إعداد الباحثة د. غادة الخرسا
مؤتمر وادي الحجير:
سبق انعقاد هذا المؤتمر، لقاءان لإعداد تصور لضبط فوضى العصابات، الأولى في الطيبة حضره علماء جبل عامل ووجهاؤه، والثاني في ديرميماس في 15 نيسان 1920، حضره من الجانب العاملي كامل بك، وإلى جانبه وفدٌ من النبطية وآخر من الخيام، وعلى الجانب الفرنسي متصرف لواء صيدا، شارل رينيه، وحاكم جديدة مرجعيون الفرنسي.
ولم يتم الاتفاق على تشكيل الحرس الوطني، لأن كامل بك الأسعد رفض اقتراح الحرس بمشورة السلطات المحتلة، واعتبر ذلك اعترافاً بشرعية وجودها.
وفي 24 نيسان 1920، عقد مؤتمر الحجي، بدعوى من كامل بك الأسعد، وحضور علماء جبل عامل ووجهاؤه، ويؤكد الشيخ أحمد رضا، أن حكومة دمشق أرسلت موفدين إلى جبل عامل، هما أحمد مريود، وأسعد العاصي، بهدف مقابلة كامل بك الأسعد، بهدف معرفة رأي وجهاء جبل عامل.
السيد عبد الحسين شرف الدين:
يعتبر أن الدعوة أتت لكامل بك من قبل رؤساء عشائر الفضل عبر رسلهم وقد حمل هؤلاء له رسايل الثورة، ويدعونه إلى خوض المعركة ضد فرنسا، ولم يجد هذا البلاغ استعداداً من كامل بك الأسعد، لأنه لم يكن مهيئاً له، فاستمهل الرسل وحملهم ردّه إلى أصحابهم: ” إنه ليس المتفرد بالرأي دون العلماء من أولي الشأن، والوجهاء الذين لهم كلمتهم… فلا بد من أجلٍ يضربه لميعادٍ يجتمع فيه العلماء والوجهاء، ليبحثوا هذه القضية على ضوء التفكير والتأمل، وهكذا كان “
ومهما يقال في دوافع الدعوة إلى المؤتمر فهي متناقضة عند الباحثين، وبعض المتداعين إلى انعقاده ليس بريئاً من خلفية سياسية، يبقى أن انعقاد المؤتمر جاء لتوحيد الموقف العالمي تجاه المشروع العربي، ووضع ضوابط لفوضى العصابات التي أخذت تستغل من قبل البعض للسرقة والنهب والفتك، دون تفريق طائفي، كما يبقى الإجماع على أن كامل بك الأسعد هو الداعي، وأن الحضور كان ممثلا للمجتمع العاملي ، إذا لبى الدعوة زهاء 600 شخصاً من أقضية النبطية، وصيدا وصور ومرجعيون، من رجال علم ودين ووجهاء ورؤساء العصابات، وفور وصول كامل بك بدأ الاجتماع ، الذي شرح فيه أسباب الدعوة للمؤتمر وما وصل إليه من دعوات، عرض على المؤتمر عدة آراء، وبعد جلسات متعددة، صدرت قرارات بالإجماع على الوحدة مع سوريا والمناداة بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا، وفق ما قرره المؤتمر السوري، والابتعاد عن الشرور، والمحافظة على أموال المواطنين المسيحيين وأملاكهم، وأرواحهم، ودفع الأذى عنهم، وإنذار المعتدين والمخالفين، وتفويض السيدين عبد الحسين شرف الدين وعبد الحسين نور الدين للسفر إلى دمشق، والاجتماع بالسيد محسن الأمين الذي يسكن دمشق، وإبلاغه قرارات المؤتمر ليصار إلى نقلها إلى الملك فيصل.
ويذكر السيد محسن الأمين أن الوفد قابل الملك فيصل لأخذ رأيه فيما يصفونه، فرد: ” إن أهل جبل عامليعزون علي ولا أريد أن يصيبهم بسببي سوء “.
وكان الوفد في طريقه إلى دمشق للقاء حاكم القنيطرة، محمد الفاعور، وكان قد اجتمع حشد من رؤساء العشائر الذين تداولوا في أمر مواجهة الفرنسيين.
وحسب ما ورد في مذكرات السيد عبد الحشين شرف الدين ، أن رأي محمود وصحبه، كان يصب في خانة رأي الوفد العاملي الذي تلتقي مع موقف الملك فيصل، المعتمدة على التفاوض مع الفرنسيين قبل المبادة إلى العنف، وإراقة الدماء وتشريد الأهالي، من دون الوصول إلى نتيجة.
في هذا المؤتمر التاريخي، وحدت الزعامة على جبل عامل، غير أنه كان يوجد بعض الأطراف الذين في السلم، وكان المستفيدون من الفوضى كثر في صفوف ” العصابات ” التي راحت تفرض خوات على الأهالي.
هذا التوجه لم يرقْ للسلطات المحتلة، فجهزت حملة إثر فتنة عين إبل، في 5 ايار 1920، التي لم تترك وسيلة للعنف إلا واستعملتها، فأعدمت كل الثوار الذين ألقت عليهم القبض، وحكمت بالنفي على كامل الأسعد وبعض الوجهاء ورفرضت غرامات كبيرة على العامليين، وأجبرتهم على تليين موقفهم، خصوصاً أن حالة الاستياء من ممارسات بعض العصابات في فرض الخوات واستباحة المحرمات، قد بلغت حداً لا يطاق.
يتبع…
الزّعيم الوائليّ كامل بك الأسعد