عددها أكثر من 70… مقابر جماعية “عشوائية” في ساحات مجمع الشفاء

مع دخول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثامن، تواجه الطواقم الطبية تحدياً جسيماً في الكشف عن مصير آلاف الشهداء مجهولي الهوية، الذين تم دفنهم في مقابر جماعية.

وتنقسم المقابر الجماعية في قطاع غزة إلى نوعين، الأول نوع مؤقت أقامه أهالي الشهداء دون أن يتمكنوا من تحديد هويات أقاربهم، وبالتالي بقي مصيرهم معلقاً بالنسبة لذويهم ما بين مفقودين أو شهداء مجهولي الهوية.

وتنتشر هذه المقابر بشكل عشوائي بين أزقة الأحياء السكنية وأفنية المنازل والطرقات وصالات الأفراح والملاعب الرياضية وساحات المستشفيات والمدارس والمساجد.


تنتشر بصورة كثيفة في مناطق دون غيرها، انطلاقاً من عدة معايي، منها أعداد الشهداء، وفترة حصار الجيش للمناطق التي قام بتطويقها، ويمكن رؤية بعضها بالعين المجردة وأخرى تقع تحت الأنقاض.

أما النوع الثاني من المقابر فهي مقابر إعدام ميداني تسبب فيها الجيش الاسرئيلي، أغلبها منتشر في ممرات المستشفيات، وقُدر عددها بـ140 مقبرة، حسب تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.

وحسب التقرير فإن الجثامين التي دُفنت في المقابر التي أقامها الجيش الاسرئيلي تظهر تعرضها للقتل العمد والإعدامات، منهم من استشهد وهو مقيد الأيدي، وجثث ما زالت مرتبطة بأجهزة القسطرة.

“عربي بوست” تتبع خريطة انتشار هذه المقابر الجماعية داخل قطاع غزة، استناداً لشهادات حية من المواطنين وصحفيين عايشوا ووثقوا هذه المقابر، إضافة لما هو متوفر من بيانات لدى لجان الطوارئ الحكومية وبيانات الجهات الدولية.

خلال مسح جغرافي قام به “عربي بوست” في مدن قطاع غزة، فإن مدينة خان يونس تعرف أوسع انتشار للمقابر الجماعية قُدر عددها بـ70 مقبرة منتشرة في أحياء المدينة.

وتنتشر المقابر التي أقامها أهالي الشهداء من شرق مدينة خان يونس في كل من بلدات بني سهيلة، وخزاعة، والقرارة، والزنة ومعا بنحو 15 مقبرة.

وفي غرب مدينة خان يونس يبدو الوضع أكثر سوءاً من شرقها، إذ يزيد عدد المقابر المنتشرة هناك عن 28 مقبرة جماعية، حسب ما وثق “عربي بوست”.

وتمتد هذه المقابر في مناطق البلد، وحي الأمل، والمعسكر الغربي، منطقة العطار الواقعة أقصى غرب المدينة على بعد أمتار من شاطئ البحر.

وفي خان يونس تنتشر المقابر الجماعية التي أقامها الجيش الاسرئيلي في كل من مستشفيي ناصر والهلال الأحمر المتواجد بحي الأمل، حسب ما أكدته مصادر بعين المكان لـ”عربي بوست”.

وحسب ما عاين “عربي بوست” فإن المقابر الجماعية منتشرة في كل مكان، ونظراً لكثرة عددها ونبشها وعدم دفنها بطريقة سليمة بسبب السرعة، قامت وزارة الصحة بعمل مقابر على مساحات واسعة في المواصي ونقل الجثامين إليها.

وشهدت مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أطول فترة قتال وأكثرها شراسة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاسرئيلي، لمدة تزيد عن أربعة أشهر.

حسب المعلومات التي حصل عليها “عربي بوست” من الصحفي من شمال القطاع حسام الأعرج فإن بلدات شمال القطاع تضم قرابة 30 مقبرة عشوائية ومؤقتة.

