بات الأردن أقرب من أي وقت مضى إلى مواجهة إيران عسكرياً و”الوقوف في وجه أطماعها وتدخلاتها في المنطقة”، وذلك بعد أن كشف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عن دعمه وحماسه لفكرة تحالف عسكري مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الشرق الأوسط، خلال مقابلة مع قناة “سي أن بي سي” الاقتصادية.
وتحدث الملك الأردني عن إمكانية بناء حلف يضم الدول ذات التوجهات المتشابهة مع تحديد طبيعة الأدوار، في إشارة إلى الخطر الإيراني الذي كان قد نبّه إليه قبل 20 عاماً.
وعلى الرغم من قول العاهل الأردني إن دعم بلاده لفكرة الحلف العسكري مشروط بأن تكون مهمة التحالف واضحةً جداً، إلا أن هذا التحول ليس وليد اللحظة، فقد سبقته اجتماعات وزيارات إقليمية وتصريحات كثيفة قبل أشهر.
ويربط مراقبون بين هذه التصريحات وما نشرته صحف إسرائيلية عن نية الولايات المتحدة دمج الدفاعات الجوية الإسرائيلية مع المنظومة الدفاعية لدول عربية عدة بهدف مواجهة التهديدات الإيرانية.
“ليست حربنا”
في مقابل ذلك، خرج كثير من الأصوات الداخلية التي تنادي برفض زج الأردن في حرب لا تخصه ولا تعنيه، إذ ناقش الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن ما يتم تداوله عن توجه الإدارة الأميركية لبناء حلف عسكري بالتزامن مع الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة خلال شهر يونيو (تموز) المقبل.
واعتبر الملتقى الوطني أن هذا الحلف العسكري المنوي الإعلان عنه، يستهدف حاضر ومستقبل المنطقة العربية والإقليم، مقابل حماية إسرائيل بنصب منظومة رادار في بعض هذه الدول.
وطالب الملتقى الوطني الحكومة بالإعلان عن الموقف الرسمي الأردني استناداً للموقف الشعبي برفض الانضمام لهذا الحلف مهما كان حجم الضغوط، ومهما كانت التكلفة السياسية والاقتصادية صعبة وقاسية لقرار الرفض، باعتبار أن “المشاركة في أي حلف مع إسرائيل مهما كانت الدوافع والأسباب، يضر بأمن الأردن وسيادته وعروبته”.
رفض شعبي
كما رفض حزب “جبهة العمل الإسلامي” أكبر الأحزاب الأردنية، الدخول في مثل هذه التحالفات. وطالب الحكومة الأردنية بكشف التفاصيل كافة حولها.
وحذر الحزب الحكومة من الانخراط في مثل هذا التحالف الذي يسعى لإخضاع الدول العربية تحت هيمنة إسرائيل، و”الانتقال من مرحلة العلاقات الحسنة إلى التحالف العسكري مع الاحتلال”.
ويتساءل مراقبون حول طبيعة ودور القواعد العسكرية الأميركية الـ12 المنتشرة في الأردن في هذا الحلف وعملياته المستقبلية، بينما يعتقد آخرون أن “إسرائيل بالنسبة للنظام العربي الرسمي، لم تعد عدواً ولم يعد احتلالها لفلسطين عائقاً أمام مشاركتها وبقوة بالتحالف الجديد”.
ويشير الصحافي باسل العكور إلى خطورة ما سمي عملية “رأس الأخطبوط” باعتبارها خدمة لإسرائيل. ويضيف، “الأردن، كما نشرت وسائل إعلام غربية، سيكون طرفاً أساسياً في هذا الحلف الجديد الذي يضم إسرائيل، أو تقوده إسرائيل، للحرب ضد إيران، وهي حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل”.
ولا ينكر العكور وجود مشكلات أردنية مع إيران، لكنه يعتقد أن الجيش الأردني قادر على التصدي لهذا الخطر وحماية الحدود، متسائلاً، “كيف يبرر الأردن الرسمي التحالف مع إسرائيل ذاتها التي ترفض حل الدولتين، وتريد أن تحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وتريده وطناً بديلاً للفلسطينيين؟”.
قلق أردني من إيران على الحدود
وهذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها العاهل الأردني عن قلقه من الخطر الإيراني في المنطقة، فقد تحدث عام 2021 خلال مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، عن تعرض بلاده للهجوم بطائرات من دون طيار إيرانية الصنع.
ومنذ بداية العام الحالي يُبدي الأردن قلقه، ويصعد لهجته حيال الحشود الإيرانية على الحدود. وتقول الحكومة الأردنية إن عمليات تهريب المخدرات أصبحت منظمة وتلقى الرعاية والدعم من نافذين في النظام السوري وأجهزته الأمنية، فيما تشير تقارير أمنية إلى حشود وتعزيزات متواصلة للميليشيات الإيرانية ومجموعات من “حزب الله” اللبناني وميليشيات “أبو الفضل العباس”، ولواء “فاطميون” والفرقة الرابعة جنوب سوريا على مقربة من الحدود الأردنية.
وسبق لمدير الإعلام العسكري في الجيش الأردني العقيد مصطفى الحيارى، أن حذر من استهداف تنظيمات إيرانية خطيرة للأمن الوطني، كما أشار الملك عبد الله الثاني في مايو (أيار) الماضي إلى احتمال تصعيد عسكري على الحدود مع سوريا، إثر تخوفه من استغلال إيران ووكلائها الفراغ الذي ستتركه روسيا في المنطقة على وقع انشغالها بالحرب مع أوكرانيا.
ضوء أخضر أميركي
وقال ملك الأردن، “هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.
وعبّر العاهل الأردني عن مخاوفه هذه خلال مقابلة أجراها مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر ضمن معهد “هوفر” في جامعة “ستانفورد” الأميركية، وعلى هامش زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، والتي يبدو أنها كانت بمثابة خطوة أولى لمناقشة ما يمكن القيام به من الناحية التكتيكية والاستراتيجية.
اقتراب المواجهة
وبحسب متابعين للشأن السياسي، فقد “قرر الأردن الاشتباك والمواجهة والصدام وتغيير قواعد اللعبة في مواجهة النفوذ الإيراني، بعد أن تجاهلت طهران كل التحذيرات التي أطلقتها عمان خلال الأشهر والأسابيع الماضية، بضرورة ابتعادها هي وميليشياتها عن الحدود”.
فقبل أسابيع صعد الأردن الرسمي من لهجته، ووجه اتهامات علنية ومباشرة لطهران. وكشف عن إفصاح إعلامي غير مسبوق حول تفاصيل المواجهة مع ميليشياتها على الحدود.
كما رأى البعض أن الأردن تحول في الفترة الأخيرة إلى مركز عمليات عسكرية بديلاً للقواعد الأميركية التقليدية في المنطقة، على أثر توقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع واشنطن قبل عامين.
ويحفل تاريخ العلاقات الأردنية – الإيرانية بالتوتر والبرودة، وتتهم السلطات الأردنية منذ سنوات “الحرس الثوري الإيراني” بمحاولة إيجاد موطئ قدم له على الأرض الأردنية، وتشكيل “خلايا إرهابية نائمة”.