تتحول معركة اجتياح رفح تدريجياً إلى أزمة للجيش الاسرائيلي وسط تحذيرات من أن معدل القتل المرتفع بين المدنيين وقرار محكمة العدل الدولية والإنهاك بالجيش الإسرائيلي قد تؤدي إلى إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار حتى بدون صفقة لتبادل الأسرى.
ويتقدم الجيش الإسرائيلي في المدينة، ولكن حتى الإخلاء القسري لم يحل مشكلة القتال في منطقة كثيفة السكان، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. إذ تتوالى المذابح الإسرائيلية خلال عملية اجتياح رفح وآخرها مذبحة المواصي غربي رفح التي وقعت في 28 ايار سقط فيها أكثر من 20 شهيداً، وفقاً للجنة الطوارئ في رفح، بعدما أطلقت طائرات مسيرة إسرائيلية على مخيم في منطقة المواصي عدة صواريخ، علماً بأن النازحين قد جاءوا لهذه المنطقة بناء على منشورات الجيش الإسرائيلي.
وأضاف الاتحاد أن العقوبات المطروحة التي تمت مناقشتها خلال اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل، أمس الإثنين، تشمل تعطيل العمل باتفاقية الشراكة الأوروبية مع إسرائيل التي تعطيها ميزات اقتصادية. وطالبت بعض دول الاتحاد بإعطاء إنذار نهائي لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبيل المُضي في تطبيق أي عقوبات. من المسلم به أن الولايات المتحدة غير راضية عن اجتياح رفح، لكن إسرائيل تمكنت، تحت التهديد، من إجلاء حوالي مليون فلسطيني من المدينة، ولا يوجد حتى الآن حق النقض الأميركي ضد دخولها، حسب تقرير صحيفة Haaretz. لكن ذلك لم يسلم من كارثة أخرى. ففي أقل من يوم، قُتل العشرات من المدنيين الفلسطينيين نتيجة غارة جوية إسرائيلية، كما قُتل جندي مصري إثر تبادل إطلاق النار بين جندي إسرائيلي والجيش المصري حول منطقة معبر رفح. وتقول الصحيفة الإسرائيلية إنه كما كان متوقعاً، فإن “الإخلاء القسري لجزء كبير من السكان المدنيين في المدينة لم يحل المشكلة بالكامل. وقد ظلت رفح مزدحمة؛ حيث يقدر عدد السكان المتبقين بنحو 350 ألف شخص. وفي مساء يوم الأحد، زعم الجيش الإسرائيلي أنه قتل اثنين من كبار قادة حماس في الضفة الغربية، وهما خالد النجار وياسين ربيعة. وهذا هو مركز القيادة الذي تديره حماس انطلاقاً من قطاع غزة لتنفيذ هجمات في أنحاء الضفة الغربية، بالاعتماد على السجناء المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق جلعاد شاليط. ولأسباب لم يتم توضيحها بعد، وقعت غارة جوية ثانية على مخيم مجاور، حسب الصحيفة الإسرائيلية. وتزعم الصحيفة أنه من المحتمل أن تكون شظية من إحدى القنابل قد انحرفت إلى داخل المعسكر؛ ما أدى إلى نشوب حريق كبير هناك. وأفادت التقارير بأن حوالي 45 مدنياً فلسطينياً قد استُشهدوا حرقاً وأصيب كثيرون آخرون. وبحسب بعض التقارير الواردة من الجانب الفلسطيني، فإن المخيم يقع في موقع تم تحديده كملاذ آمن؛ وهي إحدى المناطق التي حددها جيش الدفاع الإسرائيلي لسكان رفح كمنطقة آمنة؛ حيث يزعم أنه يحرص على عدم قصفها. وبحسب مصادر الجيش الاسرائيلي، فهي ليست منطقة تم تصنيفها مسبقاً على أنها آمنة، مثل المواصي -وهي منطقة زراعية قريبة من الساحل- بل هي جزء من حي لم يُطلب من سكانه إخلاؤه. وفي يوم الإثنين، بدأ مسؤولون في الجيش الإسرائيلي بفحص آلية التحقيق التي تجريها هيئة الأركان العامة لتحديد الخطأ الذي حدث. ونفت مصادر الجيش ما قاله الجانب الفلسطيني بأن سبع قنابل تزن كل منها طناً أُسقطت على الموقع. وزعم أن قنبلتين أُسقطتا في الهجوم، وكان وزن كل منهما أقل. ولم يعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلا بعد ظهر يوم الإثنين عن أسفه لما أسماه “الحادث