تقريرٌ أميركي “يكشف” عن معلومات استخباراتية تخفيها واشنطن عن تل أبيب

أثار الإعلان عن تقديم الإدارة الأميركية عرضا للحكومة الإسرائيلية بتوفير معلومات استخباراتية حساسة لمساعدة الجيش على تحديد موقع قادة حماس داخل أنفاق غزة لإقناعها بالتراجع عن عملية رفح، تساؤلات بشأن مدى إخفاء واشنطن تلك المعلومات عن حليفتها تل أبيب، وتبعات ذلك على مستوى العلاقات بينهما في خضم التوتر الذي يشوبها مؤخرا.

ورجح محللون ومختصون في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية، في حديثهم لـِ”سكاي نيوز عربية”، أن الإدارة الأميركية ربما تستخدم تلك المعلومات “كورقة ضغط” على حكومة نتنياهو للتراجع عن عملية كبرى في رفح من شأنها أن تؤجج الانتقادات الدولية ضد كلا الطرفين في واشنطن وتل أبيب، في حين أن من شأن ذلك أن يدفع العلاقات بينهما إلى مزيد من “الارتباك”.

كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أن إدارة جو بايدن في خضم نشاطها الدبلوماسي لمنع إسرائيل من شن هجوم بري شامل على رفح، عرضت تقديم “مساعدة قيّمة” إن تراجعت عن خططها الراهنة، بما في ذلك المعلومات الاستخباراتية للعثور على قادة حماس والأنفاق المخفيّة للحركة داخل غزة.

وزودت الولايات المتحدة إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية طوال الحرب التي دخلت يومها الـ 220 على التوالي، في حين يسعى كبار مساعدي بايدن الآن إلى إقناع المسؤولين الإسرائيليين بأن بإمكانهم تدمير كتائب حماس المتبقية في رفح بضربات أكثر دقة يمكن للولايات المتحدة مساعدتهم فيها من خلال تحديد موقع كبار قادة حماس، بدلاً من غزو واسع النطاق.

لكن في المقابل، نقلت صحيفة “نيويورك بوست” الأميركية، عن مصادر نفي الإدارة الأميركية بشدة حجب المعلومات الاستخباراتية عن إسرائيل خلال الفترة الراهنة، إذ قال ممثلا عن مجلس الأمن القومي: “لقد ساعدنا إسرائيل بالفعل في استهداف قادة حماس وهذا العمل مستمر… ونحن لا نعيق أي شيء (معلومات)”.

ويرى كبير مستشاري برنامج الولايات المتحدة بمجموعة الأزمات الدولية والمستشار القانوني السابق بالخارجية الأميركية، بريان فينوكين، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية، نفت إدارة بايدن لاحقًا حجب أي معلومات عن تل أبيب.

ومع ذلك “لا توجد رؤية جيدة في نطاق تبادل المعلومات الاستخباراتية الأميركية مع إسرائيل، ولكن بناءً على تصريحات كل من مسؤولي إدارة بايدن ورئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، يبدو أن الولايات المتحدة تشارك المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل بشأن أهداف عالية القيمة في غزة، وعلى سبيل المثال قادة حماس”، وفق “فينوكين”.

وأوضح أنه “بالنسبة للعمليات في رفح، يبقى أن نرى إلى أي مدى ستقاوم الحكومة الأميركية الإجراءات الإسرائيلية وما إذا كان البيت الأبيض سيزيد من تقليص نقل الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل

وقال المحلل المختص بالشأن الإسرائيلي غسان محمد، في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “مصادر إسرائيلية أشارت لمناقشة كابينيت الحرب خلال الأيام الماضية العرض الأميركي بشأن المعلومات الاستخباراتية، ونصح بقبوله، لكن نتنياهو تحفظ على الأمر لاعتبارات سياسية”.

وأوضح أن “العرض الأميركي تضمن تعزيز التنسيق والتعاون الاستخباراتي وخاصة المراقبة الجوية لتحديد أماكن تواجد قادة حماس والجهاد، إضافة لكشف الأنفاق في رفح”.

ويعتقد محمد أن الهدف الأميركي الأساسي من هذا العرض هو دفع نتنياهو لتعليق عملية اجتياح رفح لـ”تجنب المزيد من الإحراج على الساحة الدولية”؛ خاصة مع التحذيرات لكون تلك العملية ستؤدي لسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.

وأشار إلى أن الخلاف بين واشنطن وتل أبيب هو على طريقة إدارة الحرب الراهنة، وبصورة استراتيجية واضحة لليوم التالي والجهة التي ستقوم بملء الفراغ في غزة وإدارة الشؤون المدنية بعد الانسحاب الإسرائيلي، خاصة أنه لم يتم حتى الآن صياغة رؤية إسرائيلية لمستقبل القطاع بعد وقف الحرب، وهو أهم أسباب الانزعاج الأميركي من السياسة الإسرائيلية حيال الصراع الراهن.

لكن عضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، مئير مصري، يقول لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية تُخفي معلومات استخباراتية عن إسرائيل “لا يبدو واقعياً” بالنسبة للداخل الإسرائيلي.

وأوضح أن “الخلاف بين واشنطن وتل أبيب هو تكتيكي وليس أكثر ويتعلق بأولويات الحرب، في حين تتشارك الولايات المتحدة مع إسرائيل في هدفها الإستراتيجي، وهو استئصال حماس”، واصفًا ذلك بأنه “الأهم”.

كما ذكر المحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن التعاون الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي يشمل جميع المجالات، بما فيها التعاون الوثيق بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة، مضيفا: “لذا لا أستبعد أن المعلومات المذكورة نُقلت لِعلم إسرائيل”.

وأشار غانور إلى أنه “بين نقل المعلومات واتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، هناك فرق شاسع، ومن هذا المنطلق فالمستوى السياسي في مجلس الحرب الذي اتخذ قرار اجتياح رفح بالإجماع، كان مطلعا على كافة المعلومات وتداعياتها، وبالرغم من ذلك فضّل اتخاذ القرار المستقل”.

ومن باريس، اعتبر الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية، فرانك فارنيل، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “في هذه المعادلة المعقدة بالعلاقات بين واشنطن وتل أبيب، فإن فكرة استخدام المعلومات الاستخباراتية الحساسة بشأن حماس كحيلة استراتيجية تؤكد عن غير قصد سوء تقدير عميق للفروق الجيوسياسية في الشرق الأوسط”.

وأضاف أن “مثل هذا الموقف لا يعرض الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة للخطر فحسب، بل يؤكد أيضا على الحاجة إلى أسلوب دبلوماسي أكثر تطوراً في المنطقة”، لافتا إلى أنه في ضباب الحرب، تصبح المعلومات المضللة أداة تستخدم على جميع المستويات، مما يعقد توازن القوى والنفوذ الدقيق.

وبيّن أنه لتتبع العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لا سيما وسط أصداء التوترات الدبلوماسية الأخيرة، ينبغي النظر في التأثير الكبير للسياسة الداخلية لكلا البلدين، فالمناخ السياسي مشحون بالانقسامات داخل إسرائيل، في حين الولايات المتحدة على أعتاب انتخابات محورية، ويسعى بايدن جاهدا لدعم العلاقات الدولية مع الاستجابة للمطالب المتباينة للناخبين المستقطبين.