجلس النيابي انسحابهم من الجلسة التشريعية، باعتبار أنها غير دستورية. وقالوا “هذه الممارسات الظالمة بحق الناس ليست إلا تعليقاً لأحكام الدستور، وهي بالتأكيد أشد ظلماً بحق أهل الجنوب الذين يتعرّضون لأعتى عدوان عسكري، وهم بأمس الحاجة لإعادة انتظام الحياة العامة”، مضيفين أن الأولوية اليوم قبل الغد هي لانتخاب رئيس”.
لبنان يعيش عقماً سياسياً
المحلل والكاتب السياسي منير الربيع يضع من جانبه هذا التمديد ضمن ما أسماه “العقم السياسي” الذي يعيشه لبنان، ويقول “هذا العقم غير قادر على إنتاج أي سياق انتخابي إن كان في رئاسة الجمهورية أو البلديات، بغض النظر عن ربط الاستحقاق بما يحصل أمنياً في الجنوب”، معتبراً أن المسألة هنا تتعلق بصراع الجماعات اللبنانية حول إعادة تركيبة البلد.
أما سبب هذا التمديد الثالث، فيقول الربيع في حديث لـ “اندبندنت عربية” إنه لمحاولة تجنب الصراعات بين القوى السياسية في المناطق وبين الأحزاب، فيما بعضها غير جاهز لخوضها، خصوصاً من الناحية المادية.
ما يؤكده هذا التمديد الجديد هو أن السلطة الحالية لا قدرة لها على إنتاج أي حل، يقول الربيع مشدداً على أن ما يخسره المواطنون من هذا التمديد هو استمرار القصور لدى المجتمع اللبناني بأن يقارب هذا الاستحقاق الانتخابي من مبدأ إنمائي، فيما الواقع اليوم يؤكد أن العصبيات السياسة أو العائلية هي التي تغلب عند التصويت للمجالس البلدية أو الاختيارية.
ويتابع “المواطن يخسر أيضاً أي حيوية سياسية قادرة على إبراز مجموعة قوية تخرج من هذا الانقسام القبلي والعائلي، لتقدم طروحات تتجاوز الانتخاب وفق الارتباط الشخصي إلى الانتخاب وفق الارتباط المؤسساتي”.
التمديد الثالث
تجري الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان كل ست سنوات. وتمت آخر مرة عام 2016، وكان من المفترض حصولها عام 2022، إلا أن البرلمان أقر تأجيلها لمرتين منذ ذاك الحين، في بلد نادراً ما تُحترم فيه المهل الدستورية.
وتلعب المجالس البلدية دوراً بارزاً في توفير الخدمات الأساسية للسكان. لكن دورها تراجع كثيراً خلال السنوات الماضية على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بالبلاد منذ 2019 وتضاؤل الاعتمادات الممنوحة لها من أجل القيام بمهامها واستقالة العديد من أعضائها.