طَرابُلُس… يا زَمَنَنا الجَمِيل!  بِقَلَم: مُورِيس وَدِيع النَجَّار

 

(تَحِيَّةٌ إِلى عاصِمَةِ الثَقافَةِ طَرابُلُسَ، مَسرَحِ صِبانا في الزَّمَنِ الجَمِيلِ، سِتِّينِيَّاتِ القَرْنِ العِشْرِين)

(أُلقِيَت في المِهرَجانِ الشِّعرِيِّ الَّذِي أَقامَتهُ الرَّابِطَةُ الثَّقافِيَّةُ في الكُورَةِ في مَقَرِّ الرَّابِطَةُ الثَّقافِيَّةُ في طَرابُلُسَ، في 18/5/2024)

 

فَيْحاءُ… يا فَوْحَنا الباقِي على شَجَنِ       مِن ذلِكَ الزَّمَنِ الأَحلَى مِنَ الزَّمَنِ
ما زِلتِ ذِكْرَى لَنا، يا شَجْوَ أُغنِيَةٍ           في البالِ، ما طَمَسَتها غَزْوَةُ المِحَنِ
إِنَّا إِلَيكِ… فَهَل حِضْنٌ يَحُنُّ على          هذِي الهَياكِلِ في دَهْرٍ غَوٍ عَفِنِ؟!
يا مَوطِنَ العِطْرِ مِ اللَّيمُونِ يَحمِلُنا          إِلى جِنانٍ مِنَ الأَحلامِ والفِتَنِ
بِاللَّهِ يا مَرْبَعَ الصَّبَواتِ لَو رَجَعَت           سِتُّونُ قَرْنٍ مَضَى مِن غامِرِ الوَسَنِ
هل إِنْ أَتَينا إِلَيكِ اليَومَ تَعرِفُنا               تِلكَ الزَّوايا، وقد هُنَّا ولَم تَهُنِ؟!
في الصَّدرِ أَنتِ، فَهَل دامَت لَنا صُوَرٌ،     أَم قد غَدَونا كَأَنْ مَنْ كانَ لَم يَكُنِ؟!
هل ما تَزالُ خُطانا في الدُّرُوبِ، وهل       باقٍ هُناكَ دَلالُ المَبسِمِ الحَسَنِ؟!
نَجِيَّةَ الرُّوحِ، هل نَنسَى المِلاحَ وقد          قَرَنَّ بِالغُنْجِ سِحْرَ الرَّونَقِ اللَّدُنِ؟!
نَسعَى إِلَيهِنَّ والأَشواقُ فائِرَةٌ،                إِمَّا كَتَمنا الهَوَى، في لَحظِنا يَبِنِ
وَهُنَّ يُبدِينَ مِنْ صَدٍّ وتَلبِيَةٍ                  ما يُشعِلُ القَلبَ في سِرٍّ وفي عَلَنِ
سَقْيًا لَها، عَبَرَت، تِلكَ السِّنُونُ، وكَم      طالَ المَسِيرُ، وهاجَ الشَّوقُ لِلدِّمَنِ؟!
يا جارَةَ البَحرِ كَم في بَحْرِ أَنفُسِنا           جاشَت غَوارِبُ لا تُبقِي على سَكَنِ
يَشُوقُنا ذلك الماضِي فَيُعجِزُنا               عَوْدٌ إِلَيهِ، فَنُمْسِي طُعْمَةَ الوَهَنِ
وتَستَفِيقُ بِنا الذِّكرَى وظاهِرُها               خَمْرٌ، وباطِنُها يَغفُو على شَجَنِ
هي الكَآبَةُ نَهواها إِذا وَفَدَت                 إِثْرَ الطَّوافِ بِماضٍ فِيكِ مُختَزَنِ
مَنْ هامَ فِيكِ، كَما هِمْنا، على كُرَبٍ؟!  إِنْ لَم نَكُنْ نَحْنُ، يا عَشْقَ الصِّبا، فَمَنِ؟!
لَأَنتِ لِلنَّفسِ مَلجاها إِذا عَصَفَت             بِنا اللَّيالِي، تَضُمِّينا بِلا مِنَنِ
طَرابُلُسْ… كُنتِ وَجْدًا في فُتُوَّتِنا،            واليَومَ أَنتِ لَنا بُرْءٌ مِنَ الإِحَنِ
وأَنتِ ذُخْرٌ يُؤَاسِينا بِغُصَّتِنا،                   وأَنتِ نُوْرٌ بِلَيلٍ غَمَّ في الوَطَنِ
حَطَّت بِكِ الحَربُ تَكرارًا فَما مَحَقَت          مِنكِ السَّماحَ، ولا بِتِّ على ضَغَنِ
وهَشَّمُوا فِيكِ، أَحبابًا، فَما وَسِعُوا              أَن يَدفَعُوكِ، بِما وَشَّوْا إِلى الظِّنَنِ
أُمَّ الفَقِيرِ… لَقَد بِتنا على عَوَزٍ،               فَمَنْ رَعَى قادَنا لِلمَوْرِدِ الأَسِنِ
يَدعُونَ رَبًّا بِمَكْرٍ كَي نُوَقِّرَهُم،                 وهُم، بِما نَسَجُوا، أَدنَى إِلى الوَثَنِ
ولَيسَ مِنهُم هُمامٌ يَرعَوِي وبِما                 قد شَرَّعَت لِلوَرَى آيُ السَّماءِ عُنِي
يا مَوئِلَ العُلَماءِ الغُرِّ كم عَبَثَت             آثامُنا بِالنُّهَى وبِهَدْيٍ مِ العَلاءِ سَنِي
ثَقافَةُ العُرْبِ أَنتِ، اليَومَ، مَوئِلُها،            كَما بِماضِيكِ كُنتِ البَدْعَ في اللُّسُنِ
أَنتِ المَلاذُ لِمَن يَهوَى الكِتابَ، ومَن            يَهُزُّهُ الحَرْفُ، والخَلَّاقِ واللَّسِنِ
مَدارِجَ الخَيرِ هَلَّا تَصمُدِينَ على              جَوْرِ الزَّمانِ فَيَبرا سالِفُ السُّنَنِ
قَد كُنتِ، في يَفْعِنا، دِفْئًا وعافِيةً،                 وزَهْوَ نَوْرٍ غَشانا مِن رُبَى عَدَنِ

تَبقَينَ، طَيَّ حَنايانا، مُدَلَّلَةً،                 يا مَوطِنَ الحُبِّ، يا قَيدُومَةَ المُدُنِ!