فجر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أيار2018 قنبلة في مؤتمره التفاعلي الصحفي حول برنامج إيران النووي بتقديمه عرضا شمل مقاطع فيديو وصور ووثائق مكتوبة بالفارسية، محذرا من برنامج إيران النووي وكشف أن إسرائيل وصلت إلى أكثر الوثائق النووية الإيرانية سرية.
ووفقا لنتنياهو آنذاك دخلت عناصر الموساد الإسرائيلي إلى العاصمة الإيرانية طهران وخرجت منها عائدة إلى إسرائيل وهي محملة بنحو نصف طن من الوثائق. وحينها استبق وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، عرض نتنياهو بمنشور على منصة “إكس”، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ “الطفل الذي لا يستطيع التخلي عن عادة الكذب”.
ونشرت إذاعة “فردا” الأميركية الناطقة بالفارسية تقريرا لمراسلها في إسرائيل لرواية المؤلفين الإسرائيليين. وتبدأ الرواية مع امرأة عادية تتجول كل يوم في حي “شور آباد” في إحدى ضواحي طهران الجنوبية، وكان مظهرها وسلوكها طبيعيا فلم تلفت انتباه أحد، لأنها كانت تجيد التحدث بالفارسية، وترتدي الحجاب وهي تتردد برفقة رجل محرم، مثلها مثل سائر النساء في تلك الحارة الفقيرة التلقليدية التي تطقنها الطبقة العاملة. لذلك لم يشك حراس أحد المباني المهجورة في المنطقة بها. وبحسب مؤلفي الكتاب الإسرائيليين، فإن هؤلاء الحراس لم يستطيعوا يتخيلوا أن هذه المرأة “العادية” هي مواطنة إسرائيلية، وعميلة للموساد حاصلة على شهادة الهندسة، وتقوم بواحدة من أخطر المهام من أجل جمع المعلومات حول هذا “المستودع البسيط” الذي يحرسونه. وفي ذروة السجالات المحتدمة خلال رئاسة دونالد ترمب حول الانسحاب من الاتفاق النووي أو بقاء واشنطن في الاتفاق، أعلن بنيامين نتنياهو وصول إسرائيل إلى الأرشيف النووي الإيراني، وبعد ذلك قرر دونالد ترمب انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مع إيران. ووفقا لأحد الفصول الأربعة للكتاب أتاحت تحريات العميلة الإسرائيلية وجمعها للمعلومات حول مستودع “شور آباد”، الفرصة فيما بعد لإعداد خطة لإرسال 24 عميلا إسرائيليا وإيرانيا لسرقة الأرشيف النووي من جنوب طهران إلى مقر الموساد في تل أبيب عبر جمهورية أذربيجان في شمال غرب إيران. الكتاب هو نتيجة لبحث أجراه كاتبان وصحفيان إسرائيليان هما يونا جيريمي باب، مراسل عسكري يكتب أيضا لفائدة صحيفة جيروزاليم بوست كمراسل لها في أوروبا، وإيلان أفياتار، الذي كان رئيس تحرير قسم الأخبار في جيروزاليم بوست في الماضي. والكتاب الذي يحمل الاسم الإنجليزي “Target Tehran” أي “الهدف طهران”، نشرت نسخته الإسرائيلية باسم “الموساد في طهران”. وبحسب المؤلفين، فأن محاولة الحصول على الأرشيف النووي الإيراني بدأت تفاصيلها في الموساد في عام 2016، وذلك بعد وقت قصير من تولي يوسي كوهين منصب رئيس الموساد في نهاية خدمة تامير باردو. ويستند الكتاب أيضا إلى مقابلات مع مسؤولين سابقين في الموساد حول مقتل محسن فخري زاده، الذي وصفه بنيامين نتنياهو بـ “أب القنبلة النووية الإيرانية” في نفس المؤتمر الذي تحدث فيه عن “استحواذ إسرائيل على الأرشيف النووي الإيراني”، وقال حينها أي قبل اغتياله “تذكروا هذا الاسم”. ويسرد الكتاب أيضا العديد من العمليات الأخرى المنسوبة إلى إسرائيل التي لم تعلن مسؤوليتها عنها مطلقا، مثل سلسلة الانفجارات الغامضة في أواخر الربيع وأوائل صيف عام 2020 في منشأة نطنز. ومن المحتمل أن تكون عملية سرقة الوثائق النووية في “شور آباد” هي العملية الوحيدة التي أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنها، أما بقية الأحداث فقد نسبت إليها أو بالأحرى إلى الموساد فقط. ووفقاً للمؤلفين، كان يوسي كوهين يتفق تماماً مع بنيامين نتنياهو على “ضرورة” بذل جهد شامل لافشال “خطة العمل الشاملة المشتركة” المعروفة باسم “الاتفاق النووي”، وحسب الكتابين “لكن نتنياهو قال لكوهين إنه لا يكفي إقناع العالم بأن إيران تكذب بشأن برنامجها النووي، بل يجب علينا إثبات هذا الكذب” على حد تعبيرهما. وتفيد رواية الكتاب أن الموساد كان آنذاك على علم بوجود الأرشيف النووي الإيراني، لكن محتوياته الدقيقة كانت لا تزال سراً، فقرر يوسي كوهين الحصول على هذا الأرشيف على أية حال. ويذكر الكتاب بأن بعض الأدلة التي حصلت عليها الاستخبارات الغربية حول البرنامج النووي الإيراني ساعدت إسرائيل، لكن مساعي إيران لمنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول غير المحدود إلى الوثائق النووية السابقة