اجراءاتُ “ما بعد” قرار الجنائية الدولية!

في بيان صدر، أعلن مدعي المحكمة الجنائية الدولية أنه يسعى إلى إصدار أوامر اعتقال بحق قادة في حركة حماس هم يحيى السنوار، وإسماعيل هنية ومحمد ضيف، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بهجمات 7 تشرين الاول على إسرائيل، والحرب التي تلت ذلك.

وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان، اليوم الاثنين، إنه طلب من الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة “إصدار أوامر قبض فيما يتصل بالحالة في دولة فلسطين”.

كانت مسألة إصدار أوامر اعتقال من المحكمة محل نقاش مكثف في أعقاب هجمات حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الاول، التي أدت إلى مقتل 1200 شخص، غالبيتهم من المدنيين، وما أعقبها من عملية إسرائيلية واسعة النطاق في غزة أدت إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص.

 

وقال المدعي في طلبه إن يحيى السنوار (قائد حركة حماس في غزة)، ومحمد ضيف (قائد كتائب القسام)، وإسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحماس) يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أراضي إسرائيل وغزة اعتبارا من السابع من تشرين الاول2023.

وعدد المدعي “الجرائم التي ارتكبها” مسؤولو حماس، التي اعتبرها تخالف نظام المحكمة، ومن بينها “الإبادة والقتل العمد وأخذ الرهائن والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والمعاملة القاسية والاعتداء على كرامة الشخص”.

وبالنسبة إلى نتانياهو وغالانت، قال إنه “استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد” بأنهما “يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من الثامن من تشرين الاول 2023 على الأقل”.

وتشمل هذه الجرائم المشار إليها “تجويع المدنيين، وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة بما أو المعاملة القاسية، والقتل العمد، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، والإبادة و/أو القتل العمد، بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع، والاضطهاد”.

وقال المدعي إن “استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، مقرونا بهجمات أخرى وبالعقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة، كانت له آثار حادة” مثل “سوء التغذية والجفاف والمعاناة البالغة وتزايد أعداد الوفيات بين السكان الفلسطينيين، ومن بينهم الأطفال والنساء”.

وبتقديمه هذه الطلبات، دعا مكتب المدعي العام إلى “إصدار أوامر قبض عملا بولايته بموجب نظام روما الأساسي” (نظأم تأسيس المحكمة).

وفي تصريحات لموقع الحرة، قال خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، إن الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية ستنظر الآن في طلب خان لإصدار أوامر الاعتقال.

ويوضح أن المحكمة، بموجب المادة 57 من نظام المحكمة، تصدر بناء على طلب المدعي العام مذكرات التوقيف، بعد أن يقدم “الأدلة المعقولة بأن هناك جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو إبادة جماعية ارتكبت من قبل متهم ملاحق أمام المحكمة”.

ويضيف سلامة أنه في نهاية المطاف لا تصدر مذكرة توقيف بحق أي متهم، إلا بعد تمحيص وتحقيق.

ويؤكد أنها “لا تصدر من المدعي، ولكن من قبل الدائرة التمهيدية للمحكمة”.

ويشير نظام عمل المحكمة على موقعها الإلكتروني إلى أنه بعد جمع الأدلة وتحديد المشتبه فيه، يطلب الادعاء من قضاة المحكمة الجنائية الدولية إصدار، إما مذكرة اعتقال (تعتمد المحكمة الجنائية الدولية على الدول لإجراء اعتقالات ونقل المشتبه بهم إلى المحكمة الجنائية الدولية) أو استدعاء للمثول، وحينها يحضر المشتبه بهم طوعا (إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يتم إصدار مذكرة اعتقال).

وفي مرحلة ما قبل المحاكمة، تعقد جلسة المثول الأولي، وفيها يجري 3 قضاة الإجراءات التمهيدية ويتأكدون من هوية المشتبه به ويتأكدون من فهمه للتهم الموجهة إليه.

وبعد الاستماع إلى الادعاء والدفاع والممثل القانوني للضحايا، يقرر القضاة (عادة في غضون 60 يوما) ما إذا كانت هناك أدلة كافية لعرض القضية على المحكمة.

ويجب على الادعاء، أمام 3 قضاة، أن يثبت بما لا يدع مجالا للشك كون المتهم مذنبا.