في بلدة بيت حانون، توجد مقبرة مركز شهداء بيت حانون الطبي، ومقبرة المستشفى العسكري، ومقبرة نادي شباب بيت حانون الأهلي و3 مقابر منتشرة في مدارس الإيواء التابعة للأونروا.

أما ببلدة بيت لاهيا فهي تضم 15 مقبرة عشوائية، أشهرها مقبرة حي العطاطرة، ومقبرتان في حي السلاطين، ومقبرة حي الشيخ زايد، ومقبرة السوق المركزي لبلدة بيت لاهيا.

وفي بيت لاهيا أيضاً توجد مقبرة المستشفى الإندونيسي التي تعد الأكبر في شمال القطاع والتي تضم رفات نحو 200 شهيد وشهيدة.

وفي جباليا تضم نحو 9 مقابر، منها مقبرة الساحة العامة داخل مركز المحافظة، ومقبرة الفناء الخارجي لمقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

وفي جباليا أيضاً توجد مقبرة مركز جمعية الفلاح الخيرية، ومقبرة مستشفى العودة، و3 مقابر في صالات للأفراح، ومقبرتان في نادي شباب جباليا.

كشف ضابط الدفاع المدني لـ”عربي بوست” أن مدينة غزة وسط القطاع تصنف على أنها المدينة الأكثر انتشاراً للمقابر الجماعية العشوائية، بحوالي 57 مقبرة عشوائية، يتركز أغلب هذه المقابر في الأحياء الغربية للمدينة، منها 9 مقابر في مخيم الشاطئ.

وفي أحياء الرمال الجنوبي والغربي وأحياء تل الهوا فتضم 25 مقبرة، ومقبرتين في مستشفى القدس، ومقبرة في ساحة الكتيبة، و4 مقابر في منطقة تل الهوا.

وتعتبر أول المقابر التي أقامها الجيش الاسرئيلي في 15 تشرين الأول، حيث تم العثور حينها على 30 جثة دفنت في مقبرتين داخل المستشفى، إحداهما أمام قسم الاستقبال والطوارئ والأخرى أمام قسم الصناعية.

وخلال الرصد الذي قام به “عربي بوست” في الشهر السابع للحرب الإسرائيلية على غزة، فإن مستشفى الشفاء أصبح يضم 3 مقابر توجد في الفناء الخارجي.

أما في مدينة غزة فتنتشر المقابر بصورة أقل من غربها، فحي الزيتون يضم نحو 6 مقابر، كما يضم حي الدرج 5 مقابر، وحي الشجاعية والتفاح بواقع 3 مقابر لكل منهما، وحي الصبرة مقبرة واحدة.

وتم تدشين مقبرة حي الدرج على أرض عائلة “المصري” في شارع الصحابة ومساحتها حوالي 500 متر مدفون فيها حوالي 150 جثة مجهولة الهوية.

وفي حي الدرج أيضاً، حفرت على أرض بشارع الاستقلال (القوس) قرب مفترق “الشعبية”، وتبلغ مساحتها نحو ألفي متر، ويقدر عدد الجثث المدفونة فيها بأكثر من 200.

لا يختلف الواقع في وسط القطاع وجنوبه عن مناطق غزة والشمال، فوسط القطاع يضم خمس مخيمات للاجئين وهي النصيرات والبريج والمغازي والزوايدة ودير البلح.

وعلى وجه الخصوص تنتشر المقابر العشوائية في المناطق الشرقية وتحديداً مخيمي البريج والمغازي المحاذيين للشريط الحدودي مع دولة الجيش الاسرئيلي.

وفي هذه المناطق اضطر الفلسطينيون لدفن جثامين شهدائهم في مدارس الإيواء التابعة للأونروا بعد أن عجزوا عن الوصول للمقابر العامة، فيما تقدر أعدادها وفقاً لشهادات السكان الذين تحدثوا لـ”عربي بوست” بنحو 5 مقابر.

