إعداد الباحثة د. غادة الخرسا
موقف كامل الأسعد من الاحتلال الفرنسي:
بعد أن هُزمت تركيا، وبدأت قوات الحلفاء بدخول المشرق العربي، وفي سنة 1918، بعد إعلان الحكومة العربية في دمشق ووصول الأمير فيصل إليها، بعث الأخير رسالة إلى كامل بك الأسعد، مع رسول يدعى إيليا الخوري، يدعوه فيها إلى مهاجمة الترك وطردهم من السواحل، ورفع العلم العربي عليها، وقد كان لهذا الرسالة وقع عظيم في نفس كامل بك التي كانت بمثابة تفويض من الأمير فيصل بإدارة الحكومة العربية في جبل عامل.
في اليوم التالي أرسل كامل بك الأسعد أيليا الخوري، وشقيقه عبد اللطيف بك الأسعد إلى جديدة مرجعيون الجنوبية، مركز القائمقامية، ومعها مئتا فارسٍ، فاستقبلهم الأهالي بحماس وتبلغوا رسوم الأمير فيصل وتسلموا الراية العربية، ورفعوها على دار الحكومة، وبقيت مرتفعة في مرجعيون لمدة شهرين: فكانت أول راية عربية لأول حكومة عربية في سوريا ولبنان في مرجعيون، كما نزل كامل بك إلى النبطية في موكب حافل وحلَّ عند آل الفضل، حيث ركز الراية العربية في أعلى الدار.
وبعد أن احتل الفرنسيون البلاد:
حاولت فرنسا في البدء التعاون مع زعيم الجنوب، كامل بك الأسعد، إلا أن كامل بك كان يأمل بانتصار الأمير فيصل في الشام، وفي آذار عام 1920، أقدمت السلطة الفرنسية في محاولة منها لكسب موقف كامل بك، على استخدام قواتها العسكرية في إحضار أعيان جبل عامل إلى جسر الخردلي، وطلبت إليهم تأييد سياستها، فكان جواب كامل بك الأسعد ” إن العامليِّين يرفضون هذا الطلب، سيما الاعتراض والاحتجاج على ما قرره المؤتمر السوري من تنصيب الأمير فيصل ملكاً على سوريا، لأنه هاشمي وهذا من أخص تمنيات الشيعة.
ولما كانت فرنسا مهتمة في توقيع عرائض ضد المؤتمر السوري، ولما كانت الأجواء في جبل عامل تتمحور حول توجه كامل بك الأسعد الذي شكل قبله التوجه الفرنسي، حاولت فرنسا التقرب إليه، وإقناعه بالموافقة على العريضة، التي رُفعت إلى مؤتمر الصلح في باريس، من سكان قضاء صور يطالبون بالانضمام إلى لبنان الكبير.
حاول الفرنسيون إقناع كامل بك الأسعد بالموافقة على العريضة، غير أنه رفضها قاطعاً أمام الوفد العاملي ” إن الشعب العاملي لا يقبلها، وأنا بصفتي رئيس هذه البلاد لا أستطيع فعل ما لا يريدونه ” .
وكانت قد نشأت عصابات تدعي مقاومة الانتداب الفرنسي، ودخل فيها بعض الأفراد الذين خرجوا عن الهدف الأساسي، وأخذت تعبث في البلاد فساداً، سرقة وسلباً واعتداءات على الأهالي، مع فرض خّات.
وكان كامل بك قد أعطى التطمينات للقرى المسيحية بعد مهاجمتها، غير أن الأمر كان يخرج عن إرادته أحياناً، من قبل بعضهم وهذا ما حدث في قرية دير ميماس، التي نُهبت وسُرقت ماشيتها، لكنها اطمأنت بعد إعلان كامل بك حمايتها.
أيضاً طمأنها بطرك الروم الأرثوذكس بدمشق وعلم أن السالبين من بعض العربان، وأن القرى المجاورة الشقيقة قد هبّت بأمر كامل بك ولحقت بالسالبين وردت المنتهبات، كذلك نهبت الدكاكين في قرية جويا، وبلغ الخبر كامل بك، فاسنتجد بالعسكر الفرنسي الذين قطعوا الطريق على السالبين، عند عين صور في أرض الحولة.
هذا الوضع الجديد أدى إلى تدهور الحالة الاقتصادية في جبل عامل ودخلت الفوضى في البلاد مع دخول عصابات تلتهم الأخضر واليابس؛ فتداعى الأعيان، ورأس الدعوة زعيم البلاد الأكبر، كامل بك، حيث أرسل محمود بك الفضل، ويوسف بك الزين – النبطية – يدعوهما إلى الاجتماع، وعندما علم المسؤول الفرنسي شارل بيتيه، بالاجتماع حضر وقدم اقتراحاً بأن يعين حرساً وطني من المتطوعين، غير أن كامل بك تخوف لجهة عدم التسرع في اتخاذ قرار حاسم ونهائي من الموضوع، خصوصاً أنه يؤدي إلى خلق شرخ بين الأهالي، لأنه يعتبر نفسه المسؤول ويحرص على عدم جر البلاد إلى حرب أهلية.
كل هذا أفضى بكامل بك إلى مشاورة علماء البلاد وأعيانها، فحصل الاجتماع على رفض الطلب.
يتبع…
الزّعيم الوائليّ كامل بك الأسعد