وينظر القضاة في جميع الأدلة، ثم يصدرون حكما، وعندما يكون هناك حكم بالإدانة، يجوز للقضاة أن يحكموا على أي شخص بالسجن لمدة تصل إلى 30 عاما، وفي ظروف استثنائية، بالسجن مدى الحياة، ويمكن للقضاة أيضا أن يأمروا بتعويضات للضحايا.

وتاريخيا، كانت الدائرة التمهيدية تستغرق عدة أشهر لتقرر ما إذا كانت ستصدر مذكرة التوقيف أم لا. وتشمل الأمثلة السابقة أوامر اعتقال لرؤساء الدول، السوداني عمر البشير (من تكوز 2008 إلى آذار 2009) والروسي فلاديمير بوتين (من شباط 2023 إلى آذار2023).

وتخضع الأحكام للاستئناف من قبل الدفاع والمدعي العام.

ويجوز لكل من المدعي العام والدفاع استئناف قرار غرفة الدرجة الأولى بشأن الحكم (قرار إدانة المتهم أو براءته) والحكم.

ويجوز للضحايا، والشخص المدان، استئناف أمر التعويض.

ويوضح سلامة أنه إذا رفضت المحكمة طلب المدعي العام محاكمة شخص بالتهم المحددة، يستطيع المدعي العام أن يستأنف هذا القرار بالرفض، أمام دائرة الرفض في المحكمة.

ويتم البت في الاستئناف من قبل 5 قضاة في غرفة الاستئناف، لا يكونون أبدا نفس القضاة الذين أصدروا الحكم الأصلي.

وتقرر دائرة الاستئناف ما إذا كانت ستؤيد القرار المستأنف أو تعدله أو تلغيه. وبالتالي فإن هذا هو الحكم النهائي، ما لم تأمر دائرة الاستئناف بإعادة المحاكمة أمام الدائرة الابتدائية، وفق موقع المحكمة.

ويوضح سلامة أنه بعد صدور مذكرة الاعتقال، تصبح 124 دولة عضو في المحكمة ملزمة جميعها، بلا استثناء، بالتعاون مع المحكمة لاعتقال المحكومين.

وليس ذلك فحسب، بل يكون عليها واجب موافاة المدعي العام بأي بيانات ومستندات وأدلة لديها بشأن الجرائم المدعى ارتكابها، وفق سلامة.

وفي حال صدرت أوامر اعتقال، ستكون تلك المرة الأولى التي تستهدف فيها المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل، ويضع هذا القرار نتانياهو وغالانت مع مسؤولين كبار آخرين صدرت مذكرات اعتقال بحقهم، مثل البشير وبوتين.

مارك كلامبيرغ، زميل “مشروع التقاضي الاستراتيجي” التابع للمجلس الأطلسي، وهو أيضا أستاذ في القانون الدولي في جامعة ستوكهولم، كتب في مقال سابق إنه كانت هناك محاولات عدة لإقناع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوجيه اتهامات تتعلق بالأعمال الإسرائيلية في الماضي، بما في ذلك بعد حادثة مافي مرمرة عام 2010، والحرب بين إسرائيل وغزة عام 2014، والاشتباكات بين غزة وإسرائيل عام 2018، لكن تلك التحقيقات لم تسفر عن توجيه تهم ضد شخصيات حكومية إسرائيلية.

إشكاليات
وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة، ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن الأراضي الفلسطينية أصبحت دولة عضوا فيها عام 2015.

وفي عام 2021، فتحت المحكمة تحقيقا رسميا في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وقال خان في تشرين الاول من العام الماضي إن للمحكمة سلطانا قضائيا على أي جرائم حرب يحتمل أن يكون مسلحو حماس ارتكبوها في إسرائيل، أو ارتكبها إسرائيليون في قطاع غزة.

وفي بيانه الجديد، أكد خان أن “هذه الولاية سارية وتشمل تصعيد الأعمال العدائية والعنف منذ السابع من تشرين الاول 2023. ولمكتبي أيضا الاختصاص فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها رعايا الدول الأطراف ورعايا الدول غير الأطراف على أراضي دولة من الدول الأطراف”.

وكتب سلامة في مقال سابق إن نظام المحكمة “لا يعفى إسرائيل كونها ليست عضوا، إذ يمكن لفلسطين باعتبارها دولة عضو فى نظام المحكمة أن تتقدم لمكتب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، بعد توثيق جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل”.

