ماذا لو لم تلتزم إسرائيل بتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية؟

أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، أمرت الجمعة إسرائيل بتعليق عملياتها العسكرية في رفح “فورا”، وهو قرار يزيد الضغوط الدولية على البلاد، بعد أكثر من سبعة أشهر من بدء حرب غزة إثر هجوم حماس في 7 أكتوبر.

كما أمرت المحكمة التي تعد قراراتها ملزمة قانونا، ولكنها تفتقر إلى آليات لتنفيذها، إسرائيل بالإبقاء على معبر رفح بين مصر وغزة مفتوحا، وهو مغلق منذ إطلاق عمليتها البرية في المحافظة في أوائل مايو.

كما دعت المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي بهولندا، إلى “الإفراج الفوري وغير المشروط” عن الرهائن المحتجزين في غزة.

وأكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن قرارات محكمة العدل الدولية “ملزمة”، ويتوقع أن يلتزم بها الأطراف المعنيون “بحسب الأصول”.

رفضت إسرائيل،  اتهامات جنوب أفريقيا لها بارتكاب إبادة جماعية، في وقت أكدت فيه أن عملياتها العسكرية في مدينة رفح “لا تهدد بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين

 

“.

ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو اتهامات جنوب أفريقيا لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ووصفها بأنها “كاذبة ومشينة”.

وأضاف أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح لم ولن “تؤدي إلى هلاك السكان المدنيين الفلسطينيين”.

وأوضح مكتب نتانياهو في بيان مشترك مع وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه سيواصل السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة “بما يتفق مع القانون”.

بدوره قال مستشار الأمن القومي تساحي هانغبي والمتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية في بيان مشترك إن “إسرائيل لا تعتزم ولن تنفذ عمليات عسكرية في منطقة رفح تؤدي إلى ظروف معيشية يمكن أن تتسبب بتدمير السكان المدنيين الفلسطينيين، سواء في شكل كامل او جزئي”.

 فوجئت الدوائر الأميركية بقرار محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، الذي تأمر فيه إسرائيل بوقف هجومها في رفح فورا، وإشارتها إلى “خطر هائل” على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى جنوب قطاع غزة.

ودعت المحكمة إسرائيل إلى “الوقف الفوري لهجومها العسكري، وأي عمل آخر في محافظة رفح، قد يفرض على السكان الفلسطينيين في غزة ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليا أو جزئيا”.

وسبق أن أكدت تقارير منظمات دولية وحقوقية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، أن إسرائيل لم تترك أي ملاذ آمن لأكثر من 1.2 مليون فلسطيني نزحوا إلى رفح خلال الأشهر الثمانية الماضية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.

ويضع قرار المحكمة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في موقف صعب، رغم أنها كررت في مناسبات عديدة ما توصلت إليه المحكمة ودعت إسرائيل إلى التراجع عن خططها لشن عملية واسعة في مدينة رفح. وقال البيت الأبيض مرارا إن إسرائيل لم تمده بخطة متكاملة لمواجهة تبعات اقتحام المدينة المكتظة بالسكان والنازحين.

وذكرت هايدي ماثيوز أستاذة القانون الدولي بكلية الحقوق في جامعة يورك في كندا، والتي سبق لها العمل مع محكمة العدل الدولية بالمحاكمة الخاصة بسيراليون، أنه “بإصدار المحكمة لأوامرها، فقد قررت فعليا أنه من غير الممكن في ظل الظروف الراهنة في غزة أن تشن إسرائيل هجوما عسكريا على رفح بطريقة تتسق مع القانون الإنساني الدولي”.

وأوضحت في حديث للجزيرة نت، أن المحكمة “رفضت بشكل حاسم، ادعاء إسرائيل بأنها اتخذت تدابير كافية لتقليل الضرر الذي يلحق بالسكان المدنيين وتوفير ضروريات الحياة في غزة”.

واتفقت المعلقة السياسية والخبيرة بالشؤون الدولية آسال راد مع الطرح السابق، وقالت للجزيرة نت “أعتقد أن قرار محكمة العدل الدولية يتناسب مع جوقة الأصوات العالمية التي حذرت من غزو إسرائيل لرفح باعتبارها الملاذ الأخير للفلسطينيين في غزة”.

