تفجّر انقسام جديد بين أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي، بعد أن وجه وزير الدفاع يوآف غالانت تحديا صريحا لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، لوضع خطط لـ “اليوم التالي” للحرب في غزة، متعهدا بمعارضة أي حكم عسكري إسرائيلي طويل الأمد للقطاع الفلسطيني المدمر.
وأدت تعليقات غالانت، التي حظيت على الفور بدعم زميله بحكومة الحرب، بيني غانتس، إلى دخول عدد من القادة الإسرائيليين في خلاف علني، في خضم الحرب الدائرة بغزة منذ أزيد من 7 أشهر، مما أثار تساؤلات حول مستقبل مجلس الحرب الإسرائيلي وائتلاف نتانياهو الذي يشهد انقسامات متكررة.
وأثارت تصريحات وزير الدفاع التي طالب فيها نتانياهو علنا بتحديد خطط لليوم التالي لإدارة غزة، جدلا سياسيا حادا على الفور، مما دفع نتانياهو للرد بشكل عاجل، في حين طالب وزير الأمن القومي المتشدد، إيتمار بن غفير، باستبدال غالانت وعزله من منصبه، كما وجه له أعضاء آخرون بالحكومة انتقادات واسعة.
وفي المقابل، دعم غانتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق والمنتمي إلى تيار الوسط تصريحات غالانت، معتبرا أنه “قال الحقيقة”.
المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن يرى أن تصريحات غالانت “تمثل تحديا علنيا لزعامة نتانياهو وانتقادا شديد اللهجة من وزير الدفاع لأداء رئيس للوزراء”.
ويشير شتيرن في تصريح لموقع “الحرة” إلى أن التطورات الأخيرة “انعكاس للانقسام ما بين القيادات الإسرائيلية وخصوصا بين معسكر يضم نتانياهو وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير المحسوبين على اليمين المتشدد، من جهة، ومعسكر أعضاء وزراء الحرب، غادي آيزنكوت وبيني غانتس بالإضافة إلى وزير الدفاع، على الجهة الأخرى”.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في خطاب متلفز، الأربعاء، إنه “غير موافق على السيطرة” الإسرائيلية على قطاع غزة بعد الحرب
وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إن “وزير الدفاع الذي فشل في 7 تشرين الاول ويستمر بالفشل اليوم. مثل هكذا وزير دفاع يجب استبداله لتحقيق أهداف الحرب”.
من جانبه، اعتبر وزير المالية سموتريش، أن غالانت “أعلن اليوم دعمه لإنشاء دولة إرهابية فلسطينية”.
وقال وزير العدل، ياريف ليفين، عضو حزب الليكود الذي يقوده نتانياهو، إن “الشعب الإسرائيلي لن يوافق على تسليم غزة لسيطرة السلطة الإرهابية الفلسطينية” وأمنها “لن يتم ضمانه إلا من خلال التصميم على النصر”.
في هذا السياق، يقول المحلل الإسرائيلي، إن نتانياهو يمضي نحو اتباع نهج التيار اليميني المتشدد، أكثر من اتباع ما تمليه عليه أجهزة الأمن والجيش والدفاع.
وبحسب صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية سبق أن أصدر مسؤولون كبار في جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن العام، الشاباك) تحذيرات مماثلة لنتانياهو مؤخرا.
وذكّرت بتصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إلى وسائل الإعلام عند معبر كرم أبو سالم في وقت سابق من هذا الأسبوع، والتي قال فيها إن “وجود بديل لحماس سيشكل ضغطاً عليها”.
وبينما سارع المسؤول العسكري للتأكيد على أن “هذه مسألة تخص المستوى السياسي”، إلا أن رسالته جاءت بنبرة حازمة وجلية، وفقا للمصدر ذاته.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز، قد نقلت نقلت عن بعض كبار ضباط الجيش الحاليين والسابقين إنه “بسبب فشل الحكومة في طرح خطة “اليوم التالي”، فإن القوات الإسرائيلية مضطرة، في الشهر الثامن من الحرب، إلى القتال مرة أخرى في الأراضي التي عاد إليها مسلحو حماس”.
وبحسب هآرتس، فإن التصريحات الأخيرة تعكس تصاعد القلق لدى الوزراء الثلاثة وقادة الأجهزة الأمنية إزاء مسار الحرب ضد حماس، معتبرة أنها لا تقتصر على “اليوم التالي”، والدعوة لأن تحدد الحكومة هدفا سياسيا إلى جانب أهدافها العسكرية فحسب، بل تطرح أيضا تساؤلات حول تعثر مفاوضات تحرير الأسرى، واستمرار المعارك في رفح، وتنامي الخلافات مع مصر والولايات المتحدة.
