قبل أيام عرض الصحافي المكسيكي، خوسيه خايمي موسان، الذي يروج باستمرار لوجود حياة أخرى خارج كوكب الأرض، جثتين أدعى أنهما لكائنات فضائية، هبطت على الأرض قبل ألف سنة، ورغم أنه لم يتمكن من إثبات صحة ذلك الادعاء، إلا أن الضجة المصاحبة لذلك الإعلان لا تزال مستمرة حتى الآن.
ليست تلك المرة الأولي التي يتسبب فيها موسان بضجة من ذلك النوع، فقد تعرض قبل 6 سنوات لانتقادات بعد أن شارك في فيلم وثائقي، وعرض بقايا لكائنات قال إنها “فضائية” ثم ثبت فيما بعد كذب ادعائه.
لكن هل يعني كذب “موسان” عدم وجود حياة أخرى في الكون الفسيح؟
يعد سؤال “هل توجد حياة خارج الأرض” من الأسئلة الأكثر عمقاً وإثارة في العلم.
وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع على وجود حياة خارج كوكب الأرض، إلا أن العلماء لم يتمكنوا أيضاً من نفي تلك المسألة، فالظروف التي تتيح الحياة على كوكبنا الأزرق تتوافر في ملايين الكواكب الأخرى.
قبل نحو 4 مليارات سنة كانت البيئة على كوكب الأرض غير مستقرة ومعادية بشكل كامل للحياة التي نعرفها اليوم. خلال تلك الفترة، اندلعت براكين، وتشكلت صخور ساخنة، وساد طقس متطرف للغاية منع الحياة.
وحين تحسنت تلك الظروف؛ بدأت الحياة بالظهور. وتُشير الأدلة العلمية إلى أن العناصر الأساسية للحياة كالماء والكربون كانت متاحة بوفرة قبل حوالي 3.7 مليار سنة. تفاعلت الجزيئات مع بعضها البعض بعشوائية، لتكون هياكل معقدة تُشبه البروتينات والحمض النووي.
وبعد بضع ملايين من السنين، تطورت تلك الهياكل إلى الكائنات الحية البسيطة وحيدة الخلية. ثم بدأت عمليات الانقسام الخلوي، ونقل الجينات والتنوع الوراثي ما سمح بتطور الحياة بشكل مذهل لتصل إلى ما هي عليه اليوم.
ظروف ملائمة للحياة على الأرض
هناك مجموعة من العوامل المحددة التي يُمكن أن تسهم في إمكانية وجود وتطور الحياة، بالشكل الذي نعرفه على كوكب الأرض.
من بين تلك الظروف، وجود الماء السائل الذي يساعد على تكوين الجزيئات الكيميائية ويعمل كمحفز ووسيط للتفاعلات الكيميائية الحيوية، ويوفر بيئة مناسبة لتكوين البنية الجزيئية للبروتينات والحمض النووي.
ويعتقد العلماء أن هناك العديد من الكواكب وحتى الأقمار، التي توجد فيها كميات ضخمة من الماء، فقد تمَّ اكتشاف أدلة قوية على وجود تكوينات جيولوجية تشير إلى وجود مياه سائلة في الماضي على سطح المريخ، مثل الأودية الجافة وما يشبه البحيرات القديمة على سطح الكوكب الأحمر، مما أثار تساؤلات “هل توجد حياة على كوكب المريخ” من جديد.
على سبيل المثال يعتقد العلماء أن قمر كوكب زحل المعروف باسم “إنسيلادوس” يحتوي على محيط مائي ضخم تحت سطحه، إذ تُشير البيانات المأخوذة من مركبة “كاسيني” التي درست زحل وأقماره إلى وجود مياه تحت الجليد السطحي لإنسيلادوس.
كان ذلك الاكتشاف مثيراً للغاية، فوجود ماء تحت سطح القمر يُمكن أن يوفر حياة، خاصة مع وجود الحرارة المناسبة جراء نشاط القمر الجيولوجي، فالحياة، كما نعرفها، تتطلب وجود درجات حرارة تسمح بوجود الماء في الحالة السائلة.
الكوكب الصالح للسكن
يبحث العلماء عن الحياة خارج الأرض كما نعرفها في الكواكب الواقعة في النطاقات الصالحة للحياة، حيث تلعب المسافة بين الكوكب ونجمه الأم دوراً حاسماً في تحديد درجات الحرارة والظروف الجوية عليه، ويجب أن تكون المسافة مناسبة للحصول على حرارة وضوء كافيين لدعم الحياة.