المأساوي”، وقال للكنيست إن إسرائيل ستحقق في الملابسات وتستخلص النتائج. وفي الساعات العشرين التي سبقت الخطاب تقريباً، لم يزعج نتنياهو أي مسؤول سياسي رسمي بالتعبير عن أسفه لمقتل مدنيين غير مقاتلين في هجوم إسرائيلي، والوحدة التي فعلت ذلك كانت مكتب المدعي العام العسكري يفعات تومر يروشالمي. والأسوأ من ذلك أن المتحدثين باسم الحكومة احتفوا بوفاة المدنيين في سلسلة من المنشورات الوحشية على وسائل التواصل الاجتماعي، حسب الصحيفة الإسرائيلية. وتقول الصحيفة “بعد ما يقرب من ثمانية أشهر من الحرب، يبدو أن الخطة الكبرى لزعيم حماس في غزة يحيى السنوار تسير كما هو مخطط لها”. وأدان العديد من الدول إسرائيل على الفور بسبب مقتل المدنيين. والسؤال الآن هو ما إذا كان هذا الحادث، الذي وقع بعد يومين من قرار محكمة العدل الدولية، من شأنه أن يزيد من الضغوط الدولية الرامية إلى وقف إطلاق النار، حتى من دون أن يكون مشروطاً بصفقة إطلاق سراح الرهائن. في غضون ذلك، كانت هناك أزمة أخرى لم تكن متوقعة؛ إذ تبادل جنود إسرائيليون ومصريون، صباح الإثنين، إطلاق النار عند معبر رفح الحدودي. واستُشهد جندي مصري وأصيب آخرون، تقول الصحيفة الإسرائيلية “هنا أيضاً، الظروف ليست واضحة تماماً بعد، لكن هذا الحادث النادر يعكس شدة التوتر عند التقاء الحدود الثلاثة والذي اشتد بشكل كبير مع توغل الجيش الإسرائيلي في رفح”. وزعم المحامي العام العسكري، الذي تحدث يوم الإثنين في مؤتمر لنقابة المحامين الإسرائيلية في إيلات، إن الادعاءات ضد إسرائيل بشأن القتل المتعمد للمدنيين لا أساس لها من الصحة. وقال إنه منذ بداية الحرب، تم فتح حوالي 70 تحقيقاً للشرطة العسكرية في شبهات حول سلوك إجرامي للجنود، بما في ذلك التحقيقات المتعلقة بمعاملة المعتقلين الفلسطينيين في قاعدة سدي تيمان. ولكن الواقع أن صحيفة هآرتس كشفت أن 27 من سكان غزة ماتوا في هذه القاعدة منذ بداية الحرب، وكانت هناك روايات قاسية عن الانتهاكات التي تعرضوا لها). كما أنه رغم نفي المحامي العام العسكري، فإن إذاعة الجيش الإسرائيلي ذكرت أن رئيس أركان للجيش الاسرائيلي قد عين لجنة استشارية لدراسة أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجن “سديه تيمان” الصحراوي يوم الإثنين، قال الوزير البارز في الحكومة وعضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت من حزب الوحدة الوطنية، في جلسة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، إن تصاعد القتال في القطاع خلق نافذة زمنية ضيقة قدرها بنحو أسبوع، للمُضي قُدماً في عملية التفاوض وإبرام صفقة لتبادل الأسرى في ظل الضغط العسكري الإسرائيلي في رفح. وفي الوقت نفسه، ادعى اللواء (احتياط) نيتسان ألون، الذي يرأس قسم الجنود المفقودين والأسرى في الجيش الإسرائيلي، أنه تم إخراج التصريحات المنسوبة إليه في أخبار القناة 12 من سياقها والتي قالت إنه يشعر باليأس بشأن المفاوضات وأنه لا يوجد أي احتمال للتوصل إلى اتفاق حول صفقة الأسرى في ظل الحكومة الإسرائيلية في ظل التشكيل السياسي الحالي. وسارع نتنياهو إلى إصدار بيان يدين ألون، مدعياً أن “الإحاطات الواردة من داخل فريق التفاوض لا تؤدي إلا إلى تشديد مواقف حماس وتأخير إطلاق سراح الرهائن”. تعلق الصحيفة قائلة “إنه يمكن قول الشيء نفسه عن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه. في كل مرة تكون هناك جولة من المحادثات في محاولة لإحياء المفاوضات، كما حدث يوم السبت الماضي، يسارع مسؤول سياسي لم يذكر اسمه إلى إطلاع الصحفيين على أنه لا توجد فرصة لقبول مطلب حماس بوقف الأعمال العدائية مقابل عودة