تشير مقابلات مع خمسة مصادر في حركة فتح وحركة حماس الفلسطينيتين إلى أن الانقسامات العميقة ستعوق إحراز تقدم في محادثات المصالحة المقررة بين الحركتين هذا الشهر لكن الاجتماعات تنبئ بأن من المرجح أن تحتفظ حماس بنفوذ بعد حرب إسرائيل على غزة.
ووفقا لمسؤولين من الجانبين، من المقرر أن تعقد المحادثات بين حماس وفتح -التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس- في الصين في منتصف حزيران. وتأتي هذه المحادثات في أعقاب جولتين أجريتا مؤخرا لبحث المصالحة، إحداهما في الصين والأخرى في روسيا. وامتنعت وزارة الخارجية الصينية عن التعليق. وبحسب “رويترز” سيعقد الاجتماع المقبل وسط محاولات من جانب وسطاء دوليين للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث تتمثل إحدى النقاط الشائكة الرئيسية في خطة “اليوم التالي” للحرب في: كيف سيتم حكم القطاع؟
ولكن حتى في ظل تعرضها للحملة العسكرية الإسرائيلية، فإن اجتماعات أعضاء المكتب السياسي لحماس مع مسؤولين من حركة فتح التي تسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة تشير إلى هدف الجماعة المتمثل في تشكيل النظام في الأراضي الفلسطينية بعد الحرب، وفقا لما ذكره مصدر مطلع على المحادثات داخل حماس. ورفض المصدر، مثل غيره من المسؤولين في هذا التقرير، نشر اسمه لأنهم غير مخولين بمناقشة الأمور الحساسة مع وسائل الإعلام. وقال المصدر إن حماس، التي كانت تدير غزة قبل الحرب، تدرك أنها لا يمكن أن تكون جزءا من أي حكومة جديدة معترف بها دوليا للأراضي الفلسطينية عندما ينتهي القتال في القطاع. وذكر المصدر وكذلك القيادي الكبير في حماس باسم نعيم أن الحركة تريد مع ذلك أن توافق فتح على تشكيل حكومة خبراء (تكنوقراط) جديدة للضفة الغربية وغزة في إطار اتفاق سياسي أوسع. وقال نعيم، الذي شارك في الجولة السابقة من محادثات المصالحة في الصين، في مقابلة “نتكلم عن مشاركة سياسية وعن مصالحة بالمفهوم السياسي لإعادة نظم الكينونة الفلسطينية”. وأضاف “أن تكون الحركة في الحكومة أو خارجها ليس هذا هو المطلب الأساسي للحركة أو الذي تصدره كشرط لأي مصالحة”. ويعمل نعيم، مثل الكثير من قادة حماس السياسيين، في المنفى خارج غزة. واحتمال استمرار حماس كلاعب سياسي مؤثر قضية شائكة بالنسبة للدول الغربية. ورغم هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتمثل في القضاء على حماس، فإن معظم المراقبين يتفقون على أن الحركة ستتواجد بشكل ما بعد وقف إطلاق النار. وتعارض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي دور لحماس في حكم قطاع غزة بعد الحرب التي أسفرت عن مقتل أكثر من 36 ألف فلسطيني حتى الآن، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. ومع ذلك، عبر بعض المسؤولين الأميركيين في أحاديث خاصة عن شكوكهم في قدرة إسرائيل على القضاء على الجماعة. وقال مسؤول أميركي كبير في 14 ايار أيار إن واشنطن تستبعد أن تتمكن إسرائيل من تحقيق “نصر كامل”. وقال بيتر ليرنر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن قتل كل عضو في حماس أمر غير واقعي ولم يكن ذلك هدفا للجيش الإسرائيلي، لكن القضاء على حماس كسلطة حاكمة “هدف عسكري يمكن تحقيقه وسهل المنال”. تؤيد الدول الغربية فكرة إدارة قطاع غزة بعد الحرب من قبل السلطة الفلسطينية بعد إعادة هيكلتها، وهي السلطة التي يقودها عباس وتتمتع بحكم ذاتي محدود في مناطق بالضفة الغربية. وتتخذ السلطة الفلسطينية من رام الله مقرا لها، ويعتبرها كثيرون على مستوى العالم ممثلا للفلسطينيين، وتتلقى مساعدات أمنية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. سوليفان: ننتظر رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار وهيمنت فتح، بقيادة عباس ومن قبله ياسر عرفات، بلا منازع على أوراق القضية الفلسطينية لعقود من الزمن حتى صعود حماس. وأدارت السلطة الفلسطينية قطاع غزة حتى عام 2007، عندما طردت حماس فتح من القطاع بعد اقتتال بينهما وذلك عقب عام من هزيمة فتح في الانتخابات البرلمانية، وهي المرة الأخيرة التي أدلى فيها الفلسطينيون بأصواتهم. وعلى الرغم من المحادثات، فإن الخصومة والخلافات بين الحركتين تعني أن احتمالات التوصل إلى اتفاق لإعادة توحيد إدارة الأراضي الفلسطينية لا تزال ضعيفة، حسبما أشارت المقابلات مع المصادر الخمسة، وهو رأي ردده أيضا أربعة خبراء. وقال يزيد صايغ، وهو باحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط “توقعاتي بالتقارب ضئيلة أو دون ذلك”. ويطمح الفلسطينيون إلى إقامة دولة على جميع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية – بما في ذلك القدس الشرقية – وقطاع غزة. وعلى الرغم من اعتراف 143 دولة بفلسطين، بما في ذلك أيرلندا وإسبانيا والنرويج الأسبوع الماضي، تضاءلت الآمال في إقامة دولة ذات سيادة منذ سنوات في ظل توسيع إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية ومعارضتها لإقامة دولة فلسطينية. ويزيد الانقسام بين حماس وفتح من تعقيد هذا الهدف. والحركتان لديهما وجهات نظر متباينة للغاية بشأن الاستراتيجية، إذ تلتزم فتح بالمفاوضات مع إسرائيل لإقامة دولة مستقلة بينما تدعم حماس الكفاح المسلح ولا تعترف بإسرائيل. وخرجت الخلافات إلى العلن خلال القمة العربية التي انعقدت في أيار عندما اتهم عباس حماس “بتوفير المزيد من الذرائع والمبررات” لإسرائيل لتدمير قطاع غزة من خلال شن هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول. وقالت حماس إن هذا التعليق مؤسف، ووصفت السابع من تشرين الاول بأنه لحظة حاسمة في النضال الفلسطيني. ودعا الميثاق التأسيسي لحماس عام 1988 إلى تدمير إسرائيل. وفي عام 2017، قالت حماس إنها وافقت على إقامة دولة فلسطينية انتقالية داخل حدود ما قبل حرب عام 1967، رغم أنها لا تزال تعارض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وتؤكد حماس على هذا الموقف منذ اندلاع الحرب في غزة. |