كما يجب توفر غلاف جوي مناسب على الكوكب للسماح بوجود الأكسجين والنيتروجين وغازات أخرى ضرورية للتنفس والحياة، ولتقليل تعرض الكوكب للإشعاعات الضارة.
كما يفضل أن يكون الكوكب مستقراً من الناحية الجيولوجية، وقد عثر العلماء بالفعل على عدد من الكواكب الواقعة في تلك النطاقات، وذلك بعد إطلاق وكالة الفضاء الأميركية “ناسا” قمرها الصناعي في عام 2018 لمسح الكواكب الخارجية العابرة (TESS) بهدف البحث عن الكواكب الخارجية.
حققت تلك المهمة نجاحاً كبيراً في اكتشاف الآلاف من الكواكب المرشحة خارج المجموعة الشمسية، بما في ذلك بعض الكواكب بحجم الأرض، وتقع في المنطقة الصالحة للسكن حول نجمها.
لكن الأمر لا يقتصر على وجود الكوكب ضمن النطاق الصالح للسكن، بل يمتد أيضاً ليشمل ضرورة احتواء الكوكب على كربون وهيدروجين ونيتروجين وفوسفور لتكوين الجزيئات العضوية.
وحتى الآن لم يتأكد العلماء من وجود ذلك الخليط من المواد الكيميائية في الكواكب الخارجية، إلا أن هناك العديد من التكهنات بشأن وجود تلك المواد في عدة أجرام سماوية من ضمنها “إنسيلادوس”.
اكتشافات تدعم فكرة وجود حياة خارج الأرض
هناك العديد من الاكتشافات والنتائج التي تدعم نظرية الحياة خارج الأرض، على الرغم من أن أياً منها لا يقدم دليلاً قاطعاً على وجود حياة خارج كوكب الأرض.
وأدى اكتشاف الآلاف من الكواكب الخارجية (كواكب تدور حول نجوم خارج نظامنا الشمسي) إلى توسيع احتمالات وجود عوالم صالحة للحياة.
تقع بعض الكواكب الخارجية داخل المنطقة الصالحة للسكن حول نجمها، حيث قد تكون الظروف مناسبة لوجود الماء السائل على أسطحها، وهو عنصر أساسي للحياة كما نعرفها.
كما أن هناك اكتشافات تأتي من داخل الأرض لتدعم فرضية الحياة خارجها، فوجود الكائنات الحية الدقيقة والتي تزدهر في البيئات القاسية مثل الفتحات الحرارية المائية في أعماق البحار، والبحيرات الحمضية، والمناطق ذات الإشعاع العالي، يشير إلى أن الحياة يمكن أن تتكيف مع الظروف القاسية، ما يثير احتمال وجود الحياة في بيئات قاسية مماثلة على الأجرام السماوية الأخرى.
كذلك تحتوي أقمار مثل أوروبا (قمر المشتري) وإنسيلادوس (قمر زحل)، على محيطات تحت السطح من الماء السائل تحت أصدافها الجليدية. وتعتبر هذه البيئات موائل محتملة للحياة، لأنها توفر الماء والعناصر الغذائية الكيميائية.
وتم اكتشاف الجزيئات العضوية، بما في ذلك الأحماض الأمينية والمركبات العضوية المعقدة، على المذنبات والكويكبات والأجرام السماوية الأخرى.
وتم العثور على ما يقرب من 20 ألف جزيء عضوي يتكون من الكربون أو الهيدروجين أو النيتروجين أو الأكسجين أو الكبريت في العينات التي أعيدت إلى الأرض من الكويكب “ريوجو” بواسطة مهمة “هايابوسا 2” التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية.
كما أثار اكتشاف الميثان على المريخ الاهتمام، لأنه يمكن إنتاجه عن طريق العمليات الجيولوجية والبيولوجية.
وفي حين أن المصدر الدقيق للميثان المريخي لا يزال موضع نقاش، فإن وجوده يثير أسئلة مثيرة للاهتمام بشأن إمكانية وجود حياة ميكروبية.
البحث عن حياة
منذ عقود يستمر مشروع البحث عن ذكاء خارج الأرض والمعروف باسم SETI، حيث يقوم بمسح الكون بحثاً عن إشارات قد تشير إلى وجود حضارات متقدمة، وفي حين لم يتم الكشف عن أي إشارات قاطعة، إلا أن الجهود الجارية مستمرة للبحث عن مثل هذه العلامات.
