بيّنت التحقيقات الأولية في حادثة إطلاق النار على السفارة الأميركية في عوكر أن الحادثة مدبّرة، وأن مجموعة وقفت خلف التحضير لها، وأن شخصاً سورياً وقع عليه خيار التنفيذ، وهذا الاخير تلقى تعاليم دينية واضحة ومستمرة في أحد مساجد مجدل عنجر، وأن من وقف خلف تزويده بها مجموعة من الدعاة المنتمين إلى الحالة السلفية الجهادية من بينهم داعية سوري.
وقد أقر هذا الأخير أثناء التحقيق الإستنطاقي بعد توقيفه من قبل دورية تابعة لمديرية المخابرات وإقتياده إلى مقرها الرئيسي، أنهم قاموا بتزويد مطلق النار بتعاليم دينية واضحة حيال مسألة الجهاد في سبيل الله ونصرة المسلمين، وأنه قام بفعلته بقصد الجهاد، وإنتقاماً من الولايات المتحدة الأميركية التي تساند “اليهود” في عدوانهم على غزّة ونصرةً لهذه الأخيرة.
بالاضافة إلى ذلك، بيّنت التحقيقات بشكلٍ أولي، أن العنصر الذي لم يتأكد بعد ما إذا كان مبايعاً لأحد التنظيمات الجهادية التكفيرية أم أنه مناصر لها (وثمة فرق كبير بين البيعة والنصرة)، أنه من ضمن مجموعة تعمل الاجهزة الأمنية على ملاحقة أفرادها. غير أن المجموعة المحتملة، لم تشارك لوجستياً بتوفير مساعدة للموقوف السوري في أثناء قيامه بإطلاق النار خلافاً لمعلومات تم ترويجها سابقاً حول تلقيه مساعدة من قبل 4 أفراد حضروا إلى المكان.
وفي الرواية الاولية لمحاولة الهجوم التي تعرض لها أحد مداخل السفارة، فإن الموقوف السوري الذي اصيب في تبادل لإطلاق النار مع عناصر الجيش في محيط السفارة، توجّه إلى بيروت على متن “فان” مخصص لنقل الركاب من البقاع. ويعتقد أنه إستخدم أكثر من فان في طريقه إلى عوكر. وعند وصوله إلى منطقة قريبة من السفارة نزل وسار صعوداً حيث عبر الاحراش بإتجاه أقرب نقطة إلى البوابات. هناك دخل إلى أحد الابنية وأخرج من حقيبة كانت بحوزته سترة تحمل شعاراً يعود لتنظيم “الدولة الإسلامية” داعش، بالاضافة إلى سلاح أوتوماتيكي “كلاشنكوف”، وقناعاً ثم سار في الشارع متوجهاً إلى البوابة ما لبث أن قام بإطلاق النار مما تسبب بتبادل لاطلاق النار مع أفراد الحماية من الجيش سقط على إثرها مصاباً بطلقات في أماكن متفرقة من جسده، نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري حيث خضع لعملية جراحية تكللت بالنجاح وهو في حالة مستقرة.
وقد أظهرت التحقيقات أيضاً، خلو الحقيبة التي كانت في حوزة المهاجم من أي آثار لمواد متفجرة، ما يكشّف خللاً في الرواية التي قدمها وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي مما أثار تساؤلات عدة حول الاسباب أو المصادر الأمنية التي إستقى منها الوزير معلوماته وإذا ما كانت تعمل على توريطه أو تضليل التحقيق أم لا. غير أن ذلك وعلى أهميته، لا يلغي أن جميع الأجهزة تقريباً تعاونت في ما بينها لكشف ملابسات الحادثة وتوقيف المطلوبين.
عملياً بدا للوهلة الاولى، أن مطلق النار قام بإستطلاع المكان المستهدف مسبقاً ونجح في تحديد الممرات التي عليه سلوكها، أو أن ثمة مجموعة قد تولت الاستطلاع تحضيراً للعملية، وهي اسئلة من المفترض أن تجيب عنها مديرية المخابرات التي تتولى التحقيقات بتكليف وإشراف مباشر من القضاء المختص.
ومع شيوع خبر العملية، تحركت أجهزة أمنية متعددة بإتجاه بعض قرى البقاع الأوسط، وقامت بعمليات توقيف لاسيما في بلدة مجدل عنجر. وعلم في هذا الاطار أن إستخبارات الجيش أوقفت 5 أشخاص من معارف مطلق النار من بينهم رجال دين (دعاة). كذلك أوقفت المديرية العامة لأمن الدولة في عملية خاصة شقيق مطلق النار ويدعى قتادة الفرّاج. وبعد تفتيش منزله، عثر في داخله على مواد كيميائية يمكن إستخدامها في صناعة عبوات ناسفة، مع الإشارة إلى أن شقيقه، إدعى بأنه يعمل كموظف مدني لدى أحد الضباط وقد جرى تسليمه لاحقاً إلى مديرية المخابرات. في المقابل، أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي 3 أشخاص آخرين، لكن لم يقم بتسليمهم إلى إستخبارات الجيش لغاية كتابة هذه السطور.