 

 

 

موقف بايدن الصعب

وقالت هايدي ماثيوز إنه وبالنظر إلى أن بايدن قد أشار سابقا إلى أن الولايات المتحدة لا تدعم هجوما واسع النطاق في رفح، فإن أمر المحكمة يضع الإدارة في موقف صعب للغاية. ولغرض تقييم الأثر الإنساني للحرب على السكان الفلسطينيين في غزة، تضيف ماثيوز، فقد رفضت المحكمة ادعاء إسرائيل بأن هجومها على رفح ليس واسع النطاق، بل هو محدد ومحدود ومحلي.

ومن المرجح بحسب ماثيوز، أن يضطر بايدن الآن إلى اختيار ما إذا كان سيحافظ على موقفه السابق ضد هجوم رفح واسع النطاق من خلال عدم استخدام حق النقض ضد أي قرار لمجلس الأمن قد يتم طرحه لتنفيذ أمر محكمة العدل الدولية.

في حين رأى بروس فاين، المساعد السابق لنائب وزير العدل الأميركي والخبير القانوني، أن قرار محكمة العدل الدولية ليس له تأثير كبير على الأرض. مرجحا أن يؤدي هذا القرار إلى تقوية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسيا داخل إسرائيل.

وأضاف فاين للجزيرة نت “سوف يندد بايدن بقرار محكمة العدل الدولية قائلا إنه سيشجع حماس ويُعقد وقف إطلاق النار، وسيضطر بايدن لتجاهل حماسه لمذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.

من جانبها، سلطت آسال راد الضوء على التباين في موقف بايدن وقرار محكمة العدل الدولية، مشيرة إلى أنه في حين قالت إدارة بايدن مرارا وتكرارا إنها لن تدعم عملية كبرى في رفح، فإن المسؤولين الأميركيين حاولوا تصوير تصرفات إسرائيل في رفح على أنها محدودة في نطاقها.

ومع ذلك، فإن قرار محكمة العدل الدولية الذي نص على أنه يجب على إسرائيل وقف عملياتها في رفح فورا وفقا لالتزامها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، يظهر بوضوح الطبيعة المدمرة للهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح بحسب راد.

وأضافت المعلقة السياسية “يجب على إدارة بايدن الآن التحرك لوقف عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل أو خرق حكم المحكمة. ولسوء الحظ، أظهرت الأشهر الثمانية الماضية أن الإدارة مستعدة لتحطيم القانون الدولي من أجل دعم تصرفات إسرائيل في غزة”.

 

 

 

قرار لا قيمة له

في الوقت ذاته، ومع عدم صدور بيان رسمي من البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية حول قرار محكمة العدل الدولية، قلل عدد من المسؤولين والمعلقين الأميركيين من أهمية القرار.

وقال ديفيد آرون ميلر، الدبلوماسي السابق والخبير حاليا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، في تغريدة له على موقع إكس “لن تغير أحكام محكمة العدل الدولية ولا المحكمة الجنائية الدولية أي شيء على الأرض في غزة”.

واعتبر ميلر أن “السبيل الوحيد للمضي قدما هو التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس، ينتج عنه وقف إطلاق النار، ويحرر الرهائن ويهيئ الظروف لزيادة دخول المساعدات إلى غزة. مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز يجتمع مع إسرائيليين وقطريين في أوروبا”.

في حين سخر السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، العضو باللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، من قرار المحكمة. وقال “بقدر ما أشعر بالقلق، يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تذهب إلى الجحيم. لقد حان الوقت منذ زمن طويل للوقوف في وجه ما يسمى بمنظمات العدالة الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة”.

وزعم غراهام أن “تحيزهم ضد إسرائيل ساحق”، وقال إن “قرار محكمة العدل الدولية بأن على إسرائيل أن توقف العمليات الضرورية لتدمير 4 كتائب من قتلة حماس وإرهابييها -الذين يستخدمون الفلسطينيين كدروع بشرية- أمر مثير للسخرية. وهذا ما ينبغي أن تتجاهله إسرائيل”.

وفي شرحه للموقف الأميركي إزاء قرارات المحكمة الدولية، يعتقد تاريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي بالعاصمة واشنطن، أنه “عندما تتحدث إدارة بايدن عن نظام قائم دولي على القواعد، فإنها تتحدث عن نظام تتحكم فيه الولايات المتحدة، ولا تقصد به نظاما قائما على القواعد”.

المصدر : الجزيرة