لكن كيف يبحث العلماء عن احتمالية وجود الحياة خارج كوكب الأرض؟
يتيح استخدام التلسكوبات الفضائية للعلماء النظر في الكواكب والأقمار بدقة عالية وبعيداً عن تأثير الغلاف الجوي للأرض، فالتلسكوبات الفضائية مثل تلسكوب هابل وتلسكوب كيبلر وتلسكوب جيمس ويب، أسهمت في اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، ودراسة جزيئات وغازات تشير إلى وجود حياة على الكواكب.
كما يتم استخدام أجهزة تحليل الأشعة المرئية والموجات الكهرومغناطيسية لاستقبال وتحليل الإشعاعات القادمة من الكواكب والأقمار.
ويمكن من خلال هذا التحليل تحديد تركيب الغلاف الجوي والمواد المكونة للكواكب، واستنتاج ما إذا كانت هناك مكونات تشير إلى وجود حياة، مثل الأكسجين والأوزون.
ويُجري الباحثون تحليلاً كيميائياً للمواد الأرضية والجليدية والماء المكتشفة على الكواكب والأقمار الخارجية، إذ يتم التركيز على البحث عن العناصر والمركبات الكيميائية المهمة للحياة مثل الكربون والهيدروجين والأكسجين.
كما يستخدم بعض العلماء مرصداً للأشعة الكونية لاكتشاف الإشعاعات الكونية التي من الممكن أن تكون مؤشرات على وجود حياة، ويُجرى هؤلاء الباحثون تحليلاً للجسيمات الكونية المتعلقة بالكواكب والأقمار لفهم بيئاتها.
وبواسطة الهوائيات الراديوية يحاول العلماء التقاط الإشارات الراديوية غير المعتادة، والتي قد تشير إلى وجود تكنولوجيا أو حضارات ذكية في الفضاء.
وتُخطط بعض المهام الفضائية لجمع عينات من سطح الكواكب والأقمار لتحليلها وبحثها عن دلائل على وجود حياة ميكروبية.
معوقات البحث عن حياة خارج كوكب الأرض
البحث عن حياة خارج كوكب الأرض مسعى صعب ومعقد، وينطوي على العديد من العقبات العلمية والتكنولوجية، فالكون واسع بشكل لا يصدق، مع مليارات المجرات، تحتوي كل منها على مليارات النجوم وربما المزيد من الكواكب، ويعد تحديد واستكشاف أهداف محددة للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض مهمة شاقة للغاية.
كما أن المسافات بين الأجرام السماوية هائلة، حتى مع وجود المركبات الفضائية والتكنولوجيا المتقدمة، قد يستغرق الأمر سنوات عديدة، أو حتى قرون، للوصول إلى الكواكب الخارجية أو الأقمار التي يحتمل أن تكون صالحة للسكن، وهذا يجعل الاستكشاف المباشر وجمع البيانات أمراً صعباً.
وتحد تقنيتنا الحالية من قدرتنا على استكشاف الكواكب والأقمار البعيدة بالتفصيل. على سبيل المثال، الوصول إلى أقرب الكواكب الخارجية إلى نظامنا الشمسي بمهام مأهولة هو أمر يتجاوز قدراتنا الحالية.
كما أن العديد من الأجرام السماوية في نظامنا الشمسي وخارجه لديها بيئات قاسية، مثل درجات الحرارة القصوى، ومستويات الإشعاع العالية، والمواد الكيميائية المسببة للتآكل. وهذه الظروف تجعل من الصعب الهبوط والتشغيل وإجراء التجارب على هذه الأجرام.
ولأن جلب عينات من الأجرام السماوية الأخرى لإجراء تحليل تفصيلي لها على الأرض طريقة مثالية للبحث عن الحياة، فيصعب ضمن الإطار التكنولوجي الحالي جلب عينات تسمح بدراسة مستفيضة لاحتمالات وجود حياة على كوكب أو قمر ما.
وغالباً ما يواجه البحث عن حياة خارج كوكب الأرض مشكلة الغموض البيولوجي، فالسمات التي قد تبدو مؤشرة على الحياة يمكن أن يكون لها أيضاً تفسيرات غير حيوية، ما يؤدي إلى نتائج إيجابية كاذبة.
كما أن العلماء يدرسون الحياة كما نعرفها نحن على كوكب الأرض، وربما توجد حياة بشكل أخر لا نعرفه، وبالتالي لن نستطيع اكتشاف إجابة سؤال “هل توجد حياة خارج الأرض” بسهولة.
كما يتطلب البحث العلمي واستكشاف الفضاء تمويلاً وموارداً كبيرة، وتأمين الدعم المالي طويل الأجل للمشاريع المتعلقة بالبحث عن حياة خارج كوكب الأرض أمر صعب للغاية.