وخلال مؤتمر صحفي، عقده الأربعاء، في تل أبيب، قال غالانت “لا بد أن نفكك قدرات حماس على الحكم في غزة. مفتاح هذا الهدف هو التحرك العسكري وترسيخ بديل لحكم غزة”.
وأضاف “في غياب هذا البديل، لا يتبقى سوى خيارين سلبيين؛ وهما إما حكم حماس في غزة أو الحكم العسكري الإسرائيلي في غزة”. ومضى قائلا إنه سيعارض السيناريو الثاني وسيحث نتانياهو على التعهد لتجنبه.
وفي ملاحظاته، انتقد غالانت عدم وجود أي تخطيط سياسي لـ “اليوم التالي”، وقال “لن أوافق على إقامة حكومة عسكرية في غزة”، مضيفا أن “نظاما مدنيا عسكريا في غزة سيصبح الجهد الرئيسي هناك وسيكون على حساب الساحات الأخرى. سندفع ثمن ذلك بالدم والضحايا – وسيكلف ذلك ثمناً اقتصادياً باهظاً”.
ومثّلت انتقادات غالانت لرئيس الوزراء انعكاسا لمطالبات الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، التي تسعى إلى استغلال الحرب في منح دور للسلطة الفلسطينية المدعومة دوليا، وفقا لرويترز.
ويرفض نتانياهو هذا، ويصف السلطة الفلسطينية بأنها كيان عدائي، وكرر هذا الموقف في رده على تصريحات غالانت.
الباحث السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، يرى أن تصريحات غالانت “مسيّسة”، معتبرا أن وزير الدفاع “يمثل التوجه الأميركي الذي يريد عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة”، بعد أن طردت منه 2007.
بينما في المقابل، لا يساند نتانياهو عودة السلطة إلى غزة ولا بقاءها بالضفة الغربية، وفقا لكيدار الذي يشير إلى أن “هذه الرؤية تمثّل الموقف القومي الإسرائيلي الذي يعارض قيام السلطة لأنها نواة إقامة دولة فلسطينية، ستتحول لا محالة إلى دولة حمساوية”، ولذلك هناك معارضة واسعة لأي دور للسلطة خاصة في غزة وأيضا في الضفة.
ورداً على تعليقات غالانت، جدد نتانياهو تمسكه بإدارة فلسطينية في غزة بينما لا تزال حماس موجودة، مضيفا أنه يجب السعي إلى تدمير حماس “دون أعذار”.
وقال نتانياهو: “بعد المذبحة الرهيبة، أمرت بتدمير حماس. يقاتل مقاتلو الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن من أجل ذلك. طالما بقيت حماس، لن يدير غزة أي جهة فاعلة أخرى – وبالتأكيد ليس السلطة الفلسطينية”.
في هذا الجانب، يقول كيدار في حديثه لموقع “الحرة”، إن نتانياهو يعبّر عن رغبة “الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين الذين يخشون تحول السلطة إلى دولة حماس إما عبر صناديق الاقتراع، وإما عبر السلاح”، بينما غالانت في المقابل “يعكس المواقف الأميركية”.
وعلاقة بموقف غانتس، يقول إنه هو الآخر “في نفس المركب مع غالانت”، رغما أنهما من أحزاب مختلفة، مشيرا إلى أن هذا الأخير محسوب على حزب الليكود، لكنه يتصرف على “عكس التوجه الليكودي”.
وبشأن دعوة بن غفير ووزير الاتصالات، شلومو كرحي، إلى إقالة غالانت من منصبه، اعتبر شتيرن أن الانقسامات المتتالية بين القادة السياسيين بإسرائيل تهدد استمرارية الائتلاف الحاكم، بل وتستدعي التوجه لانتخابات، مضيفا، أنها مسألة وقت فقط تؤجّلها المعارك المستمرة بغزة.
لكن على صعيد آخر، يرى مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، أن “المجتمع الإسرائيلي ديمقراطي ويتميز بتعددية الرؤى والأفكار”.
وتابع في تصريح لموقع الحرة، أن “مثل هذه التباينات في وجهات النظر والمواقف طبيعية وتقليدية جدا، ولا سيما مع وجود حكومة وحدة وطنية، أي ائتلاف موسع يضم أطياف مختلفة”.