للبلاد دفع الإيرانيين إلى نقل تلك الوثائق إلى “شور آباد”. ويزعم الكتاب أن محسن فخري زاده شارك شخصياً في اختيار المبنى المتهالك والعادي في شور أباد لنقل الوثائق النووية إليه، واعتقد أنه لن يشك أحد في مثل هذا المكان. ويضيف الكتاب، أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية لم تكن تتصور أن الموساد كان يراقب تحركات العناصر الأساسية في البرنامج النووي الإيراني، وبدأ يقترب من الكشف النهائي عن مخبأ الوثائق النووية. ويوضح الكتاب أنه عندما تم التأكد من مكان الأرشيف، كان لا يزال هناك الكثير من التفاصيل بحاجة للمناقشة من قبل الموساد ومنها، هل تحتوي هذه الوثائق بالفعل على وثائق قطعية تثبت نوايا إيران للحصول على سلاح نووي أم لا؟، فعندها تقرر المخاطرة بإرسال عميلة الموساد إلى شور آباد في طهران، والتي عاشت في تلك الحارة النائية لفترة وبدأت تعمل على تجميع المعلومات التي مهدت الوصول إلى الأرشيف النووي الإيراني. ويذكر الكتاب أنه عندما تم إعطاء الضوء الأخضر لانطلاق العملية، فقد دخل إلى إيران عبر طرق مختلفة وفي الليلة الموعودة، فريق مكون من 24 عميلا استخباراتيا بينهم إسرائيليين وإيرانيين، إلى مستودع شور آباد، وعندما غادر الحراس الإيرانيين المكان مثل كل ليلة، كان من المفترض أن يصل الفريق الأمني المناوب التالي إلى المكان صباح الغد، فبات أمام عملاء الموساد ست ساعات ونصف لتعطيل أجهزة وصفارات الإنذار وكسر الأقفال ونقل الوثائق والمستندات. ويواصل الكتاب روايته عن العملية بالقول: في الساعة 10:31 من تلك الليلة في منتصف الشتاء، تم صهر الأقفال، وبينما كانت مجموعة من العملاء تحرس الأبواب الحديدية الثقيلة للمستودع بغية مراقبة المناطق المحيطة، تمكنت مجموعة أخرى من دخول القسم الداخلي للمستودع. ويتابع الكتاب في سرد تفاصيل روايته مضيا: فقد لجأ أعضاء الفريق الأربعة والعشرون إلى قدراتهم التقنية للإسراع في إنهاء العملية فاستخدمت مجموعة مشاعل خاصة لقطع المعادن، تبلغ درجة الحرارة فيها إلى حوالي 3600 درجة، فأذابت الحرارة الخزائن المعدنية، وبدأ أعضاء الفريق الآخرون بمراجعة المستندات المطلوبة، وتجاهل المستندات الأقل أهمية. ويزعم الكاتبان أنه في ذلك الوقت لاحظ العملاء بأنهم وصلوا إلى “كنز ضخم”، يشمل إلى جانب الملفات الورقية والرسوم البيانية والخرائط، أكثر من 100 قرص مضغوط يحتوي على ملفات ولقطات وثائقية للبرنامج النووي الإيراني، ووصور لمختلف التجارب النووية. ويضيف الكتاب: تم بعد ذلك شحن نصف طن من الأقراص والوثائق بشاحنتين غادرتا مستودع شور آباد في تمام الساعة الخامسة صباحا بتوقيت طهران وتوجهتا إلى حدود جمهورية أذربيجان عبر طرق مختلفة. ويذكر الكتاب “بعد ساعتين ونصف الساعة، وصل الحراس الإيرانيون إلى المستودع واكتشفوا ما حدث ولكن بعد فوات الأوان، فكانت الشاحنتان قد عبرتا الحدود” وفقا لخطة وصفها الكتاب بـ “الخداع المعقد”، ومن ثم “تم إخراج جميع العملاء المشاركين في العملية من كل من إيران ومن جمهورية أذربيجان”، و”وصل الأرشيف النووي الإيراني إلى إسرائيل في نفس الليلة عبر أذربيجان، لكن الأمر استغرق شهرين ونصف حتى يعقد بنيامين نتنياهو مؤتمره الصحفي ويكشف عن الوثائق المسروقة من إيران. يذكر أنه حتى اللحظة لم تعترف إيران رسميا بسرقة إسرائيل للوثائق النووية الإيرانية، بينما أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان لها في اليوم التالي لمؤتمر نتنياهو إلى أنشطة إيران ذات البعد العسكري والتي جرت قبل سنة 2003 ولم تتجاوز الدراسات العلمية ومحاولة الحصول على قدرات تقنية وليس هناك ما يدل على ان إيران عملت على التطوير النووي العسكري بعد عام 2009. وتؤكد إيران بأن برنامجها النووي سلمي تماما وتشير إلى فتوى المرشد الأعلى بشكل متكرر والذي “يحرم إنتاج واستخدام” السلاح النووي. كما ذكرت الدول الأوروبية التي لم تنسحب خلافا للولايات المتحدة من الاتفاق النووي، ذكرت بعد مؤتمر نتنياهو آنذاك بأن ما عرضه يؤكد ما كان لدى هذه الدول سابقا، وهو ما يجعل الحفاظ على الاتفاق النووي أمرا ضروريا. ولكن فقد لعبت الوثائق التي عرضها نتنياهو حول البرنامج النووي الإيراني دورا حاسما في قرار الرئيس الأميركي السابق ترمب في 12 أيار، الانسحاب من الاتفاق النووي وفرضت عقوبات مشددة على إيران، ولا تزال إدارة بايدن لم تتوصل إلى توافق مع طهران للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة باسم الاتفاق النووي. |