واعتبر كلامبيرغ في مقاله أن ممارسة المحكمة اختصاصها القضائي فيما يتعلق بحرب غزة يأتي نتيجة أن السلطة الفلسطينية في رام الله قبلت اختصاص المحكمة.

وهذا يعني أنه سيكون لهذا الأمر عواقب، حتى بالنسبة لإسرائيل، التي لم توقع على النظام الأساسي للمحكمة.

وعملا بالقواعد والمبادئ القانونية، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تمارس ولايتها القضائية على الجرائم المرتكبة على أراضيها وعلى مواطنيها.

وبالتالي، فإن السلطة الفلسطينية تستطيع أن تمنح المحكمة الجنائية الدولية نفس الصلاحيات، أو على وجه التحديد ممارسة الولاية القضائية على الجرائم المزعومة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في غزة أو الجرائم التي ارتكبتها الجماعات الفلسطينية مثل حماس.

وهذا هو نفس المبدأ الذي يسمح للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا ومقاضاة مرتكبيها.

وعندما أشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن فريقه يحقق مع طرفي النزاع، فإن ذلك يرتبط بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولم يتم ذكر أي حق على الإطلاق في الدفاع عن النفس.

وفي حين أنه من الواضح أن لإسرائيل الحق في حماية سكانها، إلا أن هناك أيضا حدودا لممارسة هذا الحق، وهو أمر اعترف به المسؤولون الإسرائيليون أيضا، وفق المقال.

لكن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك قوة شرطة خاصة بها، لذا فهي تعتمد على الدول في تنفيذ أوامر الاعتقال التي تصدرها (أو على المشتبه بهم أن يقدموا أنفسهم إلى المحكمة طواعية).

والدول الـ124 التي انضمت إلى المحكمة الجنائية الدولية ملزمة قانونا بتنفيذ أوامر المحكمة (المادة 86 التي تنص على “تعاون الدول الأطراف معه تعاونا كاملا، وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة).

ولكن تاريخيا كان هذا التعاون محل شكوك، ولايزال 17 شخصا صدرت بحقهم أوامر اعتقال طلقاء، وفق منتدى “جاست سيكوريتي” القانوني.

ويشير سلامة إلى أنه “لا حصانة للصفة الرسمية للمتهم أمام المحكمة، سواء كان رئيسا أو رئيس وزراء أو وزيرا أو سفيرا أو قائد جيش أو قائد ميليشات عسكرية.

“وهذه ليست بدعة من المحكمة ولكن المادة 27 في النظام الأساسي للمحكمة تنص على ذلك”.

لكن في نهاية المطاف، واستنادا إلى التجارب السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الإدانة لا تعني بالضرورة الاعتقال والمحاكمة الفورية.

وعلى سبيل المثال لم يتم القبض على البشير، أو محاكمته حتى الآن، على الرغم من صدور أمر اعتقاله في عام 2009.

ولفترة طويلة، قبل الإطاحة به، ظل البشير يسافر إلى “دول صديقة” التي لم تقم باعتقاله، وكانت حجتهم في ذلك هي أن أعراف القانون الدولي تقضي بحصانة رؤوساء الدول.

وفي عام 2019، ذكرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية بوضوح أنه لا توجد مثل هذه الحصانة فيما يتعلق بالقضايا المعروضة على المحاكم الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية.

وبالتالي فإن المشكلة المباشرة التي يواجهها المسؤولون الإسرائيليون بموجب أي مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية هي أن الدول الأعضاء في المحكمة ستكون ملزمة قانونا باعتقال هؤلاء المسؤولين إذا سافروا إلى أي من الدول الأعضاء، وفق تقرير سابق لموقع الحرة.

الرئيس السابق للمحكمة الجنائية الدولية، شيلي إيبوي أوسوجي، قال في مقابلة مع مجلة “فورين بوليسي” نشر موقع الحرة مقتطفات منها من قبل إنه “لا ينبغي الاستهانة بهذا الالتزام، ففي العام الماضي مثلا، ألغى بوتين خططه لحضور قمة البريكس في جنوب أفريقيا، في ضوء التزام بريتوريا الواضح باعتقاله”.

لكن في حين أن مذكرة اعتقال بحق نتانياهو أو غيره من كبار المسؤولين الإسرائيليين قد تلقى ترحيبا في العديد من الأماكن، قد تخلق أيضا تحديات أمام المحكمة الجنائية الدولية، فبعض أقوى مؤيديها بين الدول الأوروبية ملتزمون أيضا بسلامة إسرائيل.