الرهائن؛ لذلك، من المؤكد مرة بعد مرة أن حماس ستتمسك بموقفها المتصلب، حسب تعبير الصحيفة الإسرائيلية. ويمثل القصف النادر للصواريخ يوم الأحد منطقة تل أبيب ومنطقة شارون، لأول مرة منذ أربعة أشهر، الرد الفلسطيني على اجتياح رفح من قبل الجيش الإسرائيلي. وتسيطر حماس على مواقع لإنتاج وتخزين الصواريخ متوسطة المدى في محيط حي الشابورة في رفح. ويبدو أن أمراً صدر (من قيادة حماس) بإطلاق الصواريخ قبل أن يصل إليهم للجيش الإسرائيلي. كانت هذه محاولة للإشارة إلى أن حماس لا تزال قادرة على إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية وأنها لا تنوي إلقاء سلاحها، أدى القصف إلى إصابة امرأة بجروح طفيفة في هرتسليا جراء إصابتها بشظية. الصعوبة الأساسية في اجتياح رفح بالنسبة لإسرائيل، إلى جانب العملية في جباليا شمالي غزة، لا تتعلق بالجبهة الداخلية بل بالأحرى بالضغوط المتراكمة على القوات المقاتلة. وهذا هو الحال عندما يتعلق الأمر بالجيش النظامي، الذي يتحمل عبء القتال المستمر، وهذا العبء امتد الآن أيضاً إلى وحدات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي. إذ أدت الإدارة غير المنظمة في الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للفترة المقبلة، وهو ما يتعارض في كثير من الأحيان مع الخطط السابقة المقدمة إلى الوحدات. لقد تقبل جنود الاحتياط الاستدعاء في كانون الأول أو كانون الثاني على أساس أنهم أمام حرب شديدة الحدة من أجل إعادة الرهائن وهزيمة حماس، ولكن هذا الأمر يلقى قبولاً أقل بينهم في أيار أو حزيران عندما يكون من الواضح أنها حرب استنزاف طويلة دون أن يبدو أن هناك مؤشرات في الأفق على استسلام حماس في المستقبل القريب (كما كانت تروّج إسرائيل في بداية الحرب). وتقول الصحيفة الإسرائيلية إنه يأتي ذلك على خلفية استمرار السياسات الائتلافية التافهة. وخلافاً لرأي وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزراء حزب الوحدة الوطنية، يحاول نتنياهو إيجاد حلول من شأنها تجاوز الأزمة حول مشروع القانون المصمم لمواصلة تهرب اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية. في المقابل، يخطط الوزير بيني غانتس لمغادرة فصيل حزب الوحدة الوطنية في 8 حزيران من الائتلاف الحاكم بسبب الافتقار الواضح للمساواة الذي تروج له الحكومة. وحتى ذلك الحين، لا تزال الحرب في القطاع مستمرة، ولا تزال البلدات الواقعة على الحدود الشمالية مع لبنان تتعرض لنيران كثيفة يومياً من حزب الله. كل ذلك يأتي في وقت سجل الاقتصاد الإسرائيلي انكماشاً للربع الثاني على التوالي، حسب بيانات مكتب الإحصاء الحكومي، ويفاقم ذلك أعباء الحكومة التي تسعى لدعم الاقتصاد المحلي بشتى الطرق في مواجهة تداعيات الحرب المستمرة على قطاع غزة للشهر الثامن. وانكمش الاقتصاد الإسرائيلي -وفقاً للبيانات- في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 1.4% على أساس سنوي. وكان الاقتصاد قد انكمش في الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 21.7%. كل ذلك يدل على أن تداعيات الحرب المباشرة وغير المباشرة ما زالت تحد من نمو الاقتصاد وتلقي بأعبائه على سكان إسرائيل، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي بنسبة 3% على أساس سنوي، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع “الجزيرة.نت” وتقول صحيفة هآرتس إنه من الممكن أن الضغط الهائل على أولئك الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى الخسائر العديدة في القتال، في الواقع يقرب نقطة الانهيار بالنسبة للجمهور الإسرائيلي الذي يتحمل العبء. |