وفي مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، التي تشهد عملية عسكرية أطلقها الجيش الإثنين 4 من أيار 2024، تنتشر المقابر العشوائية في المناطق الغربية المعروفة بمواصي رفح.

وتوجد هذه المقابر بالضبط حسب ما رصده “عربي بوست” بحي تل السلطان، وحي السعودي اللذين تحولا لمقابر جماعية لدفن مئات الشهداء.

تتبع “عربي بوست” أثناء جولة في المقابر العشوائية المنتشرة في منطقة العطار غرب خان يونس معاناة الأهالي الذين يأتون يومياً للمقبرة للسؤال عن ذويهم، فتراهم يحملون صور أبنائهم ويسألون أهالي المنطقة عما إذا كانت ملامح هذه الصور هم من بين الشهداء الذين دفنوا في هذه المقابر.

تقول السيدة أم أحمد شعث، لـ”عربي بوست” إنها فقدت الاتصال بابنها الأوسط بهاء، أثناء تواجدهم في مدرسة مصطفى حافظ للبنين التابعة للأونروا والتي تقع على بعد أمتار قليلة من مستشفى ناصر منذ تطويقه من قبل الجيش منتصف شهر شباط 2024.

وتضيف: “أثناء حصار الجيش للمدينة، طُلب منا المرور على حاجز عسكري أقامه الجيش للمرور للمنطقة الآمنة نحو مواصي خان يونس، وكان أبنائي الخمسة بجانبي، إلا أن الجيش استدعى بهاء؛ كونه الأكبر سناً بين أبنائي الذكور، وحوله للتحقيق داخل مستشفى ناصر، ومنذ ذلك التاريخ وأنا لا أعلم عن مصيره شيئاً”.

تواصل السيدة أم أحمد حديثها لـ”عربي بوست” وهي تبكي بحرقة الأم المكلومة على ابنها: “أقوم يومياً بالسؤال عن قبره، لقد تأكدت من استشهاده بعد أن أعدم الجيش كل من بقي في المستشفى، أحاول أن أتحسس قبره، وأتفقد ملامحه بين الشهداء، علّني أتمكن من التعرف عليه وأضمه لصدري وأمنحه الوداع الأخير”.

تواجه الطواقم الطبية وفرق الدفاع المدني تحدياً في معرفة العدد الحقيقي للشهداء داخل غزة، فوفقاً لأرقام وزارة الصحة فقد تجاوز عددهم منذ بدء الحرب على القطاع التي انطلقت في الـ7 من تشرين الأول 2023، 34 ألف شهيد، إلا أن مصير 10 آلاف آخرين لا يزال مجهولاً.

يشير الدكتور أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة في حديثه لـ”عربي بوست” إلى أن “الرقم الحقيقي لأعداد الشهداء في غزة يتجاوز ما يتم الإعلان عنه من قبل الوزارة، إلا أننا ملتزمون بإيضاح العدد الفعلي للشهداء الذين يتم التعرف عليهم من قبل الطواقم الطبية، أي أن كل شهيد يتم الإعلان عنه لدينا كافة التفاصيل الخاصة باستشهاده”.

ويضيف: “من لم نتمكّن من التعرف عليه لعدم وجود ملامح تشير إلى هويته كرفات جثة محروقة أو شهيد بلا رأس، نصفنه كشهيد مجهول الهوية، ونقوم بدفنه في مقابر جماعية وفق الأصول وبحضور الطبيب الشرعي، وترقيم شاهد قبره، ليتمكن أهالي الشهداء الذين لم يعرفوا مصير أبنائهم أن يتفقدوا جثامين أبنائهم في المقابر الجماعية التي أنشأناها لهذا الغرض”.

وتابع المتحدث: “قررنا في وزارة الصحة تشكيل قاعدة بيانات عامة للجمهور ليتمكنوا من معرفة مصير أبنائهم، فأطلقنا موقعاً إلكترونياً لتقديم بيانات عن الشهداء أو المفقودين، لنتمكن من خلاله من تحديد مصير عشرات الآلاف ممن لا يعرف مصيرهم”.