إعداد الباحثة د. غادة الخرسا
لدى انتهاء مهرجان الطيبة – الجنوب، وفيما كان الجنرال غورو يودع كامل بك الأسعد، وضع يده بيده، معلناً: ” لي الفخر أن أضع يدي بيد أعظم الرجال “
لا زعامات في جبل عامل إلا بابن الأسعد:
وفق رأي علماء جبل عامل، القول المأثور هو: ” بيتشكوف خبر دولتك.. سلطاننا عبد اللطيف، باريس مربط خيلنا، ورصاصنا يوصل جنيف “
خلف أحمد بك الزعامة عن والده عبد اللطيف:
انتُخب نائباً عام 1937، يقيناً زعامة أحمد بك الأسعد من أكبر زعامات الشرق، وقد شهد بذلك النشاشيبي أحد زعماء فلسطين، وكانت شدة المحبة والحماسة من أهل جبل عامل لدرجة أنهم كانو ينشدون ” حلك يا الله حلك .. يقعد أحمد بك محلك “.
كرمه وعطاؤه:
كان كامل بك الأسعد، قد ذاع صيته في الكرم والعطاء، ولم يختلف في هذه المزية من مزاياه أي من الباحثين.
ويذكر الأمير شكيب أرسلان أن المجال الذي لم يكن يجاريه فيه مُجارٍ، ولا يباريه ممن عرفناهم في هذا العصر مبارٍ، هو في الكرم الذي ذكر بما يروى عنه حاتم الطائي، وجعفر البرمكي، ومعن بن زائدة، وطلحة الطلحات، وغيرهم ممن ضُربت بهم الأمثال، وهذا المزية لا تتوفر إلا لمن كانت مزية أصوله يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
كما يذكر معاصروه الشيخ علي الزين، أن ما كان يؤثر عن كامل الأسعد ويمتاز به، الشهامة وعزة النفس، والترفع عن كل ما يشين سمعته من مباذل وشهوات رخيصة.
إضافة إلى ارتياحه للأناقة والفخامة في كل مظهر من مظاهر الحياة البيئية والاجتماعية، وبذله أقصى ما بوسعه من وقت وجهد ومال على تمثيل الإمارات العربية، في مواكب صيدها ومواكب خيلها، في جلسات الميدان ومظاهر الفروسية.
كذلك تقديره للمجالس الأدبية وضربه للنكتة، وتتوقه للشعر المألوف، لأبناء جيله.
ويذكر السيد محسن الأمين: ” أنه كان ذكي القلب، دلق اللسان، بهي الطلعة، يأخذك بحسن استقباله، وحسن حديثه، وبراعته في مسايرة العادات والتقاليد المرعية لدى كل طبقة من طبقات الشعب.
ثم يبهرك بسخاء الموائد وأدب الضيافة.
ويؤكد هذا الكرم والسخاء الأمير شكيب أرسلان بقوله: ” عاش من أول حياته إلى أن لقي ربه في بحبوحة من اليسار الركاب والجياد، قلَّ أن وُفق لمثلهما سيد من سادات العرب، مع أنه كل مدة حياته لم يقبض يده عن العطاء يوماً واحداً، ولم يخلُ من الأضياف، والقصّاد ساعة واحدة، وكان محله في قرية الطيبة منبعاً للورود من كل قبيل، فكنت ترى أكناف داره مموجاً دائماً بالرحالة والخيالة، فتجد أهل السنة والشيعة وأبناء معروف، والأعراب والمسيحيين والغرباء من كل جنس، وكان جميع أهل جبل عامل والحولة والقنيطرة ومرجعيون عيالاً عليه، وكان هو الأب لبنيهم والملجأ لضعفهم والمنصف لمظلومهم والحكم العادل في الخصومات بينهم.
يذكر الأمير شكيب أرسلان عن مواقفه السسياسية:
إن الباحث في سياسة كامل بك الأسعد: ” لو شاء أن يعدد مباحثه ومفاخره لطال الأمر وضاق المجال “.
كما يذكر الأمير شكيب: ” وحسبي أن أشيد في هذه الصفحات إلى بعض من مواقفه السياسية، مما يدل على إدراكه ووعيه بالسياسة الداخلية والخارجية، ومدى رؤيته لآفاق المستقبل السياسي، وما فيه من مصلحة جبل عامل”.
موقفه من الأتراك:
بعد أن انتخب كامل بك عضواً للمجلس العمومي في بيروت، ثم عضواً للمبعوثان التركي، لمع اسمع في الأستانة، لجرأته وشجاعته، إذ كان يمثل كل العرب، ويسعى دائماً إلى إصلاح ذات البين في حكمة ودراية، فكان واسطة خير كلما جرت وحشة بين اثنين، اجتهد لإزالتها.
وطالما أدب المآدب لمبعوثي العرب، بقصد تلاقي بعضهم مع بعض وجمع كلمتهم.
وقد انتظم في حزب الائتلاف، وكان من أركانه وعاكس الاتحاديين ثم عاد إليهم لأسباب قسرية.
وكان جمال باشا يحاول استمالة الزعماء إذ كان يخطط للانفصال عن الدولة العثمانية، فأقام علاقة ودية مع كامل بك الأسعد، بقصد الإيقاع بينه وبين عبد الكريم الخليل الذي زاره في الطيبة، فتنبه كامل بك إلا محاولة الفتنة، فاتصل بعبد الكريم سراً واتفق على مقاومة العثمانيين، وقد أورد جمال باشا في مذكراته: ” أن بعض الأشخاص زاروه، وقالوا له إنكم وضعتم ثقة كبيرة في جماعة الإصلاح وخولتموهم حرية مطلقة في البلاد، لكنني أخشى أن يكونوا قد أساءوا استعمال تلك الثقة “.
وحاول جمال باشا أن يوحي لأخصام كامل بك، أن مفتي الجيش الرابع أسعد الشقيري، أخبره أن كامل بك يعلم أن عبد الكريم الخليل يُحضر لثورة على الدولة العثمانية، فتلقف بعض المغرضين هذا الخبر ليوقعوا بكامل بك ويسيئوا إليه، علماً أن جمال باشا كان يعلم العلاقة الوثيقة التي كانت تربط عبد الكريم بكامل بك، ويكفي أن هذا الخبر على لسان جمال باشا ليعرف المؤرخون خلفياته والقصد منه، ويذكر الشيخ علي الزين أن كامل بك كان يهزم الأتراك، ومن قوله فيهم: ” فلا خير أقوامَ لا خير عندهم ولا يُمنَ في أقوام ميمونهم قردُ
الزّعيم الوائليّ كامل بك الأسعد